أشعلت مقاربة المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسون للحل السياسي المسماة «خطوة بخطوة» سخط المعارضة وغضب الشارع السوري المعارض، ممن اعتبروا أن هذه الخطة لا تصب في صالح الحل السياسي الذي فُوّض المبعوث الدولي بتسييره، وإنما تحرف مسار العملية السياسية عن وجهتها، وتصب بنتيجتها في سلة النظام وإعادة شرعنته.
الهيئة السياسية لدى الائتلاف السوري المعارض، شددت من جهتها على ضرورة التزام المبعوث الدولي بصلاحياته ومهامه المقررة في تسيير المفاوضات للوصول إلى الحل السياسي؛ حسب القرارات الدولية، لا سيما بيان جنيف والقرار 2254، وذلك خلال اجتماع عقدته الهيئة السياسية بحضور رئيس الائتلاف الوطني سالم المسلط، لبحث مستجدات الأوضاع الميدانية والسياسية في سوريا.
وذكرت الهيئة أن خطة المبعوث الدولي إلى سوريا لا تصب في صالح الحل السياسي الذي فُوّض المبعوث الدولي بتسييره، ولكنها خطة تحرف مسار العملية السياسية عن وجهتها، وتصب بنتيجتها في سلة النظام وإعادة تدويره.
وكان بيدرسون، قد دعا النظام السوري إلى السير بمقاربته الجديدة، خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، حيث تحدث من العاصمة السورية، دمشق، عقب لقائه وزير الخارجية في حكومة النظام فيصل المقداد، عن «فرصة جادة لبحث إمكانية تطبيق مقاربة خطوة بخطوة بهدف بناء الثقة» كما قال في تصريحاته «لمست في مباحثاتي مع مسؤولين عرب وأمريكيين وأوروبيين إمكانية للانفتاح على دمشق».
وأوضح أنه خلال لقاءات عدة في عدد من الدول العربية ومع الأمريكيين والأوروبيين، رأى أن هناك فرصة جادة لبحث إمكانية تطبيق مقاربة «خطوة بخطوة» بهدف بناء الثقة، وتابع «علينا أن نحدد ما الخطوات بشكل دقيق، وهذه الخطوات مرتبطة بطبيعة الأمر بالوضع الإنساني والاقتصادي».
وأشار بيدرسون إلى أن مباحثاته مع مسؤولي النظام كانت جيدة وعميقة، حيث تم التطرق إلى العديد من المسائل، لافتاً إلى أن الأيام المقبلة تحمل «فرصاً لإعادة إطلاق المسار السياسي».
الخبير بالعلاقات السورية – الروسية د. محمود حمزة قال إن خطة المبعوث الأممي، هي «خطة أمريكية وأول من اقترحها مركز ران الأمريكي، ومسؤولو المركز هم من يصنع السياسية ويقدمون الأفكار للخارجية الأمريكية وللدول، وهم من اقترح سياسة الخطوة بخطوة، التي تعني البدء بتقديم بعض التنازلات للنظام السوري وتخفيف الضغط عليه، من أجل أن يبادر الأخير بالتنازل… وفعلاً هو ما يحصل الآن».
«تخفيف قيصر»
وبيّن حمزة، أن «الأمريكان سمحوا بتمديد الغاز إلى لبنان عبر سوريا، كما خففوا أيضًا من قانون قيصر، وسمحوا بالتطبيع مع النظام من قبل بعض الدول، كما قبلوا سوريا في الانتربول وبعض المنظمات الدولية» وهو ما اعتبره الخبير السياسي البدء الفعلي للانفتاح العربي على سوريا من قبل بعض الدول الواقعة تحت التأثير الأمريكي. وقال «هذه كلها خطوات تدل على مقاربة الخطوة مقابل خطوة من النظام».
وحول نجاح هذه المقاربة، أبدى المتحدث اعتقاده بأن هذه السياسة لن تكون ناجحة، عازياً السبب إلى عدم قناعة النظام السوري وإيران المهيمنة على قراره بها، حيث قال «فهم غير مقتنعين بالتنازل للدول الأخرى، كما يرفضون التنازل أمام الشعب السوري، لأنهم يعتمدون على القوة والحل الأمني فقط».
وتشبه هذه الخطة وفق رؤية حمزة «مفاوضات جنيف التي لم يثق بها أحد، خاصة النظام الذي لم يتفاعل أو يتعاون معها، ثم اخترع الروس مسار أستانة التي كانت التفافاً على مفاوضات جنيف ثم جاؤوا بسوتشي التي ركزت على تشكيل اللجنة الدستورية، بقرار روسي تحت مظلة الأمم المتحدة، للالتفاف على القرار الدولي، تبع ذلك، تهميش السلال الأربع والتركيز على اللجنة الدستورية وهو ملف له بداية وليس له نهاية، وذلك لكسب الوقت لصالح النظام حصراً».
وفي طبيعة الحال يرى الخبير في العلاقات الدولية أن سياسة الخطوة بخطوة هي «استمرار لهذا الوضع وبالتالي استمرار بالمماطلة والتسويف من المجتمع الدولي تجاه الملف السوري ومطالب الشعب والتغاضي عن تضحيات هذا الشعب وتمديد عمر النظام».
وتعتبر مقاربة «خطوة بخطوة» وكل ما يطرح من مشاريع دولية، برأي المعارضين للنظام السوري، مماطلة وتمديداً بعمر هذا النظام، ولا تصب بأي حال في صالح الشعب السوري والحل السياسي، إذ أن الإرادة الحقيقية تعني برأيهم الضغط الأمريكي عبر مجلس الأمن أو البحث عن حل للتفاهم مع الروس والأتراك وغيرهم، لاسيما أن الوضع في سوريا وبقاء النظام السوري لا يقود إلى استقرار هذه البلاد.
آخر «المتحايلين»
المعارض السياسي درويش خلفية، اعتبر في تصريح لـ «القدس العربي» أن طرح خطة «خطوة بخطوة» من قبل المبعوث الأممي تضعه في دائرة «المتحايلين على القرار الدولي 2254». وقال خليفة «خلال السنوات الست الماضية، ركزت الدول الفاعلة في الملف السوري على تطبيق القرار 2254، رغم تحايل حلفاء النظام السوري (روسيا- إيران- الصين) على بنود القرار، لا سيما أنهم طرحوا مسارات لا تتسق مع ما جاء ضمن القرار الأممي. وإن المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، كان آخر المتحايلين على القرار 2254، عندما طرح خطة «خطوة بخطوة» في تماهٍ واضح مع الاستراتيجية الروسية التي نتجت عن قمة بوتين-بايدن في جنيف منتصف هذا العام».
ورأى الخبير السياسي، أنَّ تعقيد المشهد الجيوسياسي في سوريا، وتشابك ملفاته، بالإضافة إلى وجود خمسة جيوش لدول مختلفة الرؤى والمصالح، أدى بالملف السوري للركون على رفوف الدول، وبالتالي؛ فإن أي طرح جديد يحرك الملف من حالة السكون وينفض عنه الغبار، ستوافق عليه الدول، وهو «الأمر الذي شهدناه عندما تم اتفاق دول محور أستانة على اللجنة الدستورية، وترحيب الدول الفاعلة بها، وكأنهم أنجزوا الحل السياسي».
لكن خطة بيدرسون، برأيه تبقى «عبارة عن تحريك للمياه الراكدة ليس إلا، في ظل انعدام الحلول السياسية، علها تغير التوقعات، وتعيد للملف زخمه الدولي» ونتيجة لذلك، وفي ظل غياب الدور المؤثر للسوريين في إيجاد مخرج لتعسر الحلول السياسية، لم يبق برأي خليفة خارطة طريق للوضع السوري سوى الاكتفاء بالقرارات الدولية والضغط من أجل تنفيذ بنوده وفق تسلسلها المنصوص عليه في أرشيف الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، رشيد حوراني وضع خطة غير بيدرسون في إطار التلميح أو موافقة غير معلنة من قبل بعض الأطراف الدولية الفاعلة لخطة بيدرسون.
ومن أجل قراءة موضوعية لسياسة خطوة بخطوة التي صرح عنها المبعوث الدولي والخاصة بالحل في سوريا، رأى الحوراني أنه من الضرورة الأخذ بعين الاعتبار التصريحات التي أعلن في سياقها هذه الخطة حيث قال بيدرسون «عقدت نقاشات عميقة مع الأميركيين والأوروبيين… وأعتقد أن هناك إمكانية الآن لبدء استكشاف ما أسميه مقاربة خطوة بخطوة «ما قاله بيدرسون»
وفسر الحوراني في حديثه مع «القدس العربي» التصريح بأنه يعني «أن هناك تلميحاً أو موافقة غير معلنة من قبل جوانب دوليه فاعلة لهذه السياسة، ويمكن رد تلك الموافقة غير المعلنة بسبب التطورات بين أوكرانيا وروسيا، وموقف الجانبين «أوروبا وأمريكا» الحازم ضد رعونة الرئيس الروسي بوتين، ورغبة الجانبين المذكورين في تأجيل البدء الجدي بالحل السياسي في سوريا، حرصهما على إبقاء سوريا إحدى جهات القلق للجانب الروسي، وذلك من خلال إعطاء ضوء أخضر لتركيا بعملية عسكرية في سوريا خاصة أن ترتيباتها العسكرية واللوجستية جاهزة، بالإضافة إلى أن موقف تركيا كالموقف الأوروبي والأمريكي من الخلاف الروسي – الأوكراني.
وتأتي خطورة الخطة من أنها تخدم النظام السوري الذي يلعب ويستثمر في عامل الوقت منذ بداية الثورة وحتى تاريخ اليوم، ويسعى لكسب الأوراق وإضعاف خصومه مستفيداً من ترهل الموقف الدولي ضده، للوصول إلى فرض سياسة أمر واقع بالتعاون مع حلفائه الروس والإيرانيين.
المصدر: «القدس العربي»