هل فشلت الجزائر في مشروع التعريب؟ || ورقة “ضغط” تظهر عند كل توتر مع فرنسا

علي ياحي

يلازم قضية التعريب في الجزائر الصمت بعد أن عرفت معركة ساخنة إثر تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي أثارت الغضب، ما يوحي بأن المشروع إنما هو ورقة “ضغط” جزائرية تظهر عند كل توتر مع باريس.

وراهن الشارع على إقدام وزارات على تعريب التعامل داخل إداراتها، لإعادة بعث مشروع التعريب الذي انطلق منذ ثلاثين عاماً بموجب قانون صدر خلال فترة حكم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد. وفي حين كانت التوقعات تشير إلى تقدم يُنتظر تحقيقه في الإطار ذاته بعد تصريحات ماكرون عن الجزائر، والتي حرّكت الدعوات إلى مقاطعة فرنسا اقتصادياً وتقليص استعمال اللغة الفرنسية، انطفأ لهيب الغضب بمجرد خطوات تهدئة من باريس، وتراجعت أخبار التعريب.

وصدر في 16 يناير (كانون الثاني) 1991، قانون تعميم استعمال اللغة العربية، وقّعه الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد بعد مصادقة البرلمان عليه. لكن القانون جُمّد بعد عام واحد من مغادرة بن جديد السلطة، ليعيد الرئيس الأسبق اليامين زروال إطلاقه بعد انتخابه عام 1996، ثم توقف تفعيل القانون من دون قرار رسمي في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

نخبة لا تتقن أية لغة؟

ويسأل القيادي في “حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية” مراد بياتور، “ما الهدف من التعريب؟”، مضيفاً أنه “بعد أعوام من التعريب، نجد أنفسنا أمام نخبة لا تتقن أي لغة، ولعل العثرات اللغوية التي يقع فيها المسؤولون الرسميون في الدولة خير دليل”. ويُرجع ذلك إلى أن “قرار التعريب لم يكُن ضمن استراتيجية وأهداف ترتكز على التحصيل العلمي والمعرفي، بل كان مجرد شعبوية لاستقطاب وتجنيد العنصريين من أجل هدف الاستمرار في السلطة”.

ويواصل بياتور أن “النظام السياسي في الجزائر لم يتعلم من الأخطاء السابقة التي أدّت إلى تشتيت المجتمع وخلق صراعات حول الهوية، إذ لم تعُد اللغة أداة للتحصيل العلمي والمعرفي ووسيلة لخلق جسور بين الشعوب، بل أزمة كيان ووجود، مبرزاً أنه “علينا اليوم التصالح مع تاريخنا، بعيداً من الصراعات الأيديولوجية والانتماءات الوهمية التي دمرت مجتمعنا، وأن نولي أهمية للعلم والمعرفة، والعمل على خلق ثقافة تقبل الآخر ونبذ الكراهية والعنصرية لتربية أجيال، بعيداً من الخرافة والأحكام المسبقة والمعتقدات الرجعية، بالتالي الانفتاح على العالم والتكنولوجيا والعيش في سعادة وطمأنينة”.

صراع حضاري وفكري

في السياق ذاته، يرى المحافظ السابق لمدينة وهران غرب الجزائر بشريك فريك، في كتابه “الهيمنة الفرنكوفونية على الإدارة الجزائرية” أن إشكالية التعريب في الجزائر تبقى قضية صراع حضاري وفكري، لا يمكن معالجتها بقوانين أو نصوص ما لم يتم الانتصار لها عن طريق إعادة صوغ المشروع الحضاري الوطني في الأساس”، مضيفاً أن “الذين شكلوا الإدارة في ما بعد وغداة الاستقلال هم النسيج العنكبوتي المعقد داخل الأجهزة الإدارية الرسمية السيادية العسكرية والاقتصادية للدولة الفتية، فارضين اللغة الفرنسية فيها، وقد تشكلت من هذه الطينة غير النظيفة بيروقراطية إدارية معقدة عانى وما زال يعاني منها المواطن، وهم بعقولهم المتحجرة وأساليب عملهم البائدة الموروثة عن الإدارة الفرنسية التي تُعدّ من أكثر الإدارات بيروقراطية وتعفّناً في العالم، لقّنوا تلك الأساليب البدائية الإدارية المتحجرة وأحياناً الخبيثة والشيطانية للأجيال الجديدة من الشباب”.

إلى ذلك، يعتقد أستاذ القانون محمد عدنان أن برنامج التعريب في الجزائر لا يمكن الحكم عليه بالفشل، لأن الطريق لا يزال طويلاً، مضيفاً أن “هناك مشكلات وصعوبات يضعها التيار الفرنكوفوني أمام المشروع. ويلفت إلى أن معظم موظفي الإدارات والمؤسسات والجامعات من تكوين المدرسة الفرنسية، ما يتطلب إعداد خلف معرّب يمكنه الأخذ بزمام مبادرة التعريب بشكل موضوعي وواقعي، بعيداً من العواطف والتجاذبات السياسية”.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى