أمل الأسد في القمة بات سرابًا

أحمد مظهر سعدو

لايبدو أن كل الجهود المبذولة من قبل بعض النظام الرسمي العربي، من أجل إعادة تأهيل النظام السوري وإعادته إلى اجتماعات القمة والجامعة العربية بشكل عام، قد آتت أكلها، وقد باءت بالفشل تحركات عربية عديدة حاولت خلال الأشهر المنصرمة الوصول إلى توافق رسمي عربي مقدمة إلى ولوج نظام بشار الأسد مرة جديدة في أتون جامعة الدول العربية.

فالكثير من المعطيات دفعت وتدفع العرب والسعودية منهم إلى رفض واستمرار دحض عملية تعويم بشار الأسد وهو ماتجلى وضوحًا من خلال كلمة عبد الله المعلمي مندوب المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة خلال إلقائه كلمة حول حقوق الإنسان في سورية.

ويتساءل بعض المراقبين لماذا يتمظهر اليوم هذا الموقف السعودي ومن ثم العربي وعبر هذا الخطاب السياسي الناري في مواجهة إعادة تأهيل الأسد، (بشار الأسد الذي يقف فوق جماجم الأبرياء)، بعد أن ظن الكثير أن إعادة بشار إلى الجامعة أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الحصول التنفيذي. ما أسبابه وكيف انقلبت الأمور أو تمظهرت على هذا الشكل عبر موقف حاد وقاطع بعدم الموافقة على إعادة الأسد إلى اجتماعات الجامعة، ثم إعادة وصفه بكل النعوت التي تعبرعن حقيقته، فيقول المعلمي “لا تصدقوهم إن قالوا إن الحرب انتهت، ولا حاجة لقرارات الأمم المتحدة. لا تصدقوهم، فالحرب لم تنته بالنسبة لألفي شهيد أضيفوا هذا العام إلى قائمة الشهداء الذين يزيد عددهم على 350 ألف شهيد”.

 ومن ثم رفض العمل المشترك معه تحت أية صورة، وهو الذي مازال يقتل شعبه ويعتقل الكثير منهم، في دعوى عربية صريحة إلى العالم لعدم تصديق كل ما يقوله هذا النظام القاتل لشعبه.

حيث يمكننا تأطير بعض المحددات التي أوصلت حال وأحلام النظام السوري إلى السراب، وهو الذي كان يتوقع مع حليفيه إيران وروسيا أنه قادم إلى القمة القادمة في الجزائر خلال شهر آذار/ مارس المقبل. نذكر من هذه المحددات:

–  المعطيات المسربة والتي تعبر عن فشل في المفاوضات السعودية-الإيرانية،التي تمت متابعتها في بغداد عبر الوساطة العراقية، والتي أرادت السعودية منها لجم الدور الإيراني في اليمن والمنطقة، دون قدرة على الوصول إلى توافقات بهذا الشان، فقد بقيت السياسة الإيرانية متمسكة بدورها ووجودها العسكري وأطماعها في كل من اليمن وسورية والعراق ولبنان، وعدم التراجع قيد أنملة عن أي دور لها في اليمن، الذي بات يهدد أمن المملكة بشكل جدي، ويساهم في إقلاق الأمن الوطني السعودي برمته.

_ كذلك الاستياء السعودي الكبير والمتواصل من محاولات أطراف عربية على رأسها الجزائر ومصر  الدفع إلى إعادة النظام السوري نحو الجامعة العربية، إذ تقود الجزائر ومصر المحور الداعم لإعادة النظام السوري إلى الحضن العربي.  من دون تقديم أي تنازلات حقيقية من جانب الأسد، ودون ملامسة الشروط العربية والدولية التي حددت ماهية أي عودة تأهيلية للنظام السوري كي يكون له الدور في الوضع الاقليمي والعالمي، قبل أن يقبل ويلج فعليًا في سياق القرارات الأممية الخاصة بسورية، بينما يستمر هذا النظام في تعنته وعدم تحركه إلى الأمام ضمن أية مفاوضات حصلت أو يمكن أن تحصل في جنيف/ اللجنة الدستورية، أو غيرها من المسارات الأممية نحو الانتقال السياسي السلمي في سورية.

_ كما جاء الموقف السعودي الواضح والقوي بعد القمة الخليجية التي عقدت مؤخرًا، والتي قيل إنها كانت بسمات توافقية عالية، على غير ماجرى في قمم سابقة، ومن ثم فإن التوافق السعودي والقطري كان كبيرًا حول مسألة رفض عودة نظام الأسد إلى الجامعة، قبل أن يدخل فعليًا في العملية السياسة نحو الانتقال السياسي في سورية.

الموقف السعودي الواضح  جاء بعد القمة الخليجية الأخيرة التي تبين منها التوافق الخليجي حول عدم القبول بتعويم الأسد حتى يبدأ في العملية السياسية وهو الذي مازال يعرقل أي حراك على طريقها، منذ زمن بعيد، ومن خلال الدعم الروسي والايراني اللامحدود له في هذا السياق.

_إضافة إلى الموقف الأميركي والأوروبي الذي مازال جادًا في عدم السماح بقبول النظام السوري عربيًا، وهو الذي مايزال غير قابل بأي بوادر للحل السياسي وتحقيق أي تقدم بالعملية السياسية وفق القرار «2254». بل يستمر في المقتلة الأسدية ضد السوريين، حيث تتحرك الدوائر الأميركية مؤخرًا من أجل الوصول إلى الكشف عن مصادر دخل وأموال وثروات بشار الأسد وعائلته، وهو قانون أميركي أصبح حقيقيًا عبر مروره السهل في مجلس النواب الأميركي. وهو يشير إلى موقف أميركي جديد، لإدارة بايدن التي كانت رخوة في التعاطي مع المسألة السورية خلال الأشهر السابقة، حيث سرى اعتقاد لدى المتابعين من أن السياسة الأميركية، قد تراجعت عن قانون قيصر ومنتجاته، وأنها ذاهبة باتجاه السماح لإعادة تأهيال النظام السوري، بعد أن سمحت لكل من حكومة الأردن والأمارات العربية المتحدة، في عملية التعاطي مع الأسد ضمن أسس ومصالح متواترة في المنطقة.

_ علاوة على أنه تبين أن النظام السوري صمّ آذانه مجدداً أمام دعوات عربية كثيرة وشروط عربية لفك ارتباطه مع الإيرانيين، وهو ما رفضها والذي بات مرتبطًا كلية بالمشروع الإيراني للمنطقة وتمدداته، بل هو غير قادر على فك الارتباط بمشروع إيران في المنطقة العربية، وهو الذي باع سيادة الوطن السوري إلى إيران وروسيا وسواهما على قارعة الطريق.

هناك مطالب جدية، جيوسياسية وداخلية من دمشق، تتمثل بـ”ألا تكون سورية جزءاً من الأجندة الإيرانية في المنطقة وملفاتها الرئيسية ومشاريعها»، وهو مالا يبدو أنه  سيحصل أو يمكن أن تقبله السلطات في سورية.

_ إضافة إلى استمرار وإصرار السلطات السورية بعدم وضع إجراءات صارمة وحقيقية  تخص تفكيك شبكات المخدرات والتعاون ضد الإرهاب، حيث مابرح النظام السوري وأدواته الأمنية والتشبيحية يرسل شحنات المخدرات باتجاه دول الخليج، حيث لايمر أي شهر أو أقل من دون الكشف عن شحنات مخدرات قادمة من سورية أو لبنان لتخريب البنية المجتمعية في الواقع الداخلي السعودي والخليجي. وهو مايقلق كل الحكومات الخليجية، وتعتبر ذلك عملًا عدائيًا مباشرًا ضدها وخاصة المملكة العربية السعودية.

إذًا ووفق هذه المعطيات والقراءات سيبقى باب العودة (عودة النظام السوري ) إلى الجامعة العربية عبر قمة الجزائر، موصدًا وليس مفتوحاً دون شروط، على الأقل في الوقت الراهن، ومن خلال المعطيات الموضوعية التي أشرنا إليها، ومابرح الموقف العربي الرسمي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة قطر بل وأكثرية النظم الرسمية العربية، ضمن عملية اتكاء إلى الموقف الأميركي بالضرورة، غير قابل لعودة النظام السوري ألى أتون الجامعة العربية، حتى لو تم الاضطرار إلى تأجيل جديد  للقمة المرتقبة في الجزائر، أو جرى تغيير مكان انعقادها/ من دولة الجزائر إلى دولة عربية أخرى.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى