غضب عارم اجتاح المجتمع العراقي، أشده كان على مواقع التواصل الاجتماعي، إثر حرق الشابة ملاك الزبيدي من محافظة النجف نفسها بعد مشادة مع زوجها الضابط في الأمن الذي يرفض ذهابها إلى بيت أهلها منذ زواجهما قبل ثمانية أشهر، ما دفعها إلى التهديد بالانتحار، ليقدم لها الزوج قدّاحة، وتشعل النار في جسدها، ويقف هو متفرّجاً، بعد أن سكبت البنزين على جسدها، حتى جاء والده لإنقاذها وتمكن من إطفاء النار، وحاول إخفاء حقيقة ما حصل في المستشفى وفي شهاداته، مدعياً أن ما حصل قضاء وقدر، مسجلاً الفتاة أنها ابنته. وتم بداية الأمر منع والدة الفتاة من رؤيتها وإخبارها أن ما حصل مجرد حروق بسيطة، حتى تمكّنت من الدخول، ورأت ابنتها محروقة الوجه والجسد. وذكرت الأم أن الزوج حاول فرض روايته للحادث، هو وعائلته، وبعد أن فهموا الحقيقة تم رفع شكوى في مركز الشرطة.
وقع حادث آخر قبل أيام في آلتون كوبري شمال العراق، إذ اغتصب منتسبان من الحشد الشعبي امرأة معاقة. وقبلها حادث اغتصاب طفلة صغيرة من جانب شاب وقتله لها. لم يكن الشعب العراقي يسمع بمثل هذه الجرائم وبشاعتها التي تزايدت وتنوعت بشكل مخيف بعد الغزو، بشهادة العراقيين أنفسهم والمحامين وجمعيات المجتمع المدني المهتمة بشؤون المرأة.
وليس مصادفة أن تكون حوادث الاعتداءات من رجال الأمن، كما هو زوج ملاك الزبيدي، فالجرائم ضد النساء تضاعفت بالمئات، وليس فقط بالعشرات، كما يقول المسؤول الحكومي، ضياء بطرس الذي يؤكد تكدس ملفات هذه الاعتداءات في المحاكم ومراكز الشرطة، من دون أن يصار إلى البتّ فيها منذ الغزو، لعدم تطبيق القانون وسيادة الفوضى والفساد وسيطرة الأحزاب والمليشيات على مناحي الحياة، من دون أي اعتبار لعرف أو قانون أو مهنية. وحتى لو تمكن القضاء من إصدار قانون، فالصعوبة في احترامه وتطبيقه، مع الانفلات التدميري الممنهج الذي يطاول نواحي الحياة في كل العراق، وخصوصاً المؤسسة القانونية بكل مرافقها. ولولا أن هذه الحادثة اشتهرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي لما تحرّك أي مسؤول حكومي لدعوة الجناة.
وفيما يرفض برلمان العملية السياسية تشريع قانون ضد العنف الأسري، وتحديث بعض القوانين وفقاً للمستجدات الحياتية القائمة، كما يطالب محامون وقانونيون وناشطات ومنظمات المجتمع
“لا يبدو أن الطبقة السياسية عازمة على إجراء أي تغيير في المنهج المتبع منذ الغزو”
لحماية النساء منذ 2003، لفقدانهن حقوقهن عسفاً. ومع عجز القانون والمحاكم والدولة عن حمايتهن، بل حتى تقاعس كل هذه المؤسسات عن أداء هذه المهام، سارع البرلمانيون، وفي أقل وقت، وبتواطؤ من رئاسة الوزراء قبل سنوات، إلى تشريع القانون الجعفري للأحوال الشخصية، المجحف بحقوق الإنسان، والمرأة خصوصاً، مشرّعاً تزويجها وهي قاصر، وحضانة الأب الأولاد، والتجاوز على قوانين الإرث، إلى غير ذلك، ليعود هذا القانون بالمرأة العراقية ليس إلى الوراء فحسب، بل إلى دهاليز التخلف والفتاوى المختبئة في أدبيات طائفية متخلفة ومجحفة ومتسلطة، تماشياً مع هيمنة الأحزاب الإسلامية الطائفية التابعة للولي الفقيه الإيراني. تم ذلك بعد أن كان للعراق واحد من أفضل قوانين الأحوال الشخصية في الوطن العربي، بعد القانون التونسي.
لم تنقطع جرائم تعنيف المرأة في العراق وقتلها، وخصوصاً بالحرق، بسبب حصول مشكلة أو جرائم الشرف والعلاقات التي يرفضها المجتمع العراقي بين المرأة والرجل والمشكلات الأسرية وغيرها، ولكن لم يحدث في أي وقت أن أعداد الجرائم والاستهتار بالقوانين وبالأعراف وبالقيم السائدة وصلت إلى هذا المدى، إذ يتنمر منتسبون إلى دوائر الدولة على العباد بعد الاحتلال الأميركي الإيراني. أحزاب المنطقة الخضراء وبرلمانها هم المسؤولون عن زيادة هذه الجرائم وعدم تطبيق القانون، وأي تنصل من المسؤولية، كما يشير إليه القضاة والمحامون وغيرهم، دليل فعلي على غيابٍ كامل للدولة في كل العراق.
لقد اتهمت الولايات المتحدة العراق بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، لكن الحقيقة أنها غزت العراق
“لم تنقطع جرائم تعنيف المرأة في العراق وقتلها”
وجلبت واحداً من أخطر أسلحة الدمار هذه، سلاح “الفوضى الخلاقة” وممثليه من الأحزاب الطائفية، مشروع التدمير الشامل للعراق، وتفتيت نسيج وبنية مجتمعه الذي تفتقت عقول التفكير الأميركية عن ابتداعه. في الفوضى الخلاقة، وجدت أحزاب العملية السياسية، وسيدها الإيراني، أفضل خريطة طريق تتبعها وتنفذها. يقول القاضي رحيم العكيلي في مقابلة له قبل أيام “نقل لي عن إحدى القيادات المهمة جواب عن سؤال طرح عليه: لماذا لا تُجرون إصلاحاً في البلاد؟ فأجاب: لا نستطيع، لأننا لا نستطيع مخالفة أوامر طهران… فقال المتحدث: وأين يذهب الشعب والبلد؟ قال يذهب إلى جهنم”. ولكن جهنم اليوم بلد اسمه العراق، تصنفه المعاهد الدولية منذ سبعة عشر عاماً أسوأ بلد للعيش.
حادث ملاك الزبيدي مثل يتكرّر يومياً لما تتعرض له المرأة العراقية من انتهاكات في ظل عملية الاحتلال السياسية التدميرية. ولا يبدو أن الطبقة السياسية عازمة على إجراء أي تغيير في المنهج المتبع منذ الغزو، لذا فإن السبيل الوحيد المتبقي للعراقيين هو ثورتهم التي اندلعت في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول، والتي أقسموا على الاستمرار بها من أجل التغيير الشامل، بعد أن فهموا المخططات التي بيتت لبلدهم، من أميركا وإيران. نساء ورجال ثبتوا وعاهدوا أنفسهم وشعبهم وشهداءهم على استرجاع حقوقهم وإنسانيتهم التي داسها الاحتلال وأتباعه.
المصدر: العربي الجديد