شمال سورية.. روسيا تزيد “جرعة الموت” وحدود “الرسائل المباشرة”

ضياء عودة

باتت الضربات الجوية التي تنفذها روسيا على مناطق شمال وغرب سوريا “أمراً اعتيادياً وشبه روتيني”، لكن تصاعدها بشكل ملحوظ منذ مطلع العام الجديد يدل على أن هناك “رسائل مباشرة” تريد موسكو إيصالها، وفقاً لمراقبين.

وكانت الغارات قد استهدفت خلال الأيام السبعة الماضية عدة مواقع في محافظة إدلب السورية، بدءا من جنوبها ووصولا إلى شمالها المتاخم للحدود التركية، ومن ثم شرقا وغربا، ما أسفر عن مقتل مدنيين وإصابة العشرات.

واللافت أن جزءا كبيرا منها استهدف مواقع حيوية يعتمد عليها السكان في الحياة اليومية، من بينها مزارع تربية الدواجن، بالإضافة إلى محطة المياه الرئيسية التي تغذي مدينة إدلب بالمياه، منذ سنوات.

وبحسب توثيق حصل عليه موقع “الحرة” من منظمة “الدفاع المدني السوري” فقد قتل إثر التصعيد خمسة مدنيين، بينما أصيب 13 آخرين، بينهم ثمانية أطفال، وذلك بالقصف الروسي المباشر على سبع مزارع لتربية الدواجن في مناطق متفرقة.

ويشكل القصف الروسي المتعمد للمنشآت الحيوية بشكل عام، ومزارع تربية الدواجن بشكل خاص “خطرا على مقومات البقاء ومصادر دخل مئات الأسر في شمال غربي سوريا، فضلا عن تأثيره على الارتفاع الكبير في أسعار المواد”.

ويرى مدير المنظمة الإنسانية، رائد الصالح، أن هذه الهجمات تعتبر “رسائل للمجتمع الدولي، بأن موسكو مستمرة في سياسة القوة والقتل والتدمير. كلما رأت تراجعا وتقهقرا في الموقف الدولي كلما زادت من جرعة الموت”.

ويضيف الصالح لموقع “الحرة” أن “التصعيد الروسي يهدد ما بقي من أمن غذائي في المنطقة”، مؤكدا أن “الشيء الأخطر في الهجمات، إضافة لاستهدافها المنشآت الحيوية والمرافق الخدمية، هو امتدادها على كامل شمال غربي سوريا. هي رسالة واضحة مفادها أن جميع المناطق تحت الضربات، ولا يوجد أي بقعة آمنة”.

لماذا الآن؟

لا يعرف بالتحديد الأسباب التي دفعت روسيا إلى تصعيد قصفها على محافظة إدلب السورية، على الرغم من أن هذا الأمر ليس الأول من نوعه، بل سبقته تصعيدات كثيرة على مدى السنوات الأربع الماضية.

ويعيش في مناطق شمال غرب سوريا أكثر من 4 ملايين مدني، بحسب بيانات الأمم المتحدة، بينهم أكثر من مليون يعيشون في المخيمات العشوائية والمنظّمة. وهؤلاء يعانون من أوضاع مأساوية مع الدخول بفصل الشتاء.

وبحسب الصالح، فإنه “يمكن القول إن روسيا، وعند اقتراب أي استحقاق سياسي يتعلق بالسوريين على المستوى الدولي، تصعّد هجماتها بشكل ملحوظ وتحاول الضغط إنسانيا. لا أعتقد أن ما تقوم به اليوم خارج هذا السياق”.

وبخصوص العلاقة بين التصعيد والترقب الخاص بتجديد قرار إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود لستة أشهر أخرى، يوضح الصالح أن “روسيا تسعى بجدية حقيقةً لعدم تمديد تفويض آلية إدخال المساعدات عبر الحدود وتحويلها لصالح إدخال المساعدات عبر خطوط النزاع، أي عبر مناطق سيطرة نظام (بشار) الأسد”.

وتجعل موسكو بهذه الطريقة المساعدات “سلاحا بيدها وبيد نظام الأسد، وتمارس سياسة التجويع والحصار كما مارستها في درعا والغوطة وداريا والزبداني وحمص، وكما تمارسها الآن في مخيم الركبان”، وفق الصالح.

لكن في المقابل يرفض المحلل السياسي المقيم في موسكو، رامي الشاعر، فكرة أن ما تشهده مناطق شمال غرب سوريا يعد “تصعيدا”.

ويقول الشاعر لموقع “الحرة” إن “استخدام تعبير ‘تصعيد عسكري’ ليس صحيحا، بل تجري عمليات عسكرية محددة، وبتنسيق روسي تركي لتصفية خلايا إرهابية محددة”.

ورغم ذلك لا يستبعد الشاعر أن “يحدث ضرر غير مقصود ببعض الأبنية للبنية التحتية التي يستخدمها الإرهابيون لتمويه تواجدهم”، بحسب تعبيره.

وتشير إحصائيات “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إلى أن الخسائر البشرية على يد القوات الروسية بلغت 20944 قتيلا، وذلك خلال الفترة الممتدة منذ 30 سبتمبر من عام 2015، أي تاريخ دخول روسيا على خط العمليات العسكرية في سوريا، وحتى نهاية 2021.

ومن خلال تقريره السنوي أكد “المرصد السوري” أن الهدف الحقيقي للتدخل الروسي في سوريا، ليس مكافحة الإرهاب وإنما قتل وتهجير المدنيين وتدمير منازلهم وممتلكاتهم، من أجل مساعدة “النظام” على حساب سوريا والمدنيين.

“رسائل مباشرة”

منذ سنوات يحكم مشهد الشمال الغربي لسوريا مساران، الأول، سياسي عسكري بين ثلاث دول (أستانة)، والآخر شبيه به لكن بين طرفين، الأول هو تركيا والثاني روسيا، ويطلق عليه “مسار سوتشي”.

وتأتي الضربات الروسية المتزايدة حاليا بعد أسابيع من اختتام الجولة 17 من مسار “أستانة”.

ولم يصدر أي تعليق روسي حتى الآن لتوضيح أسباب هذه العمليات، وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا.

وبينما تتخوف المنظمات الإنسانية “في كل لحظة وكل ثانية”، يشير مدير “الدفاع المدني”، رائد الصالح، إلى أن ذلك يتعلق بـ”استهداف روسيا للمشافي والمدارس والأفران والأسواق”.

ويقول: “روسيا تريد قتل الحياة، وباختصار هذا الشي الوحيد الذي تتقنه”.

وخلال العام الماضي، كانت الطائرات الروسية قد استهدفت “بشكل ممنهج” حراقات تكرير الوقود البدائية وأسواق المحروقات، بهدف شلّ الحياة الاقتصادية للسكان.

ويضيف الصالح: “شاهدنا كيف أثّر ذلك على عمل الأفران والمشافي والمراكز الحيوية الأخرى جراء هذه الهجمات. كل شيء نتوقعه من روسيا تقوم بالأسوأ منه. هي تريد إرسال رسائل مباشرة عبر هذه الهجمات، لتقول فيها: لن أسمح للسوريين في شمال غربي سوريا بالعيش”.

من جانبه تحدث المحلل السياسي، رامي الشاعر، عن “نظام للتهدئة لا يزال ساريا حتى الآن في عموم المناطق السورية”. وهذا النظام تشرف عليه ‘مجموعة أستانة'”.

ويقول الشاعر: “في شمال غرب سوريا فإن تركيا وروسيا لن تسمحا بصدام عسكري بين فصائل المعارضة والجيش السوري، وأتوقع غياب أي صدام عسكري”.

ويستبعد المحلل السياسي أن يكون هناك أي صدام أو تصعيد عسكري في الأشهر المقبلة من العام الجديد، معتبرا أن “الأجواء في سوريا جاهزة ببدء عملية الانتقال السياسي السلمي، على أساس قرار مجلس الأمن 2254”.

“ويمكن وصف الوضع السيادي لسوريا اليوم بالمجمّد”، ووفقا للشاعر: “لا يمكن تذويب هذا الجمود إلا بإنهاء عملية الانتقال. لا خيار للسوريين أبدا جميعا معارضة ونظام وشعب”.

“سياقات وخلافات”

في غضون ذلك، يقرأ مدير مركز “جسور للدراسات”، محمد سرميني، عودة التصعيد بأنها “تتزامن مع قرب انتهاء فترة التفويض لآلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، بموجب القرار 2585\ 2020”.

ويقول سرميني لموقع “الحرة”: “يبدو أنّ روسيا تحاول الضغط على المجتمع الدولي من أجل قبول حصر الآلية بالمساعدات عبر خطوط التماس، لا سيما وأنّ تقرير الأمين العام للأمم المتحدة شدّد على ذلك”.

وتريد موسكو “ضمان استمرار وتسريع العمل بموجب استثناءات التعافي المبكّر التي نصّ عليها القرار الأممي، وبالتالي تقليص حجم العقوبات على النظام السوري، وهو ما أشار إليه بشكل غير مباشر مبعوث الرئيس الخاص، ألكسندر لافرنتيف، في 27 ديسمبر 2020”.

ويرى سرميني أن عودة التصعيد يرجع أيضا “إلى استياء روسيا من التباطؤ في تنفيذ خارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها مع تركيا خلال قمة سوتشي بين الرئيسين، رجب طيّب إردوغان، وفلاديمير بوتين، في سبتمبر 2020”.

وأشار إلى أن عدم إحراز أيّ تقدّم في تنفيذ خارطة الطريق حول إدلب مرتبط بوجود خلافات وملفات عالقة بين تركيا وروسيا، أبرزها: مكافحة الإرهاب والوجود العسكري التركي وتفعيل حركة التجارة والنقل وإعادة الاستقرار.

ولا يتوقع مدير المركز البحثي أن تنخفض حدة التصعيد “في الربع الأوّل من عام 2022 على أقل تقدير، لا سيما مع قرب مرور عامين على توقيع مذكّرة موسكو (2020)”.

وعلى العكس، يرى المحلل السياسي المقيم في موسكو، رامي الشاعر، أن عام 2020 هو “عام الانتقال السياسي الفعلي لنظام حكم جديد، بمشاركة المعارضة والنظام الحالي والشعب السوري”.

ويضيف: “في الحالة السورية وبعد صدور قرار مجلس الأمن 2254 وتواجد خمسة جيوش على الأرض السورية لن يسمح أن يكون في البلاد حرب”، مؤكداً أنه “لن يكون هناك حل غير تنفيذ قرار مجلس الأمن. هذا ما سيحصل قريبا جدا”.

المصدر: الحرة. نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى