قصة مصنعين

د. أحمد سامر العش

“أريدُ معرفةَ الخطوات التي أقدم عليها الناسُ عندما انتقلوا من البربرية إلى الحضارة”

الفيلسوف الفرنسي فولتير (1694-1778).

تبدأُ قصتُنا من المدينة التي كان يُصنَّعُ فيها قماشُ الجينز، وهي مدينة جنوة الايطالية، ولفظُها باللغة الإنجليزية جينز، ولذلك سمي القماش بالجينز، وقبل أن يقومَ ليفي شتراوس الألماني الذي كان أول من استخدم هذا القماش لصناعة الملابس، كان هذا القماش ومازال يُستخدَمُ لصناعة أشرعةِ السفنِ والخيام.

من هذا المصنعِ تخرج تلك المادةُ بكميات هائلة، لكنْ لنتابعْ مصير هذا القماشِ، ولنر أين نهايتُه. في عام 2014 خرجت كميةٌ ضخمةٌ من هذا القماش، ووزعت على أماكن مختلفة، فقد وُزِّعَ القماشُ عالي الجودة في تلك السنةِ على ثلاثة مصانع؛ مصنعِ خيامٍ في ألمانيا، ومصنع ملابس في المكسيك، ومصنع أشرعة سفن في هولندا.

مصنعُ الخيامِ تلقَّى في تلك السنةِ طلبيةً كبيرةً من إحدى وكالات اللاجئين في الأمم المتحدة، وكذلك طلبية أخرى لسلسلة متاجر كبرى في الولايات المتحدة متخصصة بأدوات الصيد والتخييم. أما المصنع في المكسيك فهو زبونٌ دائمٌ وكبيرٌ لدى المصنعِ الإيطالي، فهو متخصصٌ في إنتاج الجينز الغالي جدًّا لماركةٍ أمريكيةٍ شهيرةٍ تُوزِّعُه فيما بعد على أرقى المتاجر عبر العالم ويصل متوسطُ سعر البنطالِ الواحد إلى 200 دولار في متاجر التجزئة. أما آخر زبائن القماش فهو مصنعٌ عريقٌ للسفن الشراعية، يعود تاريخُ تأسيسُه إلى القرن الثامنَ عشرَ، وقد تنوَّعت منتجاتُه عبر الزمن من تصنيع سفنٍ تجاريةٍ وحربية استخدمتها البحريةُ الملكيةُ الهولندية لاحتلال جزرِ إندونيسيا وجنوب إفريقيا؛ وانتهى به الحالُ إلى صناعة يخوتِ سباقِ السفن الشراعية، وبعضِ المراكب الترفيهية التي يمتلكها من يحب أن يخوض عباب البحار بالشراع، مع العلم أن تلك المراكبَ تحتوي كذلك على محرك توربيني.

مصيرٌ مختلفٌ ومُنتَجٌ نهائيٌّ مختلف الاستخدام، لكن هل من الممكن أن تجتمعَ تلك الأقمشةُ التي خرجت من مصنع واحد. حدث هذا في صيف 2014 عندما خرج ماثيو إريكسون السويدي الجنسية الذي يعمل في أحد وكالات الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في رحلة تخييم مع صديقه الهولندي في الجامعة، كانت هذه الدعوةُ مبادرةً من الهولندي وليم فان دونغ لأصدقائه في الجامعة؛ كي يُشاركونه فرحةَ تحقيق حلمِه بشراء مركبٍ شراعي، فدعاهم لخوض تجربة إبحارِه الأولى من أمستردام إلى مكان مميز ليس ببعيد، ليخيموا في إحدى الجزر القريبة، كانت تلك الرحلةُ متنفسًا لماثيو؛ كي يلتقيَ بأصدقاء الجامعة الذين لا يلتقي بهم إلا عبر الفيسبوك، وكذلك هي رحلةُ توديعٍ للحضارة والهدوء، قبل أن يلتحق بالبعثة التي اُنتدِبَ على رأسها إلى شمال سوريا لعلاج مشكلة النازحين والمشردين. حزم ماثيو حقيبتَه، وجهز الخيمةَ التي اشتراها من محل متخصص، ولبس بنطاله الجينز الجديد الذي أهدته إيَّاه زوجتُه في ذكرى زواجهما قبل شهر. سارت أمور الرحلة على ما يرام، فقد استمتع الأصحابُ بالإبحار والتخييم ورؤية بعضهم بعضًا، وقد باعادتهمُ السنون وهموم الحياة. لقد كان ماثيو سارحًا في أحيانٍ كثيرةٍ خلال الرحلةِ التي استغرقت يومين، فعليه أن يُودِّعَ أسرتَه في نهاية الأسبوع، ليركب الطائرة إلى تركيا، ثم يعبر الحدود عبر معبر باب السلام لشمال سوريا، على رأس بعثة في مهمة لمدة ستة أشهر. خلال دقائقَ تفكيره كان يصفن للحظات في أمواج البحر المتلاطم الذي تشقُّه السفينةُ يتلمس وهو في عالم آخر ملمس الشراع، وأحيانًا قبل أن تغفل عيناه في خيمته يتلمس قماش الخيمة من دون شعور!

بعد وصوله إلى المكان الذي تنوي الأممُ المتحدة تأسيسه لاستقبال اللاجئين، وصلته دفعةٌ من الخيام شُحنت من مخازن المنظمةِ، وعندما كان يتفقدها حين وصولها إلى المخازن في تركيا انتابه شعورٌ غريبٌ وهو يتلمس قماشَها!

في أول ليلة بعد أن شاهد بحرًا متلاطمًا من أمواج اللاجئين والمشردين، غفتْ عيناه بصعوبة فرأى رؤيةً غريبةً، حيث رأى بنطاله وخيمةَ الجزيرة وشراعَ سفينةِ صديقه وليم يجتمعون في إحدى خيام المشردين، وتلتصقُ بعضُها ببعضٍ في منظر سريالي غريب. قصَّ ماثيو رؤيته على أصدقائه في البعثة، فلم يعطِه أحدٌ تفسيرًا لها، ثم بدأ يفكر فيما يجمع تلك الأشياءَ مع بعضها، وكلٌّ منها أتى من مكان ولحاجات مختلفة.

انتابه الفضولُ، ورغبةً منه في قتل وقتِ فراغِه بالبحث عبر الإنترنت، وبعد جهد طويل توصَّل إلى أن تلك الأشياءَ المختلفةَ يجمعها مصنعُ قماشٍ واحدٍ.

لكن ما العبرةُ من هذا كلِّه ؟ ولما رأى هذا المسؤولُ الأمميُّ تلك الرؤيا ؟ وكيف اهتدى إلى هذا التفسير! ؟ شغلت تلك المسألةُ جزءًا لا بأس به من تفكيره، وجعلها ملجأ هروب من المأساة الإنسانية التي يشاهدْها، ولم يتوصلْ لتفسير منطقي، ومع اقتراب مهمته من النهاية بدأت موجاتٌ أكبرُ من النازحين تنزح من المناطق المختلفة مع بداية حملات البراميل التي يشنُّها النظامُ السوري، وكأنها أمواجُ تسونامي، تدمر في طريقها ما بقي من الإنسانية في نفوس كلِّ من عايش تلك المأساة. شكلت البراميل معضلةً لم يستطع فك أحجيتها، تتمثل في كيف يعقل أن يُستخدَمُ هذا السلاحُ العشوائي الذي لا يميز بين طفل وامرأة وبين عجوز ومقاتل وبين ثائر وإرهابي!؟ سؤالٌ يجول في خاطره ولا يجد له إجابةً، وخاصة أنَّ المعركة بين حاكم ومحكومين!

عاد ماثيو بعد انتهاء بعثته إلى موطنه، وروى لزوجته ما حدث معه، وكذلك حدَّثها عن رؤيته الغريبة، وعن بحثه عن تفسيرها، لم يكن من عادة ماثيو أن ينقل مشاكل عمله إلى أسرته، فعملُه في الإغاثة مليءٌ بالمآسي؛ ونقلُها إلى أسرته يعكر ساعات الهدوء النفسي التي يريد أن يعيشها معهم ،لكن الرؤيا كانت حادثةً استثنائيةً بكل ما تحمل الكلمة من معنى،  تصادفت عودة ماثيو مع بداية الربيع، ومن عادته أن يشارك زوجته هوايتها في البستنة، فهي هوايةٌ ممتعةٌ تريح الأعصاب، وتجعلُه يقضي وقتًا أكبرَ بصحبة زوجته التي تعودت زرع وتشذيب الورود في حديقة بيتهم الخلفية. طلبت منه زوجتُه مرافقتها لجلب أسمدةٍ تستخدمُها عادة لإثراء التربة بعد شتاءٍ قاسٍ، في مخزن البلدة لاحظوا وجودَ عرضٍ مُغرٍ على صنف جديد من الأسمدة، أراد صاحبُ المخزنِ أن يدفعَهم لشرائه، لم تشأْ زوجةُ ماثيو تغييرَ الصنفِ الذي تعودوا على اقتنائه، ولكن تحت إصرار البائع، وإغراءِ السعرِ اقتنَوا النوع الجديد، دفع الفضولُ ماثيو لقراءة مصدر السماد وتركيبه، فوجد أنه نترات الأمونيوم ومُصنع في جورجيا!

بعد شهر من الراحة في موطنه بالقرب من أسرته، أتى تكليفُ ماثيو بقيادة بعثةٍ جديدة إلى جنوب السودان للإشراف على برنامج ترعاه الأمم المتحدة للتنمية الزراعية، بعثةٍ أقلَ صعوبةً من تلك التي سبقتها، خلال تلك البعثةِ تعرف ماثيو على الفتى إدوارد، طفلٍ يبلغ من العمر ١١ سنة كان دائم التطفل على مقر البعثة، ظنًّا منه أن تطفُلَه قد يجلب له بعضًا من الغذاء؛ يحمله لأسرته الفقيرة التي تسكن بالقرب من مقر البعثة. أحبَّ ماثيو في إدوارد نظراتِه البريئةَ الخجولةَ التي تنتظر عطفًا من مسؤولٍ أو عاملٍ أو حتى إيماءةٍ أو ابتسامةٍ بسيطةٍ، وأصبح يتفاءل عندما يراه، مضت أيامُ بعثته سريعةً ليس كسابقتها، ولم يكسر روتينَها إلا دهشتُه عندما كان يدقق على مخازن البعثة، فشاهد أكياسَ أسمدةٍ تحمل نفس اسم المصنعِ الذي قرأه على السماد الذي اشتراه مع زوجته!

بعد انتهاء بعثتِه في جنوب السودان، جلس ماثيو لمدة أربع سنوات في مكتب الأمم المتحدة في بلده، قبل أن يُرسَلَ بمهمة تدقيقٍ لمكتب الأمم المتحدة في بيروت الذي يقع في ساحة رياض الصلح، وتشاء الصدف أن يكون موجودًا في المكتب ساعة انفجار بيروت الكبير، ورغم أنَّ ماثيو وزملاءه في المكتب لم تحصل لهم إلا إصاباتٌ طفيفةٌ، لكنَّ المكتبَ تضرر بشكل كبير؛ وكُلف ماثيو بكتابة تقرير مفصل عن الحادثة وأسبابها، دفع الفضول ماثيو لمتابعة التحقيقات حتى بُعيد انتهائِه من كتابة التقرير. وفي إحدى الليالي بعد عودته من بيروت شاهد ماثيو رؤيا غريبةً، فقد شاهد برميلًا يسقطُ من طائرة هليكوبتر في شمال سوريا، لكنَّه لم ينفجر، وبعد أن استقر البرميلُ على الأرض، شاهد الطفل إدوارد يشدُّه من يده، ويجرُّه بصعوبة إلى جانب البرميل، وهو متوجسٌ خائفٌ من أن ينفجرَ في أية لحظة، ثم شاهد زوجته قادمة وفي يدها بضعُ بذورٍ وكيس الأسمدة الذي اشتروه معًا بعد إلحاح البائع الشديد، وبدأت زوجتُه تزرعُ تلك البذورَ وتسقيها، وإدوارد ينتظرُ بكل لهفةٍ الثمارَ؛ لكي يأخذَها إلى عائلته. وفجأةً تخرج من البرميل شجيرةٌ يابسةٌ كلُّها أشواكٌ، ومع ذلك يحاول إدوارد أخذَ الأشواكِ ليطعمَ بها أسرتَه، فإذا بالأشواك لا تُخرج إلا دمًا، عندها يفزع ماثيو خوفًا على إدوارد؛ إذ لا يستطيع أن يميزَ هل الدمُ من يد إدوارد أم من الشجرة! يستيقظ ماثيو من هذا الكابوس فزعًا، ويحدث زوجته في الصباح عن رؤيته تلك، ويذكرُها بأنَّه لم يرَ رؤيا سريالية منذ منامه الأول الذي يجتمع به الشراعُ والخيمة وبنطاله من الجينز تحت سقف خيمة النزوح في سوريا.

يقودُ الفضولُ، ورغبةٌ دفينةٌ في تفسير الرؤيا ماثيو إلى البحث في النت عن الرابط بين تلك العناصرِ المختلفة، ويقوده تفسيرُه للرؤيا الأولى أن يتتبعَ الرابطَ المشترك وراء براميل بشار الأسد وسماد زوجته ورغبة إدوارد في اقتناص المحصول لإطعام عائلته، فيقوده البحث إلى مصنع أسمدة واحد في جورجيا كشفته صدفةُ انفجار مرفأ بيروت، الذي قد كتب تقريرًا مفصلًا عنه، وتابع تفاصيله بعدها فضولا.

بين قصة مصنعين، تأمل ماثيو وهو يرتشف قهوته في حديقة بيته الخلفية تلك المشاهد والصور المتناثرة في ذاكرته المرهقة، والتي تجمعت بمصادفة غريبة لديه دون غيره، ولم يكسر دقائقَ تأملِه التي ظنَّها سنواتٍ بمقياس ساعته البيولوجية إلا رسالةٌ من صديقه وليم، أرسلها له على شكل مقطع فيديو يتحدث فيه عالمُ الفلك Carl Sagan  (1934-1996)  عن رحلة voyager 1 و voyager 2 التي أُطلقت عام 1977، وحينها أصر الفلكي كارل ساغان Carl Sagan  ،الذي كان عضوًا في فريق التصوير الخاص بفويجر ، أن تُلتقطَ صورٌ للأرض قبل أن يتمَّ إطفاء كاميرات المركبة فويجر للأبد، بينما كان علماء ناسا قلقين من أنَّ التقاطَ صورٍ للأرض وهي قريبة من الشمس، سيؤدي إلى تلف المعدات ومنظومة التصوير، واستمر الجدل حتى تاريخ ١٤ شباط ١٩٩٠ حيث كانت فويجر ١ على مسافة ٦ مليارات كيلومتر من الأرض، والصورة معروفة باسم الصورة العائلية، التي تُظهرُ الأرض على شكل نقطة تأخذ حيز  بيكسل واحد من أصل 640000 بيكسل، وعندها قال كارل ساغان كلامًا سيخلده التاريخُ ويذكرنا  جميعا ًبحجمنا وغباء صراعاتنا في هذا الكون الواسع:

“من هذه المسافة البعيدة، قد لا تبدو للأرض أيُّ أهمية تذكر، لكن بالنسبة لنا الأمر مختلف. تأمل مرة أخرى تلك النقطة ؛ هذا هنا ،هذا الوطن، هذا نحن ، عليها…كل من تحبهم ..كل من تعرفهم ..كل من سمعت بهم يومًا ..كلُّ إنسان عاش على مر التاريخ ،عاشوا حياتهم عليها، مجمل سعادتنا وتعاستنا ، آلافُ الأديان الواثقة من نفسها، والأيديولوجيات والعقائد الاقتصادية، كلُّ صياد ومزارع، كلُّ بطل وجبان، كل صانع ومدمر للحضارات، كل ملك وفلاح، كل عاشقين شابين، كل أب وأم ، كل طفل مفعم بالأمل، كل مخترع ومكتشف ،كل معلم للأخلاق، كل سياسي فاسد، كل نجم مشهور، كل قائد أعلى، كل قديس ومذنب، في تاريخ جنسنا البشري، عاشوا هنا على ذرة غبارٍ معلقة في شعاع الشمس..

الأرض هي منصةٌ ضئيلةٌ جدًّا في ميدان كوني شاسع. فكَّر في أنهار الدماء التي أراقها كلُّ هؤلاء الجنرالات والأباطرة ليحظوا بمجد وانتصار، ويصبحوا القادة اللحظيين لجزء صغير من هذه النقطة.. فكَّر في الوحشية اللامتناهية التي اقترفها سكانُ زاوية من هذه النقطة بحق سكان زاوية أخرى يشبهونهم تمامًا.. ما أكثرَ خلافاتِهم، وكم يتوقون لقتل بعضهم بعضًا وما أعمقَ كرههَم. إنَّ مواقفَنا وتخيلاتنا بأننا مهمون، وأوهامنا بأنَّ لنا مكانةً مميزةً في الكون تتحداها هذه النقطة من الضوء الباهت “كوكبنا” تلك النقطة الوحيدة في الظلام الفلكي الذي يغطي كلَّ شيء.. في ظلمتنا.. في كل هذا الاتساعِ ليس هناك أيُّ إشارة.. أن المساعدة ستأتي من مكان آخر لتنقذنا من أنفسنا. الأرضُ هي المكان الوحيد المعروف حتى الآن باحتضانه للحياة، فليس هناك مكانٌ آخر.. على الأقل في المستقبل القريب ليهاجر إليه جنسُنا البشري.. يزوره نعم.. يستقر به ليس بعد. أحببت أم كرهت.. حتى هذه اللحظة.. الأرض هي المكان الذي نقف فيه ونتخذ مواقعنا. لقد قيل إنَّ علمَ الفلك تجربةٌ تعلمُ التواضع وتبني الشخصية، ربما لا يوجد تبيانٌ أفضل لحماقة أوهام الإنسان من هذه الصورة البعيدة لعالمنا الضئيل…بالنسبة لي، هي تؤكد على مسؤوليتنا، للتعامل بعطف أكثر مع بعضنا بعضًا، ولنحافظْ على ونعتز بتلك النقطة الزرقاء الباهتة.. الوطن الوحيد الذي عرفناه في حياتنا.”

قصة المصنعين (مصنع جنوة لأقمشة الجينز، ومصنع جورجيا للأسمدة) تذكِّرُ ماثيو بالرواية التي كان يعشقها منذ أيام الثانوية “قصة مدينتين” (بالإنجليزية: A Tale of Two Cities)‏ الرواية التاريخية الثانية للكاتب الإنجليزي تشارلز ديكنز، التي تدور أحداثها في لندن، إنجلترا وباريس، فرنسا خلال أحداث الثورة الفرنسية. تلك الرواية التي تصوّر محنةَ الطبقةِ العاملة الفرنسية تحت القمع الوحشي للأرستقراطية الفرنسية خلال السنوات التي قادت إلى الثورة، والوحشية التي مارسها الثوريون ضد الأرستقراطيين في السنوات الأولى للثورة.

مازالت الجملة الافتتاحية للرواية التي يحفظها ماثيو عن ظهر قلب تدور في رأسه. لقد كان تأمله في قصة المصنعين، وحديثِ عالم الفلك الذي أرسله صديقُه دافعًا قويًّا له ليعيد ترديدها في صوت هادئ بطيء: «كان أحسن الأزمان، وكان أسوأ الأزمان. كان عصر الحكمة، وكان عصر الحماقة. كان عهد الإيمان، وكان عهد الجحود. كان زمن النور، وكان زمن الظلمة. كان ربيع الأمل، وكان شتاء القنوط.»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى