الثوراتُ حركاتٌ عفويةٌ تصنعُ التغييرَ في المجتمعات المعذبةِ التي يغيب فيها العدلُ، ويصبحُ هامشُ الحرية والبناء شبه معدوم. لكن هذه الحركةَ العفوية إن غاب عنها التنظيم و القيادات الفاعلة بُعيد انطلاقتها، تصبح جزءًا من مفهوم الفوضى الذي خرجت الثورة لمحاربته.
هناك ثلاثُ خطواتٍ لابد منها حين تدخل الثوراتُ حيز التنظيم، أولها توحيدُ المصطلحات، وثانيها تحديدُ الأهداف، وثالثها وضعُ الآليات وقياس فعاليتها بدائرة تغذية راجعة مغلقة closed feedback loop.
الخطوةُ الأولى الأصعبُ هي توحيد المصطلحات بين جميع الثائرين، وهذا لا يأتي إلا بالاتفاق، وليس بمبدأ التغلبِ الذي قامت الثورةُ بالأساس لرفضه كونه لم يرقَ بالمجتمع أخلاقيًّا وإنسانيًّا ومعاشيًّا.
وتوحيدُ المصطلحات عملٌ ليس بالسهل؛ لأنَّ إيجادَ معنىً يتفقُ عليه البشرُ عقليًّا ووجدانيًّا عملٌ شاقٌّ يحتاج إلى صبر وحكمة؛ لأنَّ كلَّ إنسانٍ له بصمتُه الفكريةُ والوجدانية ومن النادر أن نجدَ تطابقًا كاملًا لدى شخصين كحال بصمةِ العينِ وبصمات الأصابع.
لكنَّ إيجادَ مصطلحٍ مُوحَدٍ مشتركٍ لكلماتٍ ومفاهيمَ أمرٌ ليس مستحيلًا لمن يخلصُ النيةَ ويجتهد بالأسباب .ولو أنَّ هذا الفهرسَ الاصطلاحي كان ضرورةً لأجسام الثورات (مثل الائتلاف الوطني للثورة السورية)، وحجرُ أساسٍ في أي عملٍ منظم ، لكن لابأس في أن ينطلقَ هذا العملُ من أفراد ليكون مسودةً أولى للنقاش والبحث ، فكما يقول المثل “لأن تصل متأخرًا خيرٌ من ألا تصلَ أبدًا”.
ولكن ما المقصودٌُ بفهرس المصطلحات؟ المصطلح: تعريفٌ يتفقُ عليه الجميعُ ولا يرتبط بأيديولوجيا أو آلية ،ولا يكون انفكاكُه عن الاثنين سببًا في ميوعته وضعفه . فلا بد أن نعرفَ على سبيل المثال كلمة الحرية ، والعدالة ،والوطن ،والمواطن ،والقانون، والمؤسسات ، والحكومة،والدولة، والديمقراطية، والاقلية ، والاكثرية، وسلطة الشعب، والنخبة ، ورجل الدين ، ورجل الإغاثة، والاغاثة ، والمسؤولية المجتمعية، والمسؤول ، والقائد، والثائر ، والمناضل ، والحيادي ، واليمين ، واليسار ، والعدو ، والصديق …..والتعاريفِ الأساسية تكون عادةً بالعشرات وتتوسع في التوابع للمئات.
إن كثيرًا من الاشكالات التي يسببُها توحيدُ الأهداف والاتفاقُ على الآليات يكون مصدرُها الاختلافَ في مفهوم المصطلح.وفي هذا إضاعةٌ للوقت، وسببٌ في شق صفوفِ الثائرين، فالخطوات الثلاثُ التي سبق ذكرها، يجبُ ألا يسبقَ إحداها الأخرى، وإلا ضاعت بوصلةُ الثورة وأصبح المنخرطون فيها عناصرَ هدمٍ لا عناصرَ بناء!
قد يشكل جهد فردي بداية جيدة، لكنّ الأجملَ أن يكونَ فهرسُ المصطلحات جهدًا جماعيًّا ينطلق من ورشات عمل يقوم عليها ثقاتٌ عقلاء، يتداعون غيرةً على الإنسان، ولإنقاذ أنفسِهم من السؤال يوم القيامة : ماذا قدمت لخدمة اخوك في الوطن ؟!
بعد وضعِ المسودةِ الأولى، تُطرَحُ للاستفتاء الإلكتروني على نخب أوسعَ تشاركُك الهمَّ والألم، وعندما ينتهي التعديلُ والتنقيح بناءً على رأي النخب الأوسع، يُطرحُ للموافقة أو الرفض على كل مواطنٍ في تلك البلدِ ويؤخذُ برأي الأغلبية.
تلك خطوةٌ مبدئيةٌ في تنظيم ثورةٍ دفعت أثمانَ باهظةً؛ لتصلَ إلى شيءٍ ربما لا تتفق عليه.