تأزمت العلاقة بين غرفة القيادة الموحدة “عزم”، وفرقة “السلطان سليمان شاه”، في العاشر من الشهر الجاري، بعد أن فتحت “عزم” ملف انتهاكات فصيل “أبو عمشة” العامل في صفوفها، وتجاوزاته بحق المدنيين في منطقة “الشيخ حديد” بريف عفرين، والتي تعد المعقل الوحيد للفرقة.
وفي 11 من تشرين الثاني الماضي، أعلنت “عزم” عن قبول عودة فرقة “السلطان سليمان شاه” إلى صفوفها، وعملها ضمن حركة “ثائرون” التي يقودها “فهيم عيسى”، مقابل عدة شروط، كان من ضمنها تعاون الفرقة مع القضاء، وتسليم كل من يثبت عليه تجاوزات وانتهاكات لتسويتها.
ومنذ أيام يولي المكتب الأمني في “عزم” اهتماماً خاصاً إلى جانب لجنة مكلفة، لمتابعة ملفات الانتهاكات المعلقة منذ سنوات ضد “أبو عمشة” وفصيله وعدد من أقربائه.
جولة استباقية في “الشيخ حديد”
بدأت “اللجنة المشتركة لرد الحقوق في عفرين وريفها” المدعومة من قبل فصائل الجيش الوطني، في شهر تشرين الثاني الماضي، عدة جولات في منطقة “الشيخ حديد”، للاستماع إلى شكاوى المدنيين، وتسجيل الانتهاكات المرتكبة بحقهم، وإفادات الشهود.
وأعلنت اللجنة في السادس من الشهر الجاري، عن انتهاء الجولة في “الشيخ حديد”، التي شملت عددا من معاصر الزيتون والمزارعين والمجلس المحلي، كما أكدت اللجنة حلّ كل القضايا المقدمة، بالتعاون مع فرقة “السلطان سليمان شاه”.
وذكر مصدر من اللجنة لموقع تلفزيون سوريا، أن القضايا المذكورة، تتعلق فقط بزيت الزيتون الذي يتم جنيه من المزارعين لصالح فرقة “أبو عمشة”، مضيفاً أن الفرقة قامت بعد خروج اللجنة من “الشيخ حديد”، باسترداد كميات الزيت مجددا من المزارعين.
“جرائم وانتهاكات”
ترى غرفة “عزم” أنها مخوّلة بمحاسبة فرقة “أبو عمشة” على انتهاكاتها، بعد أن قبلت بشروط الانضمام، والمتمثلة بتسليم جميع المطلوبين للقضاء ومحاسبتهم.
وبدأت مصادر مقربة من “عزم” بتسريب شهادات عن “جرائم وانتهاكات” أبو عمشة بحق المدنيين في المنطقة التي يسيطر عليها، وبحق عناصره أيضاً، متوعدةً بمحاسبة الفرقة عسكرياً، ولو أدى ذلك إلى استئصالها بشكل كامل.
وقالت هذه المصادر إن غرفة القيادة الموحدة “عزم” شكّلت لجنة للعمل على إعادة الحقوق إلى أصحابها، وستقوم باستدعاء كل شخص يثبت بحقه جرم، إضافة للمطلوبين، وتحويلهم للقضاء ليحاسبوا على انتهاكاتهم.
وأضافت: “في حال رفض أي شخص تسليم نفسه للقضاء، ستلجأ عزم إلى القوة والحزم لضبط الأمور واعتقال المطلوبين وإعادة الحقوق لأهلها، وأي فصيل سيساند المطلوبين أو يقف في وجه القوة المخولة باعتقالهم، سيتم التعامل معه أيضاً بحزم وقوة”.
تشكيل لجنة لتسوية القضايا
أكدت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا، توافق كل من قيادة “عزم” وحركة “ثائرون” وفرقة “السلطان سليمان شاه” على تشكيل لجنة من ثلاثة أشخاص، ومنحهم الصلاحية في استدعاء الشهود والاستماع إليهم، وإصدار الأوامر باعتقال المطلوبين.
وأفاد مصدر من لجنة رد الحقوق، بأن قرار تشكيل اللجنة جاء قبل أخذ المبادرة بالتعامل عسكريا مع “أبو عمشة”، واستخدام السلاح لاعتقال المطلوبين، وربما إنهاء وجود الفرقة.
وأضاف مصدر خاص: “تحت ضغط إصدار بيان من علماء الثورة ورموزها يعري فصيل أبو عمشة وجرائمه، سارع أبو عمشة للخضوع إلى لجنة تحقيق محايدة مدعومة من قيادة عزم دون قيد أو شرط، مع الاتفاق على أن أي عرقلة أو امتناع عن حضور المطلوبين فإن لعزم الحق في استئصاله”.
وتتألف اللجنة من عضو المجلس الإسلامي السوري، الشيخ عبد العليم العبد الله، والشيخ موفق العمر، والشيخ أحمد العلوان.
ووفقاً للمصدر فإن المطلوبين للقضاء يبلغ عددهم 17 شخصاً، بقضايا “مالية وأعراض وسرقات وضرب وعطب مقاتلين بأرجلهم، وإتاوات، وخمر وكفر وتعاطي حشيش”.
“شهادة مسربة”
نُشرت شهادة منسوبة للشيخ عبد الناصر العلوان (أبو إسلام الحموي)، جاء فيها أن “أبو عمشة بفساده المتكاثر كالسرطان وصل لمرحلة لا يصلح معه فيها إلا الاجتثاث من الجذور”، وأن “أبو عمشة وإخوته فرضوا مكوساً باهظة على أهالي الشيخ حديد، بلغت 8 دولارات سنوياً على الشجرة المثمرة، و4 على غيرها، وربع محصول الزيت على كل أرض، عدا عن السرقات والجبايات الأخرى”.
وأشارت الشهادة إلى أن هواية أبو عمشة “إطلاق الرصاص على ركبتي أي عنصر لديه ينزعج منه، وهناك كثير من الذين قُتِلوا تحت التعذيب في معتقلاته دون سبب”، كما تحدثت الشهادة عن جوانب أخرى مثل ابتزاز النساء واغتصابهن.
وقال “أبو عمشة” في تغريدة على “تويتر” إن “الشيخ عبد الناصر علوان أبو إسلام الحموي رجل من رجال الثورة السورية المباركة (..) أدعو أخي الشيخ أبو إسلام أن يأتي إلى قطاعنا ويحقق بنفسه، وإذا تأكد من وجود مظالم فليقتص منّا بيده وإذا وجد عكس ما سمع فليعتذر”.
بدوره قال “الحموي” في تسجيل صوتي وصل لموقع تلفزيون سوريا، إن الشهادة المنشورة ليست له، لكنه أكد أن معظم ما ورد فيها، سمعه بأذنيه من الشهود.
“فساد لا يُزال إلا بالقتل”
نشر الشيخ أحمد الحلوي، صوتيات أكد فيها أنه استمع لشهادات الشهود المتضررين من انتهاكات “أبو عمشة”، قائلاً “إن زوال أبو عمشة دين يُتقرب فيه إلى الله، وفساده لا يُزال إلا بالقتل”.
وأضاف “الحلوي” أنه يتابع ملف أبو عمشة منذ عامين، وتم عرض ذلك الملف على 7 من قادة الفصائل، معتبراً أن الكارثة الحقيقية أن “القوم” حفرة موبوءة بالأمراض النفسية، حيث يخططون “لإسقاط الحرائر العفيفات”.
وأشار إلى أنهم نقلوا الحقائق لقادة الفصائل، بعد الشعور بخطورة المسألة، وكأن “أبو عمشة” يقول “أنا ربكم الأعلى”، كما أكد الاجتماع بعدد من النساء اللواتي تكلمن بكلام خطير “يجعل الأموات أحياء”.
موقف مرتبك لـ”أبو عمشة”.. ماذا عن “تحرير الشام”؟
حاول “أبو عمشة” الرد على الاتهامات الموجهة له، عبر سلسلة من التغريدات نشرها على حسابه في “تويتر”، إلا أنه حذفها بعد وقت قصير من نشرها.
واعتبر “أبو عمشة” أن ما يُنسب لفصيله من انتهاكات مجرد “تهم معلبة مصنوعة في غرف معينة معلومة من جهات مدلِّسة مرهونة”، مضيفاً أن وجود الفساد في أيام الحرب والاضطرابات أمر لا غرابة فيه، لأن “الهمَّ الأول يكون لمقارعة العدو على الجبهات، وإرجاء الإصلاحات الداخلية إلى وقت يكون الاستقرار فيه أكثر”.
وأوضح أن “العمل على مواجهة الفساد الداخلي هو من أهم عوامل التماسك الداخلي، ولا يجوز أبداً أن نغض الطرف عنه، إلا إذا أوقعنا ذلك في مفسدة أكبر فإننا ندفع المفسدة الأكبر بالأصغر ونقدم الضروريات على الحاجيات”.
وتابع: “ثمة سيول من الاتهامات لا نجد لها أثراً على أرض الواقع، إنما صاغتها أقلام فتنة في دلجة من الليل ممن يملكون نواصي القنوات الإعلامية المأجورة”.
وختم أن “معالجة الفساد ومكافحته حريٌّ أن يمسك زمامه وأن يمتطي ركابه المؤسسات الثورية التي انبثقت عن نخب الثورة كمؤسسة القضاء الحر والشرطة العسكرية، وعندما تتم معارضة تلك المؤسسات ويمتنع المعترض بشوكة فحينذاك ننبذ إليه على سواء حتى يتم تقويمه على الطريق الحق، أما أن يدعي فصيل أو جهة ما أنهم أمناء الله على خلقه في الأرض فهذا سفه من الرأي وشهوة تمضي بصاحبها إلى حتف أنفه”.
ولم تعلن “هيئة تحرير الشام” عن موقفها من محاسبة فرقة “أبو عمشة” نظراً للعلاقات الجيدة بين الطرفين، واجتماع قادة الفصيلين ببعضهما أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية.
وفي حين لم يصدر موقف رسمي من الهيئة بهذا الخصوص، نشر القيادي فيها أبو ماريا القحطاني منشوراً على قناته في التلغرام -حذفه لاحقاً- قال فيه: “من الإفساد ترك أمر الله تعالى والدعوة للتشرذم وترك الاعتصام.. من يدعي محاربة المفسدين عليه أن يحاسب نفسه عندما كان حجر عثرة بوجه الاعتصام استجابة لأمر الداعمين، فمن يطالب بتطبيق الشريعة حسب مزاجه ومصلحته فيه صفة من صفات المنافقين، علماً أننا مع محاسبة الفاسدين والمفسدين إن صحت تلك الدعاوى لكن على يد شرفاء لا على يد من يرعى الفساد والإفساد” حسب وصفه.
مبارزة على تويتر
نشرت عدة حسابات تابعة لعزم تغريدات مناهضة لـ “أبو عمشة”، كان آخرها تغريدة كنان نحاس القيادي السابق في حركة أحرار الشام المنضوية في عزم.
ليرد عليه “أبو عمشة” بأن حركته كانت “حصان طروادة الذي ركبته داعش”، وأن أحرار الشام “فشلت في كل التحديات من الدفاع عن حمص ثم إدلب”.
مستجدات القضية ومآلاتها
تواصل اللجنة المكلفة بمتابعة القضية لقاء الشهود والاستماع للشكاوى المقدمة ضد فرقة “السلطان سليمان شاه”.
وأفاد مصدر مطلع على عمل اللجنة، بأنه تم اعتقال اثنين من أشقاء “أبو عمشة”، إضافة لعدد من الإعلاميين في الفرقة، في حين هرب بعضهم إلى تركيا، وتبرؤوا من الفرقة بشكل كامل.
وأوضح أن منطقة الشيخ حديد ما زالت منطقة مغلقة من قبل الفرقة، مع فرض قيود كبيرة وتهديد الشهود، مضيفاً أن الإشكالية تكمن حالياً في مكان اعتقال الأشخاص الموقوفين.
وعن نية “عزم” القضاء على فرقة “أبو عمشة”، قال المصدر: “لا نية لاستئصال الفرقة طالما أنها تمتثل لطلبات اللجنة، ولكن في حال الاستعصاء فكل الخيارات متاحة”.
وقال مصدر آخر لموقع تلفزيون سوريا: “اللجنة حالياً تستمع للشكاوى، وكل الخيارات متاحة بعد انتهاء عمل اللجنة، وأتوقع أن المنطقة مقبلة على معركة مع الفساد”.
من جانبه، ذكر أحد أعضاء اللجنة لموقع تلفزيون سوريا، أن العديد من القضايا الحساسة لم يبت بها من قِبل اللجنة حتى الآن، موضحاً أن الدعاوى المقدمة تخص الأعراض والمستحقات المالية، إضافة لإطلاق النار على العناصر.
وأضاف أن هذه الأمور ما زالت قيد البحث، علماً أنه تم قطع شوط كبير فيها، مع وجود تجاوب من جانب الفرقة، وبعض العراقيل التي تفرضها الحساسية الفصائلية، مثل مكان توقيف المعتقلين، مشيراً إلى أن اللجنة راعت موضوع هذه الحساسية إلى أبعد حد، ولكن يكاد يكون الأمر على حساب جوهر القضية والحقيقة.
وأردف: “بعد اكتمال الصورة عندنا، والفراغ من سماع الشكاوى، وتدوين إفادات الشهود، سنختم الدعوى ونصدر القرار الذي يناسب الواقعة والحادثة”.
ويمكن القول إن مسار القضية وتطوراتها مرهون بما ستخلص إليه اللجنة، وبطريقة تعاطي قيادة فرقة “سليمان شاه” مع الملف، وفيما إذا كانت ستسلّم جميع المطلوبين للقضاء سلمياً، وتعيد الحقوق للمتضررين، كما يمكن أن يكون السلاح حكماً بين الطرفين إذا ما فشلت بقية الحلول والوسائل.
ويترقب الجهاز الأمني في عزم ما ستؤول إليه اللجنة من نتائج مع “أبو عمشة” وفصيله، وفي حال فشلت فإن الخيار الأمني سيكون حاضراً لاستئصال الفصيل، حيث سبق أن تدخل الجهاز الأمني بقوة منذ تشكيله لضبط المنطقة واعتقال من وصفهم بالمفسدين وتجار المخدرات، واعتقال قادة مجموعات اشتبكت فيما بينها بالسلاح في مناطق مأهولة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا