سجن الصناعة انتصار لـ”قسد” أم إنجاز لـ”داعش”؟

عبدالله سليمان علي

استعجلت “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) إعلان السيطرة الكاملة على سجن الصناعة في الحسكة منساقة – على ما يبدو – وراء إغواء التاريخ في تسجيل نصرها الجديد في اليوم نفسه الذي حققت به نصر عين العرب/كوباني قبل سبعة أعوام. وقد يكون إعلان النصر المستعجل مجرد وسيلة لكسب الوقت لتدارك معالم الفضيحة الأمنية التي كادت تتكشف خيوطها في ظل عجزها عن صد هجوم تنظيم “داعش” على أحد أكثر سجونها تحصيناً وحراسةً.

ولا تزال “قسد” تتخبط في بياناتها المتناقضة حول “غزوة سجن الصناعة” محاولة التلاعب على وتر المخاوف التي طرقت أبواب عواصم العالم وهي ترى عناصر “داعش” الذين يحمل بعضهم جنسيات أجنبية يتسربون من خلف اسوار سجنهم ليختفوا في متاهات الصحراء الواسعة. وبعد إعلان النصر والاحتفال به عبر إطلاق الألعاب النارية في شوارع الحسكة، عادت “قسد” للحديث عن بقاء ما يقارب 90 عنصراً من “داعش” في بؤرٍ مموهة من المهاجع الشمالية التي تعد الأكثر تحصيناً بين مهاجع السجن الأخرى.

لكن الأخطر من كل ذلك هو صمت “قسد” إزاء أعداد معتقلي “داعش” الذين تمكنوا من الفرار من السجن والخروج من طوق الحصار الذي فرضته قواتها حول المنطقة، مكتفية بدغدغة الآمال عبر التركيز على أعداد المعتقلين الذين استسلموا من دون أن يكون من الواضح ما إذا كان جميع هؤلاء من عناصر “داعش” المعتقلين أم أن بعضهم – إن لم يكن جلّهم – من المعتقلين لأسباب سياسية وجنائية لا علاقة لها بتهمة الارهاب.

وخلافاً لإعلان السيطرة الكاملة على السجن واصلت طائرات التحالف الدولي استهداف نقاط محددة من السجن وبعض النقاط في محيطه القريب محاولة استهداف خلايا تنظيم “داعش” الذين رفضوا الاستسلام وانتقلوا في مهمتهم من “هدم الأسوار” إلى “الاستنزاف” كما ذكرت صحيفة “النبأ” في عددها الأخير الرقم 323 في تقرير موسع عن غزوة السجن.

وكان “النهار العربي” أكد في تقرير سابق أن “داعش” استنسخ في الهجوم على سجن الصناعة خطة هجومه على سجن ننغرهار في أفغانستان قبل عام وثمانية أشهر، اذ شارك في تنفيذ الهجوم آنذاك 11 مقاتلاً من التنظيم فقط تم توزيعهم على محاور عدة لاستكمال الخطة. وكشفت صحيفة “النبأ” أن عدد مقاتلي التنظيم الذين نفذوا الهجوم على سجن الصناعة هم 12 مقاتلاً فقط توزعوا على مجموعات، وذلك في نفي واضح للتهويل الإعلامي الذي رافق الهجوم حيث راح البعض يتحدث عن مشاركة مئات المقاتلين من “داعش” في تنفيذه من دون أن يوضح أحد كيف يمكن لمثل هذه الأعداد أن تجتاز مسافات طويلة تبلغ مئات الكيلومترات من دون أن ترصدها قوات التحالف الدولي أو قوات “قسد”؟.

وقد تكون مشاهد استسلام المئات من عناصر “داعش” لـ”قوات سوريا الديموقراطية” من المشاهد التي غزت وسائل الإعلام المحلية والعالمية لما تتضمنه من دلائل واضحة على هزيمة التنظيم وعدم قدرته على تنفيذ خطته في تهريب معتقليه، وهو الهدف الرئيسي من هجومه، لكن ثمة مشاهد أخرى لم تلتقطها كاميرات الإعلام كان يمكن لتصويرها وتوثيقها أن يقلب صورة المشهد رأساً على عقب. وبالرغم من سعي “قسد” إلى احتكار التغطية الإعلامية لنقل الصورة التي تريدها عن الحدث، فقد تسربت معلومات كثيرة من شأنها أن تضع رواية “قسد” في موضع الشكوك وترسم حولها الكثير من علامات الاستفهام.

وفي هذا السياق تحدث نشطاء إعلاميون في المنطقة الشرقية عن حصيلة مختلفة لغزوة سجن الصناعة مؤكدين نجاح المهاجمين في تهريب عدد من قيادات “داعش” التي كانت معتقلة في السجن منذ عام 2019، وتداول النشطاء اسم القيادي أبو علي بيكسي الذي سبق أن قال أثناء التحقيق معه لدى “قسد” “سنخرج”، وكذلك اسم القيادي الشرعي القديم الذي اكتفى النشطاء بذكر الأحرف الأولى من اسمه (د. ج.) باعتبارهما نموذجين لهروب بعض قيادات “داعش” من السجن. وتناقلت بعض المواقع الإعلامية السورية المعارضة معلومات عن تمكن ما يقارب من 200 عنصر من الخروج من مناطق سيطرة “قسد” حيث توزعوا في اتجاهين: قسم ذهب باتجاه البادية السورية والقسم الآخر نحو الحدود مع العراق.

وكان “المرصد السوري لحقوق الانسان” قد أشار في تقارير سابقة خلال تغطيته لهجوم السجن إلى مفاوضات بين قوات التحالف الدولي ومقاتلي “داعش”، مشدداً على اشتراط الأخيرين فتح طريق لهم نحو البادية السورية لإنهاء الاستعصاء في السجن. ولا يزال من غير المعروف حتى الآن ما إذا كان وصول من وصل من مقاتلي “داعش” إلى البادية أو إلى الحدود العراقية قد جاء نتيجة المفاوضات أم بجهود خاصة من هؤلاء. ولعل استمرار الاستعصاء في السجن حيث لا يزال العشرات من مقاتلي “داعش” يتمركزون في المهاجع الشمالية يشكل دليلاً على فشل مسار التفاوض، وهو ما يرجح أن يكون الهروب جاء نتيجة خلل أمني وعسكري رافق إجراءات “قسد” والتحالف الدولي للتصدي على هجوم “داعش”.

وفي ظل غياب أي رواية رسمية لما حصل، تبرز رواية تنظيم “داعش” الذي تحدث عن “خروج مجموعات عدة من المنطقة بسلام وتم نقلهم إلى مناطق آمنة”. وامتنع المصدر العسكري الذي نقلت عنه صحيفة “النبأ” هذه المعلومات عن الإدلاء بأي تفاصيل أخرى حول عدد محدد أو تفاصيل أخرى تتعلق بذلك، مكتفياً بالقول إنه تم تأمين الكثير من الأسرى. ومن شأن ذلك أن يدق جرس الإنذار لدى كل من موسكو ودمشق وبغداد لأنه يعني أن قيادات “داعش” الهاربة والعشرات من مقاتليه ذوي الخبرة قد اصبحوا في مناطق سيطرة هذه العواصم.

وأشار تقرير “النبأ” إلى اضطرار “قسد” للعودة إلى التفاوض بعد فشل الجولة الأولى، مشدداً على أن الأخيرة وافقت على شروط مقاتلي “داعش” من دون أن يذكر التقرير هذه الشروط، وبناء عليه قام مقاتلو “داعش” بإطلاق سراح اسرى “قسد” لديهم وعددهم نحو 25، ليبقى السؤال الذي يحتاج إلى إجابة ملحة ما هي الشروط التي وافقت عليها “قسد” وأبقاها “داعش” طي الكتمان؟.

وفي نهاية التقرير أكد “داعش” أن “تفاصيل كثيرة ستبقى طي الكتمان بناء على توصيات قادة المجاهدين”، مشيراً إلى أن “فصول المعركة لم تنتهِ بعد حيث لا تزال مفارز عديدة منتشرة في محيط المنطقة وتشن هجمات ضد المرتدين (قسد)”.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى