لا يترك بعض (المتثقفين) من أبناء جلدتنا العربية مناسبة إلا ويستغلونها للإفتئات على التراث العربي والاستخفاف بالعقل العربي والاستهزاء بالشخصية العربية. وهم يريدون من وراء ذلك الطعن بالأمة ذاتها وصولا إلى تبرير انهزاميهم او انبهارهم بما يسمونه حداثة تحت وهم أن الحداثة لا تكون إلا بالتنكر للتاريخ والتراث والأمة.
أو لمجرد التعالي والتباهي واستعراض العنجهية الثقافية والادعاء بالفهم والنورانية الحداثية..
بعضهم عن خبث وتعمد وسوء نية وكثير عن عدم تقدير سليم متكامل للأمور او تغافل غير مقصود للوقائع؛ وكثيرون تأثرا والتحاقا بنمط من الإعلام المدروس والموجه الخبيث..
أو ربما تغطية لارتهان مصلحي ما بأحد أشكال النفوذ الأجنبي.
يريدون إثبات ضحالة العقل العربي وتسفيه الثقافة العربية والإنسان العربية وكأنهم يقولون أننا امة لا تصلح للحياة او ليس لها مكان بين الأمم لا سابقا ولا لاحقا..أو أننا لا نملك أية مقومات حضارية ليكون لنا مثل ذلك المقام..
ومنذ أن اندلعت أزمة وباء الكورونا اللعين، انطلق أولئك المتثقفون في تخرصاتهم على الامة والإنسان وما يتبعهما او ينبثق عنهما من مكونات..والمناسبة أن كلاما كثيرا كتب على صفحات الشبكة العنكبوتية يتحدث عن وصفيات منزلية او عشبية لمحاربة الكورونا او للوقاية او التخفيف من آثارها..
وكلام آخر ناقش الأمور من خلفيات دينية غيبية؛ وصولا إلى أن اللجوء إلى الله والتسليم والدعاء هو الطريق المتاح أمام الإنسان لتجاوز أزمة الوباء (ناقشنا هذه الخلفيات الدينية في مقال آخر منشور).
هنا تنطح المتثقفون فرفعوا وتيرة تهجمهم على الانسان العربي والعقل العربي؛ استنادا إلى تلك التحاليل والمقولات..
لكنهم في تهجماتهم هذه، أغفلوا عدة أمور هامة كان من الممكن أن تساعدهم في فهم أوضح للأمور ووضعها في نطاقها الصحيح..إلا أنهم أبوا إلا الاستمرار في نهج التطاول على الأمة والإنسان ؛ فكان مزيد من انكشاف عوراتهم العقلية وسوءاتهم النفسية وكلكعتهم الفكرية مما يثير الشفقة عليهم أحيانا وأحيانا الغثيان مما يدعون.
١ – كثير مما كتب في موضوع الكورونا تفسيرا وتحليلا غير معروف المصدر وبعضه بأسماء وهمية وواضح منه تعمده تسخيف عقولنا والاستخفاف بها..ويمكن القول انه مدسوس مشبوه لا ندري من يقف وراءه..وكان لازما عليهم الانتباه إليه والتنبيه منه بدلا من اعتماده دون أدنى تمحيص..
٢ – إن الكم الهائل من المواد الإعلامية التي انتشرت بشكل كثيف جدا معظمها كان من مصادر أجنبية. وقد ساهمت بتشويش عقول الناس بتحليلات متناقضة ومعلومات مشوشة تائهة.. وكثير منها مفبرك مغلوط..
٣ – الذين كتبوا على صفحات التواصل الحديثة عن الوباء سواء بخلفية دينية او لجأوا إلى الوصفات المنزلية؛ في أكثر أعدادهم يبلغون عدة آلاف من كل البلاد العربية التي يقارب عدد سكانها النصف مليار إنسان..
أي أن عدد الذين ارتكبوا خطيئة التفكير الضحل دينيا او المنزلي علاجا يكاد لا يشكل نسبة يعتد بها بل هو عدد ضئيل جدا..فلا يؤخذ به كظاهرة غالبة مسيطرة تصلح للقياس على حال الأمة وإنسانها وعقله..
٤ – إن عدد الأطباء العرب الذين يعملون في الصفوف الأولى لمحاربة الوباء ومعالجة المصابين في كل دول العالم؛ كبير جدا وجهودهم واضحة وموضع تقدير واحترام البلاد التي يعملون فيها. فضلا عن أن عددا لا بأس به منهم قدم حياته ثمنا لالتزامه بعمله الإنساني في بلاد ليست بلاده وناس ليسوا ناسه وأهله..
وكثيرون أخرون يعملون في مراكز الأبحاث الطبية والدوائية ويجتهدون مع كثيرين غيرهم لإيجاد العلاج الناجع الفعال..
فلماذا التركيز على الظاهرة السلبية مع أنها لا تسبب ضررا عينيا لأحد والاستناد إليها لإطلاق مواقف سلبية عدوانية تجاه الأمة وعقلها وناسها؛ وإغفال الظاهرة الإيجابية اللافتة والتي تحمل فائدة كبيرة لكل الناس وليس للمصابين فقط.؟!! أليس في هذا ما يدعو إلى الاستغراب والاستهجان ؟؟ !!!.
٥ – ليس في متناول الإنسان العربي أية إمكانيات من تلك اللازمة لمواجهة أي وباء أو خطر داهم أو معالجة شافية..
جميع هذه الإمكانيات اللازمة تملكها سلطات البلاد والدول ومؤسساتها الرسمية التي تخضع لها..
وبالتالي إن أي حديث عما يجب عمله أو ما يجب أن يكون؛ ينبغي موضوعيا التوجه به إلى تلك السلطات وهي التي تملك الإجابة سلبا أو إيجابا. (وهذا موضوع آخر نعود إليه لاحقا)
٦ – يعيش الإنسان العربي عامة ظروفا صعبة قاهرة هي مزيج من الإحباط وعدم الاطمئنان واختلال الأمان النفسي لأسباب كثيرة بعضها تاريخي وبعضها واقعي وكثير منها ناتج عن المعاناة الحياتية في كثير من مجالاتها ..ليس الفقر اخطرها وربما يكون القهر واليأس وانسداد آفاق المستقبل في طليعتها..
٧ – في الظروف القاهرة المترافقة بعجز الإمكانية والمقدرة على التصرف؛ يلجأ الإنسان إلى الله. وهذه ظاهرة عامة طبيعية وموضوعية ..
والإنسان العربي مؤمن متدين غالبا ولا يرى في اللجوء إلى الله أية مشكلة أو نقيصة يخجل منها؛ أو تخلف ينبغي تخطيه؛ وإنما يعتبرها دليل صحة في التوجه والنفس والعقل. (نستبعد هنا تلك الشريحة من الناس الذين اعتمدوا غيبيات خرافية غير إيمانية ؛ مستهجنة وخارج السياق الديني السليم..سواء كانوا مقتنعين بها أو ممن يحرضون على السفاهة والتسخيف.).
٨ – إن الحالة النفسية لأي مريض تشكل أحد عناصر الصحة والمناعة او العكس وبالتالي يحتاج كل مريض مهما كان نوع المرض؛ إلى ما يقوي عزيمته ويشد أزره ويرفع معنوياته ويحمي حالته النفسية..
وليس أكثر من لجوء المؤمن إلى الله سببا لهذه المؤازرة النفسية..
وكلما كانت وطأة المرض أشد كان اللجوء لا مناص منه نفسيا ومعنويا..
فما يعيب أي إنسان أيا يكن عقله وتفكيره وتراثه؛ إذا ما لجأ إلى الله داعيا طالبا الرحمة والعافية؟؟
٩ – تشكل المناعة الجسمانية للإنسان عنصرا حاسما وأساسيا في مواجهته للمرض. أي إنسان وأي مرض. كل إنسان وكل مرض..
وللمناعة جهاز يفعلها ويحميها. ويعمل وفق شروط ومواصفات عامة اهمها وأولها ما يتأتى عن طريق الغذاء..
ويقول العلم والطب والخبرات البشرية المتراكمة أن الأدوية تضعف جهاز المناعة. وكلما كان استهلاكها متكررا كلما أصابت مناعة الجسم فأضعفته.
وفي ذات الوقت فإن التغذية الصحية السليمة ترفع قوة المناعة وتزيدها فاعلية. ومن العلم الثابت أيضا أن أنواعا معينة من الغذاء تفيد في تفعيل المناعة أكثر من غيرها. إضافة إلى الحالة المعنوية والنفسية..
ومنذ عقدين من الزمن بدأت تتصاعد ظاهرة خبراء التغذية حتى اصبحت تخصصا جامعيا مرموقا ومطلوبا. وجوهره هو مساعدة الإنسان في تجنب الأمراض او مواجهتها او التخفيف من آثارها او الوقاية منها عن طريق الغذاء والغذاء فقط..
فكان علم التغذية استمرارا وتحديثا وتدعيما لما يسمى الطب العربي وما فيه من وصفات منزلية بسيطة لكنها في متناول الجميع. وفيما يخص المناعة تحديدا..
وهذا ما دفع كثيرين إلى الحديث عن وصفات منزلية متنوعة في مواجهة الكورونا اللعينة الملعونة.. والاستناد إلى ما في تراثنا الشعبي من تلك الوصفات المجربة والمعروفة والمتداولة. ليس بصفتها علاجا للكورونا وإنما لكونها تعزز مناعة الجسم في مواجهة ألأمراض..
فما يعيب أحدا إن كان استخدم أيا من تلك الوصفات الغذائية المناعية أو شجع على استخدامها؛ وهو جالس في منزله محجوزا محجورا ينتظر الفرج من العلم أو الطبيعة أو من الله أو حتى من الحكومة؟؟؟
قبل خمسين سنة اعتمدت منظمة الصحة العالمية كتابا لعدد من الأطباء السويسريين عنوانه: ” كتاب من لا يحضره طبيب ” يتحدثون فيه عن كيفية التصرف في حالات الإصابة أو المرض حيثما لا يوجد طبيب..من أول لدغة النحلة إلى التسمم الغذائي وصولا إلى التهاب الزائدة الدودية …
والكتاب مليء بتلك الوصفات المنزلية المأخوذة في معظمها من ” الطب العربي ” .
الكتاب اعتمدته جميع المنظمات الصحية والطبية العالمية..
وقد كان مرجعا أساسيا لنا في معظم المحاضرات التأهيلية التي كنا نلقيها في لبنان في ظروف الحرب والحصار والملاجئ والقصف؛ لمواجهة الحالات المرضية والإسعافية وما يتعلق منها بالسلامة العامة والأمن المدني الاجتماعي …
فلماذا التنكر لكل هذا والتهجم على الإنسان العربي وتسخيف عقله بحجة لجوئه إلى تلك الوصفات الطبية العشبية المنزلية؟؟
أليس في جعبتكم ما يفيدنا في مواجهة المخاطر والأوبئة والأمراض، نقوي به عزائمنا ونفعل مناعتنا ونحميها؟؟
أليس يكفينا العدوان من كل صوب على أمتنا بكل ما فيها من بشر وأرض ومكونات ومقومات؟؟
١٠ – ما نقوله لا يعني بأي حال من الأحوال أن تراثنا يخلو من الشوائب والنواقص ونقاط الضعف التي ينبغي التصدي لها وتصحيحها.
ولا يعني أن أمتنا لا تعاني من الضعف والشرذمة والتسلط وما يسببه كل ذلك من أمراض نفسية واجتماعية ومن قصور ثقافي يحتاج الى تغييرات جذرية في أكثر من مجال وفي مقدمته إصلاح ديني وتعليمي وتربوي.. قصدنا التنبيه إلى النهج التشككي الخاطئ في رؤية الواقع ومعالجة مشكلاته.