قليلون جدًا يعرفون فيما إذا كان بوتين على وشك خوض الحرب كما توحي التحركات العسكرية للجيش الروسي، أو أن الأمر لا يعدو عن أن يكون حملة ضغط على أعصاب الغرب.
أوكرانيا ليست جورجيا ولا كازاخستان، وتساهل الغرب مع بوتين لن يتكرر في خاصرة اوروبا
تبدو السياسة الروسية تجاه أوكرانيا وكأنها تنفذ سياسة “حافة الهاوية” التي كان فوستر دالاس وزير الخارجية الأميركي السابق في عهد ايزنهاور أول من وضع أسسها الحديثة وأطلق عليها تلك التسمية ذات الوقع الصادم.
من سخرية القدر أن فوستر دالاس وضع تلك السياسة في مواجهة الاتحاد السوفييتي وحلفائه في العالم، بينما يعيد لها الحياة اليوم الرئيس الروسي في مواجهة الغرب.
وتعني تلك السياسة أن تقوم بكل عمل ممكن لدفع الخصم للاعتقاد أنك ستلجأ للقوة الشاملة بصورة شبه مؤكدة اذا لم يوافق على تحقيق مطالبك السياسية أو الأمنية – العسكرية.
تستند تلك السياسة التي تبدو أحيانا ضربا من الجنون إلى الاعتقاد أن الخصم في موقف أضعف من أن يغامر بالمواجهة، وبالتالي فلا خيار أمامه سوى التراجع وقبول شروط إنهاء الأزمة.
لكن ماذا لو كان تقديرك قد جاء متسرعا لموقف الخصم؟
ماذا لو كان الخصم من الدهاء بحيث استدرجك للمواجهة بإظهار الضعف؟
ببساطة لم يعد أمامك سوى السقوط في الهاوية أو تجرع ذل التراجع.
في الأزمة الراهنة بين الغرب وروسيا حول أوكرانيا قليلون جدا يعرفون فيما إذا كان الرئيس بوتين على وشك خوض الحرب كما توحي التحركات العسكرية للجيش الروسي، أو أن الأمر لا يعدو عن أن يكون حملة ضغط على أعصاب الغرب لدفعه لاستعادة الهيبة والمكانة التي خسرتها روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
لكن الذي يظهر على السطح حتى الآن أن بوتين يخسر الرهان على إخافة الغرب بالقدر الكافي لتحقيق مطالبه الطموحة.
بل ربما وجد الغرب فرصة سانحة لاستدراج روسيا لمستنقع أوكرانيا لخوض معركة طويلة الأمد تسفر عن تقليم أظافر روسيا وإعادتها إلى ما قبل بوتين.
كل الدلائل تشير إلى أن الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا لن تكون نزهة للجيش الروسي.
وليست المسألة هنا مسألة القدرة على اجتياح اوكرانيا واحتلال كييف وفرض حكم موال لروسيا، لكن المسألة هي وماذا بعد؟
فموقف روسيا السياسي والقانوني والأخلاقي في احتلال اوكرانيا وفرض الحكم الذي يناسبها غير مبرر وغير مقنع ليس فقط لدى الغرب ولكن لدى معظم شعوب العالم.
من الصعب فهم وقبول كيف أن لروسيا الحق في اعتبار أمنها القومي يبيح لها احتلال بلد مستقل والاطاحة بحكومة منتخبة وفرض حكم يخضع لمتطلبات الأمن الروسي القومي!
من أجل ذلك كان موقف المندوب الروسي في مجلس الأمن في غاية الإحراج لدرجة أنه لم يجد مخرجا سوى القول إن مزاعم نية روسيا بالحرب لا أساس لها.
حسنا فماذا سيقول المندوب الروسي بعد الاجتياح العسكري؟
أيضا هل سيستطيع الاقتصاد الروسي تمويل احتلال طويل الأمد؟
وهل سيتمكن من تحمل العقوبات الاقتصادية التي يهدد بها الغرب؟
أوكرانيا ليست جورجيا ولا كازاخستان، وتساهل الغرب مع بوتين في تلك الحالتين لن يتكرر مع أوكرانيا التي تشبه الخاصرة لأوربا. فهل أخطأ بوتين الحساب هذه المرة؟ وهل هو مستعد لدفع ثمن التراجع من حافة الهاوية؟
المصدر: ميدل ايست اونلاين