المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسون يمارس التزوير علانية ودون حرج. وعقب لقائه وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد في دمشق في الثاني عشر من الشهر الحالي، أعلن أن هناك فرصاً لإعادة إطلاق المسار السياسي. وأنه لمس من خلال مباحثاته مع مسؤولين عرب وأميركيين وأوروبيين، وجود إمكانية لانفتاح بلادهم على التواصل مع النظام، وهو يرى أن هناك فرصة جادة لبحث إمكانية تطبيق مقاربة خطوة بخطوة بهدف بناء الثقة. ولكن ما ينقص ذلك هو أنه “علينا أن نحدد ما هي الخطوات بشكل دقيق، وهذه الخطوات مرتبطة بطبيعة الأمر بالوضع الإنساني والاقتصادي”.
نقلت هذا التصريح العديد من وسائل الإعلام، وخصوصا القريبة من النظام، والتي احتفت به على نحو مريب، ما استدعى من المبعوث الأممي أن يصدر بيانا توضيحيا، ليبعد عن نفسه شبهة التواطؤ مع النظام، ولكنه لم يغير في الجوهر شيئا. يعلن المبعوث الأممي لصحيفة “الوطن” الموالية للنظام، أن الأميركيين والأوروبيين والعرب لديهم نية للانفتاح على النظام، وهذا كلام غير صحيح لا يليق بالمبعوث الدولي أن يقوله، لأن أوروبا وأميركا صرحتا في الفترة نفسها بأنهما لا تريدان أي علاقة مع النظام، ومن لديه نية للانفتاح عليه هم بعض العرب مثل الإمارات والأردن والجزائر.
الدبلوماسي النرويجي، يبرهن كل يوم على أنه أقل أمانة، من بين من تولى دور مبعوث الأمم المتحدة في سوريا منذ عام 2012، والذي توالى عليه كل من كوفي أنان، الأخضر الإبراهيمي، وستافان ديمستورا، والذين قدموا استقالاتهم، واعتذروا عن مواصلة المهمة. وبرر أنان والإبراهيمي الاستقالة لأسباب تختص بتعنت النظام، في حين أن الفشل الذريع والمناورة وعدم احترام التزامات الأمم المتحدة، كانت أهم الأسباب التي دفعت ديمستورا لترك المنصب، بعد أن أمضى فيه نحو أربعة أعوام كانت الأصعب والمفصلية في القضية السورية، ما بين تموز 2014 وتشرين الثاني 2018، وخصوصا التدخل العسكري الروسي في أيلول 2015، وما ترتب عليه من مجازر وعمليات تهجير ارتكبتها روسيا، ولم تصدر عن الأمم المتحدة مواقف تؤمن حماية المدنيين.
وحين وصل بيدرسون إلى هذا المنصب في نهاية عام 2018، كانت الآمال معقودة عليه كي يتدارك أخطاء ديمستورا الكبيرة، ويعيد الاعتبار لدور الأمم المتحدة، ولكنه خيّب الآمال بسرعة قياسية، ولم يسجل طوال الفترة التي أمضاها في هذا المنصب أي إنجاز، بل إنه أضاع عامين في اجتماعات عقيمة، تعقدها اللجنة الدستورية في جنيف من أجل كتابة دستور، لم يخطّوا منه سطرا واحدا. وعند عقد كل جلسة يتحرك بيدرسون نحو دمشق التي تتمنع حتى يجاملها أكثر ويتنازل لها، ومن ثم تعطيه وعدا بالحضور من دون التزامات، وبعدها يذهب إلى إسطنبول ليلتقي الائتلاف الذي يسبق الجميع إلى جنيف، تحت مبرر أنه لا يريد أن يعترض على شيء، فيسجل على نفسه أنه عطل مهمة الأمم المتحدة، وهناك تبدأ العروض المسرحية على إيقاع وفد النظام، وبعد أن تمضي الأطراف أسبوعا يعقد بيدرسون مؤتمرا صحفيا يعلن فيه أن وفد النظام لم يتعاون، ويذهب إلى نيويورك ليقدم إحاطة أمام مجلس الأمن يعلن فيها النتيجة ذاتها، ومن ثم يتم إطفاء الأضواء بانتظار جولة جديدة يحدد موعدها الروس، كي يقولوا للعالم إنهم يشتغلون على حل سياسي للمسألة السورية بإشراف الأمم المتحدة، وهكذا استمرت المسرحية أكثر من عامين بلا جدوى.
نفذ بيدرسون، مثل سلفه ديمستورا، سياسات روسيا في سوريا، والأخطر من ذلك أنه غطى عليها، ويشكل استمراره على هذا المنوال موافقة على المناورات الروسية، ولكن هذا المنهج في العمل لا يعبر عن احترام لذاته وللأمانة التي حملته إياها المنظمة الدولية، وكذلك دماء وأرواح ومصائر السوريين الذين نكل بهم نظام الأسد وروسيا وإيران. وما كان لهذا الدبلوماسي الأممي المتهاون، أن يستمر في هذا المنصب لو أن الائتلاف السوري اعترض للأمم المتحدة، وقاطع جلسات اللجنة الدستورية، ورفض الاجتماع به وندد بطريقة عمله. وقد يكون هذا غير متعارف عليه في عمل الأمم المتحدة، ولكن احتجاج أحد الأطراف ومقاطعة مهمة الأمم المتحدة سوف يدفعها إلى مراجعة النفس على الأقل من أجل لعب دورها بنزاهة وتغيير المبعوث الذي لم يتصرف بمهنية وأمانة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا