هل هناك استعمار جيد واستعمار سيئ؟ ألا تعمل كل القوى الكبرى تاريخياً بعقلية الوحوش التي تستغل فائض القوة لديها لإخضاع بقية الحيوانات واستغلالها وحتى افتراسها؟ هل يختلف الأمر بالنسبة للقوى البشرية، أم انها تصبح أسوأ بكثير من الوحوش عندما تغدو متخمة بالقوة والجبروت؟
هذا السؤال نطرحه على القومجيين واليساريين وجماعات المقاومة والممانعة العربية التي، لأنها تكره المستعمر الغربي، راحت تطبل وتزمر من الآن للمستعمرين الصيني والروسي الصاعدين، وكأن الله أرسلهما خصيصاً لنصرة المظلومين العرب وتحريرهم من قبضة الأمريكي والأوروبي. هناك رهط من العرب ما انفك يهلل لصعود الصين وروسيا وتصديهما للنفوذ الغربي في العالم، وكأن فلاديمير بوتين من مواليد الضاحية الجنوبية في بيروت أو أن الرئيس الصيني من مواليد قطاع غزة.
طبعاً لا يمكن أن ننكر مطلقاً أن الكاوبوي الأمريكي يدعم الاحتلال الإسرائيلي ويحتضنه ومن حق العرب المبتلين بالضرر الأمريكي أن يكرهوا أمريكا والغرب عموماً، لكن مهلاً أيها السادة، ومن قال لكم إن الصيني والروسي سيكونان أفضل من الغربي؟ هل كان المستعمرون يوماً جمعيات خيرية تبني قوة عسكرية واقتصادية هائلة لتهديها للفقراء والمحتاجين في أصقاع العالم، أم أنها تبني نفسها كي تلتهم الآخرين وتستغلهم وتسيطر عليهم وتبيدهم أحياناً. هكذا علمنا التاريخ دائماً.
هل شاهدتم ماذا فعل الدب الروسي في سوريا على مدى السبع سنوات الماضية من الاحتلال الروسي لسوريا؟ بشهادة وزير الدفاع الروسي نفسه، فإن الروس جربوا كل أسلحتهم الجديدة على السوريين، فقد تحولت سوريا إلى حقل تجارب لكل أنواع الأسلحة الروسية الفتاكة التي دمرت البلاد وشردت العباد، ولم تسلم منها حتى المستشفيات ومداجن الطيور. ولا ننسى أن الروس تركوا السوريين يموتون جوعاً بينما ينشغل بوتين وجيشه بنهب الثروات والموارد السورية ووضعها تحت تصرف موسكو لخمسين عاماً مقبلة.
الروس تركوا السوريين يموتون جوعاً بينما ينشغل بوتين وجيشه في نهب الثروات والموارد السورية ووضعها تحت تصرف موسكو لخمسين عاماً مقبلة
ونحن لا نتحدث هنا عن الماضي، بل نتحدث عن الوحشية الروسية ونحن نراها يومياً أمام أعيننا. ولا داعي للحديث عن الفظائع والجرائم التي ارتكبها الوحش الروسي في كل الأماكن التي احتلها تاريخياً. ومعروف تاريخياً أن الروس لم يتركوا يوماً أي منطقة احتلوها إلا إذا تكبدوا خسائر هائلة كما حدث لهم في أفغانستان، وبالتالي أبشروا أيها المهللون للغزاة الروس، أبشروا باحتلال روسيا لبلادنا ربما لمئات السنين إذا استكانت الشعوب لهم وقبلت بهم.
وحدث ولا حرج عن الصين التي أعلنتها على الملأ منذ سنوات بأن لديها «مهمة رسالية» ففي مؤتمر نظمته جامعة شنغهاي الصينية كان من بين الأوراق البحثية المقدمة أن الصين بدأت تفكر بتصدير فائض قوتها خارج حدودها كما فعلت كل القوى الاستعمارية عبر التاريخ. وإذا أردتم أيها العرب والمسلمون أن تتعرفوا على ملامح الاستعمار الصيني المقبل من الناحية الأخلاقية والثقافية فقط، عليكم فقط بإلقاء نظرة على التطبيق الصيني الشهير «تيك توك» الذي بات يغزو العالم وينافس مواقع التواصل الغربية الأخرى بقوة عز نظيرها، حتى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب حذر منه ومن خطره وحاول أن يشتريه من الصين. هذا التطبيق هو مرتع لكل ما هو إباحي، تجد فيه كل أنواع الانحلال عن الضوابط الأخلاقية. ويوماً بعد يوم ينتشر هذا التطبيق ومحتوياته في العالمين العربي والإسلامي كانتشار النار في الهشيم ليدمر ما تبقى من قيم عربية وإسلامية، وقد بات يجتذب ملايين الشباب والفتيات العرب لأنه لا يراقب أي شيء. كل شيء مسموح فيه. وهذا يجعلك تترحم على مواقع التواصل الأمريكية والغربية الأخرى التي يمكن أن تعاقبك أو تحذف صفحتك لمجرد أنك نشرت صورة غير لائقة، بينما التطبيق الصيني يسمح لك بنشر حتى مقاطع إباحية دون خجل أو وجل ليراها ملايين المشتركين كما لو أنها حرية تعبير. لاحظوا أن الصين تفرض رقابة مرعبة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل داخلها، بينما تصدر لنا وللعالم أجمع أقذر أنواع الثقافة التواصلية المنحطة، وكما تعلمون فإن الثقافة التي تحاول الصين تعميمها من خلال أذرعها الإعلامية هو مؤشر لما هو قادم لنا على الصعيد العسكري والاقتصادي والاجتماعي والسياسي من هناك.
هل تغريكم أيها العرب المطبلون للتنين الصيني الثقافة التي يتفاخر بها الصينيون. كيف تتوقعون أن تكون عقلية وثقافة هذا المستعمر الصيني لو لا سمح الله احتل بلادكم لاحقاً؟ كيف سيعاملكم؟ كيف سينظر إليكم؟ أليس من السخف أن تهللوا له لمجرد أن بينه وبين المستعمر الغربي صراعاً على النفوذ في العالم؟ هل فكرتم يوماً بأن تبنوا قوة تواجهون بها ضباع العالم ووحوشه بدل أن تنتقلوا من يد نخاس إلى آخر وكأنكم مجرد عبيد؟
كاتب و إعلامي سوري
المصدر: القدس العربي