الاستغراق في الرمزية يباعد بين القراء وتذوق الإبداع

أحمد مظهر سعدو

هدى حنا الروائية الفلسطينية العتيقة.. التي ما تزال تغرف من بحر فلسطين أدباً قصصياً وروائياً كفاحياً.. ومازالت تحلم بالعودة إلى فلسطين.. كتاباتها تنز منها مياه الحب للأرض والناس، هي التي كتبت (صوت الملاجئ) و (عائد من بعيد) والتي قال عنها أحد الأدباء (التي كلما أسمعتنا أبكتنا) نحاورها اليوم عن القصة والرواية والأدب الفلسطيني فتؤكد لنا أن العودة بالنسبة لها مسألة يقين وليس حلماً فقط.. كما أكدت أن الأدب القصصي الحديث يغرق بالرمزية وهذا ما لا توافق عليه.. هدى حنا ستمثل فلسطين وأدباء فلسطين في مؤتمر عالمي في ألمانيا في تشرين الأول القادم.. حاورناها وكان هذا الغوص الجميل معها:

في نتاجك الأدبي المهم (صوت الملاجئ) كنت تلك المرأة الفلسطينية التي تدخل جوانبه المعاناة في اللجوء الفلسطيني.. كيف استطعت أن تكوني ذلك؟

الحقيقة أنني استطعت ولأني واحدة من هؤلاء الناس الذين لجأوا، فكان شعوري قويا جداً نحوهم في تجربتي، وأستطيع القول إنه كان همي الوحيد، مع أنني كنت موظفة (بالأونروا)، همي هم بالذات ومع اللاجئين لم أكن موظفة فكنت واحدة منهم، وكنت بالقدر الذي أستطيع أن أقدم لهم أي شيء لا أتأخر، وكانت أكبر مساعدة قدمتها هي المساعدة المعنوية، عبر شد عزيمتهم، من خلال تحملهم للمصائب التي أصابتهم، وليكونوا مهيئين، وحتى أخفف من أحزانهم ليهيؤوا أنفسهم للمعركة القادمة، المعركة الأولى خسرناها، ولكن لن نخسرها في المستقبل. وهذا ما جعلني بينهم صامدة، ثابتة، وأخلق في نفوسهم الحماس والأمل.

في الأدب الفلسطيني عشق للأرض ومعاناة دائمة.. هل تعتقدين أن هاتين السمتين هما اللتان دفعتا الأدباء الفلسطينيين إلى إبداعاتهم؟

– طبعاً هذا يدفع الشعب الفلسطيني للتفاني في الحفاظ على وطنه وإخراج العدو منه، وقد قلت مرة: ماذا أقول وقد قرحني النوى حتى كاد يقتلني، لولا أني صبرت أملاً باللقاء القريب، وانتظرت، وطال انتظاري وطال، حتى لم أعد أقدر على الانتظار ولا الصبر، فماذا أقول لقلبي المجنون بمن يهوي، يعذبني، وفي تعذيبي يغرق ثم يلقي بي، صريعة من أحب وأعشق، يقولون لي لكل داء دواء، وما ترون أني لا أريد شفاء من حب عظيم، أذوب فيه وأغرق، والحياة إن هي أقفرت من الحب وما درب الهوى إن لم نكن فيه كلنا لفلسطين عشاق.

يبدو أن الرواية ثم القصة القصيرة كلون أدبي قد تخطيا الشعر.. في الأدب الفلسطيني ثم العربي.. هل توافقين على ذلك ولماذا؟

– إني أوافق على ذلك، لأن القصة من الممكن أن تضع فيها التفاصيل أكثر من الشعر، ولكن، وفي نفس الوقت، فالشعر أيضاً له سمات جيدة، خصوصاً ففي إلقاء الشعر يخلق الحماس لدى السامعين، خاصة إذا كان من ذاك الشعر الذي يعبر عن القضية حرفاً بحرف، ولكنني أنا قاصة ولست بشاعرة، إنما أنا شاعرة بمشاعري ولكنني لا أنظم الشعر، وكنت قد كتبت مجموعة من القصص مؤخراً، وأنا أكتب من القص القديم أي الأسلوب القديم، ولم أحاول الكتابة بالأسلوب الحديث، لا لأنه لا يعجبني، بل لأنه لا يصل إلى قلوب السامعين.. القص الحديث هو الرمزية يعتمد على الرمزية المغرقة، وهي أي هذه الرمزية بعيدة عن فهم كل ما يجيء فيها من جميع الحضور، أما الطريقة السابقة فهي سرد لوقائع بأسلوب أدبي جميل يمكن أن يصل إلى السامع أو القارئ، بالإضافة إلى أن القصص التي كتبتها مؤثرة جداً وبأسلوب أدبي، ولا أذكر أنني قدمت شيئاً ولم أبك ويبك الحضور.

وهذا دليل على الصدق أليس كذلك؟

– نعم فهناك شخص يدعى (أبو وائل) أحبَّ مرة أن يعرف الحضور عليَّ فبعد المديح والتعريف بي قال: (والتي كلما أسمعتنا أبكتنا).

هل استطاع الأدب الفلسطيني رصد الواقع المؤلم والمنتفض في فلسطين؟ ولماذا؟

– هناك كتابات استطاعت أن تعبر فعلاً، ولكن حتى الذي أقدمه أنا مع أنه معبر ومؤثر جداً، لكني أحياناً أقول: (السيف أصدق إنباء من الكتب) حتى أني في أحد المرات، وكنت أخاطب إنساناً رمزياً:

فيا صاحبي أعطني أوراقي أمزقها

وأقلامي أكسرها

فقد مضى عهد الورق..

وصدف مرة أخري أنني كنت في (جزر كناري) وهناك شاركت في ندوات عن فلسطين، وقد قدمت ذلك باللغة العربية، وابني هناك كان مترجماً لي، وهناك من أهداني قلماً وقال لي: إنني أهديك القلم حتى تستمرين بالكتابة لقذف حممك على الصهاينة، فلما قلت بعد سنوات أنني (سأكسر أقلامي) تذكرته وقلت له من بعيد: وأنت أيها الصديق الكناري البعيد، لا تخف على قلمك سأحتفظ به ولكن إذا أردت أن تهديني مرة أخرى فليكن سلاحاً ماضياً أضرب به رقاب العدو.

يقول البعض إن المثقف العربي مازال غير قادر على الفعل في واقعه الاجتماعي والسياسي.. ترى إلام تردين ذلك؟

– أظن أن ذلك بسبب الكبت، أي منع الكلام، هناك الكثير من عدم وجود حرية للرأي، ومن يريد أن يحكي لا يستطيع علماً بأنني عندما أقدم شيئاً، فقبل القصة أقدم كلمة، والكلمة تكون سياسية.. ومرة قدمت شيئاً بعد مؤتمر القمة الذي جرى في بيروت، حيث خرج بقرارات مخجلة، حيث باركوا لدولة الصهاينة في شمال فلسطين، وقالوا بدولة لفلسطين في الجنوب.. وأنا لا يحبطني كلامهم والذي يصفونه لأن أملي ليس بمن هم موجودون حالياً، ولكني قلت في ذلك الوقت:

ما لسيوف العرب في أغمادها قد صدأت

وعهدي بها مشرعة كانت دائماً لا تغمد

واستبدلت بأغصان زيتون تنحني

تستجدي السلام من الأعداء اللئام

ومتى كان من شيم العرب الاستجداء

فيا أخي قل لي بربك

عرب هم أم دخلاء؟!

ألا فليعذرني السيد المسيح رسول المحبة والسلام إذا خرجت عن بعض تعاليمه وقلت: لا حل يرجى بالسلام وإنما ترجى الحلول بشفرة الحسام.

المصدر: صحيفة الراية القطرية

تاريخ النشر 1/ 8/ 2004

 ورحم الله الأديبة هدى حنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى