مليشيات تسيطر على أملاك السوريين المعارضين

ريان محمد

منذ بدء الثورة عام 2011، يحمل النظام السوري والإعلام المقرّب منه نظرة تخوينية تجاه السوريين الذين عبروا الحدود السورية وباتوا لاجئين في دولٍ أخرى، وتجلّى ذلك في أحد أشهر التصريحات التي خرج بها الضابط السوري البارز، عصام زهر الدين، عندما خاطب اللاجئين السوريين مهدداً لهم: “نصيحة من هالدقن لا ترجعوا”. ومن أوجه العقوبات التي يقتص بها النظام السوري من اللاجئين هي ترسانة قوانين تجعل إمكانية استعادة ملكيتهم أو التصرّف بها وهم خارج البلاد أمراً صعباً جداً. هذا الأمر يجعل منازل السوريين المطلوبين رهناً بمليشيات الأمر الواقع التي تسيطر على المنطقة التي تقع فيها الملكية، وتحت رحمة السماسرة الذين يلعبون دور الوساطة مع المليشيات لتحصيل المنزل مقابل حصولهم على حصة فيه.

عام 2009، اشترى أحمد وجيه منزلاً في بلدة ببيلا في ريف دمشق، بعدما استمرَّ في العمل ثماني سنوات لجمع ثمن المنزل. كان المنزل البالغ ثمنه مليوناً ونصف مليون ليرة (30 ألف دولار حينها) جنى العمر بالنسبة لوجيه، الذي كان حلمه استملاك منزل قريب من دمشق ليتخلّص من عبء الإيجارات. لم يكد يهنأ بمنزله حتّى اندلعت الثورة السورية عام 2011، واضطر لمغادرته في عام 2013 قبل حصار ببيلا. يقول وجيه: “جمعنا أنا وأسرتي أغراضنا وانتقلنا إلى تركيا وبقينا هناك بضعة أشهر قبل أن نركب البحر متوجّهين إلى أوروبا لطلب اللجوء”. استقرّت أسرة وجيه في ألمانيا، وخلال تلك الفترة انقطعت أخبار منطقته عنه ولم يعرف ما جرى لمنزله. كان يتواصل مع بعض الجيران الذين بقوا هناك ليخبروه إذا قصف المنزل أم لا، لكنّ جميع الأخبار أكّدت له أنّ المنزل لم يتضرّر. وفي عام 2018، سيطر النظام السوري على ببيلا بعد اتفاق مع مقاتلي المعارضة جنوب دمشق، ودخلت القوات النظامية مع بعض المليشيات المحلية، ليتلقّى وجيه بعدها اتصالاً من أحد أقاربه يخبره أنّ عائلة أحد العسكريين أصبحت تقيم في المنزل. حاول التواصل مع الشخص الذي يسيطر على منزله، وبالفعل توصّل إلى رقم هاتفه عن طريق أحد الجيران، وعندما اتصل به وسأله عن سبب مكوثه في منزله، ما كان جواب المقاتل إلّا القول: “إذا كنت تريد منزلك عد إلى سورية لأسلّمه لك”، في إشارةٍ إلى أنّه لن يخرج من المنزل طالما أن مالكه لا يستطيع العودة إلى سورية. يوضح وجيه أنّ كلّ ما يعرفه عن الشخص الذي يسيطر على المنزل هو أنّه ضابط في “الدفاع الوطني السوري” وهي مليشيا محلية رديفة لقوات النظام تشارك في القتال على الجبهات، وفي إدارة المناطق التي يسيطر عليها النظام ويطرد فصائل المعارضة منها. وحتّى الآن يفشل وجيه في إيجاد طريقة لإخراج المقاتل من منزله.

رصدت “العربي الجديد” امتلاك النظام السوري ترسانةً قانونيةً سنّها بهدف منع اللاجئين من التصرّف بعقاراتهم التي يملكونها داخل سورية. وعلى رأس هذه القوانين “القانون رقم 10” سيئ السمعة، الذي ينصّ على إنشاء مناطق تنظيمية في مدن وبلدات سوريّة مدمّرة غالبية أهلها لاجئون، ووضع مدّة معينة أمام مالكي العقارات في كلّ منطقة يراد تنظيمها، ليأتوا إلى سورية ويقدّموا إثباتات لعقاراتهم هناك، وهو الأمر الذي يحرم اللاجئين من ملكياتهم. بالإضافة إلى لذلك، أصدرت حكومة النظام السوري “التعميم رقم 4554” إلى وزارة الإدارة المحلية في الرابع من أغسطس/ آب 2015، الذي ينصّ على إلزام السوريين الذين يريدون القيام بعمليات البيع العقارية والإيجار للمنازل والمحال، باستخراج موافقة أمنية من أفرع الأمن، ولهذا السبب أصبح السوريون المطلوبون غير قادرين على بيع عقاراتهم أو التصرّف بها من خارج سورية. وزارة الإدارة المحلية أعادت السبب في هذا التعميم إلى “منع الإرهابيين من شراء العقارات أو استئجارها واتخاذها كمقار لهم، ولحماية الملكيات العقارية من الضياع أو التزوير”. ويعلق مدير مكتب عقاري في العاصمة دمشق لـ”العربي الجديد” أنّ السوريين المتخلّفين عن الخدمة العسكرية لا يستطيعون كذلك الحصول على موافقة أمنية، أي أنّ الأمر لا يتعلّق بالمطلوبين أمنياً فقط. وفي أواخر عام 2019، أقر مجلس الشعب السوري تعديلاً على قانون خدمة العلم (التجنيد الإجباري) سمح بموجبه للنظام السوري بالسيطرة على عقارات وأملاك السوريين الذين يتخلّفون عن الخدمة العسكرية ولا يدفعون البدل النقدي. عُدّلت الفقرة “هـ” من قانون خدمة العلم، وجاء في التعديل أنّه “يحصَّل بدل فوات الخدمة (عدم الالتحاق) المترتب بذمة المكلف عند تجاوزه سن 42 عاماً وفقاً لقانون جباية الأموال العامة، ويقرر الحجز التنفيذي على أمواله من دون حاجة لإنذاره، ويلقى الحجز الاحتياطي على الأموال العائدة لزوجات وأبناء المكلف، ريثما يتم البتّ بمصدر هذه الأموال في حال كانت أموال المكلف غير كافية للتسديد”.

ونصّ التعديل على حق حكومة النظام السوري في التصرّف مباشرةً بأملاك وأموال المخالف لهذه الفقرة القانونية من دون التوقّف عند تجميدها فقط.

من جهته، بعدما غادر أبو أحمد منزله بست سنوات، استولى أحد القياديين في المليشيات المحلية على المنزل ورفض الخروج منه. يقول أبو أحمد: “الشخص الذي استولى على منزلي كان مدنياً وتربطني معرفة به قبل الثورة، ويبدو أنّه استولى عليه لأنّه يعرف أنّني معارض وأعيش في تركيا”. ويقع منزل أبو أحمد في حلب القديمة، في المحافظة الشمالية، وورثه عن والده، وهو من طراز المنازل الحلبية القديمة الفاخرة، واضطر أبو أحمد لمغادرته بعدما تعرّض الحيّ الذي يقطنه للقصف، فانتقل إلى تركيا. يقول أبو أحمد لـ”العربي الجديد”: “أخبرني شقيقي أنّ هناك شخصاً يعمل في تحرير العقارات التي سيطرت عليها المليشيات واستعادتها منهم لصالح أصحابها، فاتصلت بهذا الشخص الذي يسمي نفسه مروان، فاشترط عليَّ أن أتنازل له عن نصف المنزل مقابل افتكاكه وإجبار عنصر المليشيا على الخروج منه”. يوضح أبو أحمد أنّه رفض العرض لأنّه يؤمن أنّ “هذه الحال لن تستمر طويلاً، بل إنّ مسار العدالة لا بد من أن يتحقّق قريباً في سورية، فأعود إلى منزلي من دون أن أتنازل عن جزء من ملكيته لأحد”.

المصدر: العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى