في المـشـهد السـوري

د. عبد الناصر سكرية

وسط تكثيف اعلامي شديد، يبدو المشهد السوري وكأن “النظام” السوري انتصر على “الثورة” السورية، لتغطية أكبر عملية تزوير للحقائق والوقائع الميدانية، مفادها أن الثورة هي تلك الميليشيات المسلحة المرتبطة بقوى خارجية، تخضع لها وتنفذ لها رغباتها ومصالحها. وبالتالي، من حق النظام سحق تلك الميليشيات المشبوهة مستعينا بحلفاء له دوليين، وسيا وإيران.

وإن أدّى ذلك الى قتل مدنيين وتهجير اخرين. والحقيقة التي يغيبها الاعلام المحلي والعالمي تختصر في جملة نقاط:

1- تلك الميليشيات المسلحة، صنيعة مشتركة للقوى الدولية والاقليمية، المعادية لشعب سوريا وثورته من اجل الحرية والكرامة.
اما مساهمة النظام واجهزته الاستخباراتية في صناعة وإطلاق تلك الميليشيات، فقد كانت اساسية ومباشرة.

2- تم دحر تلك الميليشيات بقوة قوى دولية مواجهة، وليس بجيش النظام الذي يتخذ اداة للقمع والتعفيش، وتغطية الاحتلال الاجنبي المباشر لسوريا.

3-كان الدور الاساسي لتلك الميليشيات، المسلحة والمرتبطة بالنظام من جهة، وبالقوى الاجنبية من جهة ثانية؛ التخلص من القيادات الشعبية الميدانية الشريفة، التي افرزتها انتفاضة الشعب السوري في كل المناطق. بما اتاح لتلك القوى معا توكيل واجهات لها من الادعياء والانتهازيين والمرتزقة المأجورين، ليكونوا مفاوضين نيابة عن الشعب السوري، يتاجرون بقضيته، ويساومون عليها، ويتنازلون للنظام وحماته الدوليين، عما لم يكونوا يوما من صانعيه.

إضافة الى إعطاء الذرائع لتدمير مدن وقرى ومناطق سورية معينة، ذات هوية محددة بكاملها، وتشريد اهلها، تمكينا لأكبر عملية تغيير سكاني اجتماعي، تشهدها المنطقة العربية عبر التاريخ القديم والحديث.

4-الشعب السوري وقياداته الحرة الشريفة، هم أكثر من عانوا من الدور المشبوه لتلك الميليشيات، وهم الذين دفعوا أثمان باهظة لمعارضتهم، ومواجهاتهم المتكررة لهيمنة تلك الميليشيات.

5-الموقف الوطني السوري الحرّ المستقل، عبّر دائما عن رفضه لتلك الميليشيات وممارساتها وتبعيتها، وكان ينبه دائما الى خطورة دورها ومآلاته لمصلحة النظام والهيمنة الخارجية، ويميز بشدة بين الشباب الحرّ الثائر الشريف، الذي اجبرته الوقائع على حمل السلاح، وبين المسلحين المأجورين.

6- جميع “الانتصارات” العسكرية لجيش النظام وحلفائه، كانت مرسومة في إطار الاتفاقات الدولية، التي قسمت سوريا وتقاسمتها بمشاركة الجميع.

ولم تكن انتصارات بأي معنى من المعاني. لكن التغطية الاعلامية المدروسة لها، جعل الكثيرين من المواطنين في كل البلاد العربية، يعتقدون انها انتصار للدولة والأمان، وبالتالي تحرير سوريا وانتصارها بوجه “المؤامرات الخارجية”؛ مما اوقعهم في شراك مواقف سياسية خاطئة تبرر سياسات النظام او تؤيدها.

7-اجزاء كبيرة من سوريا، تحتلها امريكا وادوات لها محلية، يجري التعتيم غالبا عليها وعلى ما تقوم به من اجراءات معادية لتطلعات الشعب العربي السوري، فتبدو معركة دحر الميليشيات، وكأنها تختصر معركة فاصلة لتحرير سوريا، وانتصارها على مؤامرة دولية عليها، في الوقت الذي سقطت فيه سوريا بكاملها تحت الاحتلال الاجنبي متعدد الجنسية، اوله واساسه الاحتلال الامريكي.

8-التمويه والتغطية على سرقة موارد سوريا الطبيعية الغنية، من قبل قوى الاحتلالات الاجنبية، بالتركيز الاعلامي على انتصارات عسكرية معدة سلفا، على ميليشيات مصنعة سابقا.

9-التعمية على ربط مصير سوريا ومواردها ومقدراتها بما يسمى اتفاقات، يعقدها النظام مع القوى الاجنبية المحتلة؛ وترهن مستقبل سوريا لعقود مقبلة حتى بعد السقوط المحتوم لنظامها الراهن.

10-الانطلاق من هذه الوقائع، لتسفيه كل تحرك شعبي عربي رافض لواقع القهر والفساد والاستعباد، وصولا الى تسفيه فكرة الثورة من اجل الحرية والكرامة والتقدم؛ بغية تمكين قوى التخلف والقهر والتبعية من الابقاء على الواقع المرفوض كما هو، لا بل وإمعانا في تعميقه وتكريسه وتأبيده.

يستفيدون جميعا لتمرير كل هذه المعطيات، من غياب اي دعم حقيقي للموقف الوطني والقوى الشعبية الحرة، وعدم امتلاك الثائرين لإمكانيات عملانية، تمكنهم من ايصال مواقفهم واستثمارها ميدانيا؛ فضلا عن استعصاء واقع الثورة على تنظيم ذاته، وبلورتها في مؤتمر وطني مؤسساتي جامع.

على القوى الوطنية السورية، تقييم اوضاعها، وبلورة المشروع الوطني السوري بوضوح أكبر، وحضور اعلامي وميداني أفعل، وأكثر انضباطاً، في مواجهة الوقائع المستبانة والمستجدة.


المصدر: المدار نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى