سيناريوهات تشكيل الحكومة العراقية

أحمد السهيل

يرى مراقبون أنها ستكون أغلبية سياسية في الظاهر لكنها توافقية من الداخل ترضي أطراف “الإطار التنسيقي”  حيث لا يزال المشهد السياسي في العراق يدور فوق رمال متحركة منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، إذ لم يحسم شكل التفاهمات السياسية والتحالفات المشكلة للحكومة المقبلة حتى الآن، مع استمرار اعتراض أطراف “الإطار التنسيقي للقوى الشيعية” الذي يضم غالبية الفصائل الموالية إيران على النتائج، وإعلان التيار الصدري تمسكه بما سماه حكومة “الأغلبية الوطنية”.

وبالتزامن مع هذا التوتر المستمر بين الأطراف الشيعية، مثل لقاء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مع زعماء “الإطار التنسيقي”، في 2 ديسمبر (كانون الأول)، مفاجأة كبيرة للأوساط العراقية، خصوصاً مع التصعيد المستمر بين تلك الأطراف منذ إعلان نتائج الانتخابات.

3 سيناريوهات للقاء

وتدور تفسيرات اللقاء الأخير بين ثلاثة سيناريوهات، إذ يرى طيف من المتابعين أنها محاولة لكسر الجليد بين الأطراف الشيعية المختلفة، تمهيداً لصياغة توافق أو تفاهم جديد، ربما يرضي غالبية الأطراف الشيعية، بينما يرى آخرون أنها تمثل محاولة من الصدر لإلقاء الحجة على تلك الأطراف، قبل الذهاب نحو تشكيل “أغلبية سياسية”.

أما السيناريو الثالث فيتعلق بفكرة أن الصدر لا يحاول الذهاب نحو التوافق التقليدي، بل يطمح إلى صياغة شكل توافقي جديد من خلال استقطاب بعض الأطراف داخل “الإطار التنسيقي” واستبعاد أطراف أخرى، وهو الأمر الذي تواتر خلال الفترة الماضية من خلال مصادر مطلعة على الحراك السياسي.

ولعل المخاوف من إمكانية استبعاد بعض الأطراف من أي تفاهمات مستقبلية بشأن الحكومة المقبلة هي التي دفعت كل قيادات “الإطار التنسيقي” إلى حضور اللقاء مع الصدر في منزل العامري.

ويبدو أن السيناريو المتعلق بمحاولات الصدر شق صف “الإطار التنسيقي” يلقى قبولاً لدى بعض المراقبين، إذ يرون أنها دفعت أطرافاً لم تلتق الصدر منذ أكثر من عقد على حضور الاجتماع كرئيس “ائتلاف دولة القانون” نوري المالكي، فضلاً عن زعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق”، الذي تشهد علاقته بالتيار الصدري توترات مستمرة.

في مقابل تلك التحليلات، يبرز رأي آخر يتحدث عن أن ما دفع الصدر للذهاب إلى لقاء “الإطار التنسيقي” هي اشتراطات الأطراف السنية والكردية، التي ركزت على ضرورة توافق الأطراف الشيعية، حيث مثل لقاء الصدر محاولة لإلقاء الحجة على الطرفين الكردي والسني.

بيانات متناقضة

ويأتي اللقاء على أثر دعوة لمأدبة غداء، قدمها “الإطار التنسيقي” للصدر في منزل زعيم تحالف “الفتح” هادي العامري، في 2 ديسمبر الحالي، إذ أظهرت المقاطع المصورة حضور الصدر والمالكي وزعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، وقيادات تحالف “قوى الدولة” حيدر العبادي، وعمار الحكيم.

وتتركز مطالب “الإطار التنسيقي” خلال الفترة الماضية بمطلب إلغاء نتائج الانتخابات أو الذهاب إلى حكومة توافقية مرة أخرى، فيما استمر زعيم التيار الصدري في تمسكه بما سماه “حكومة الأغلبية الوطنية” التي تستبعد قوى “الإطار التنسيقي”.

وفور خروج الصدر من الاجتماع نشر تغريدة على حسابه في “تويتر” مكتوبة بخط يده قال فيها، “لا شرقية ولا غربية، حكومة أغلبية وطنية”.

وبعد انتهاء اللقاء، جاءت بيانات الطرفين متناقضة، إذ أصدر “الإطار التنسيقي” بياناً تضمن عدة نقاط أبرزها “الحفاظ على هيبة الحشد الشعبي، والتصدي للانحرافات الأخلاقية في العراق، واتخاذ الخطوات العملية اللازمة لمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وتأكيد خروج القوات الأجنبية وفق الجدول الزمني المعلن، ووضع آليات كفيلة بحصر السلاح بيد الدولة، وتجريم التطبيع وكل ما يتعلق به”.

وفي المقابل جاء بيان التيار الصدري مختلفاً، إذ أعلن رئيس الكتلة الصدرية، حسن العذاري، عدة نقاط مثلت مخرجات الاجتماع مع قوى “الإطار التنسيقي”، حيث أشار إلى أن أهم ما جاء في اللقاء تمثل بالتشديد على “حكومة أغلبية وطنية لا توافقية محاصصاتية على الإطلاق، وضرورة الرجوع إلى المرجعية في النجف حصراً كمرجعية للجميع”، في إشارة إلى عديد من أطراف “الإطار التنسيقي”، التي تدين بالولاء لمرجعية المرشد الإيراني علي خامنئي.

وعلى الرغم من عدم تطرق البيان الرسمي إلى “الإطار التنسيقي” لمسألة الحكومة التوافقية، فإن قيادات فيها تحدثوا عن الاتفاق للعودة إلى التوافق، إذ قال القيادي في “تيار الحكمة” فادي الشمري إن “المجتمعين قرروا أن يكون رئيس الوزراء القادم توافقياً والوزراء استحقاقاً انتخابياً”.

وتابع الشمري أن “اجتماع قادة الشيعة ضرورة وطنية لحفظ العراق من الانزلاق نحو الهاوية والاقتتال الداخلي”.

ولطالما ترددت عبارة “الاقتتال الداخلي” و”الحرب الشيعية – الشيعية” من قيادات في “الإطار التنسيقي” والأجواء الموالية إيران، للتحذير من مغبة استبعادهم من أجواء تشكيل الحكومة المقبلة.

ودفع الاجتماع الأخير عديداً من المدونين إلى الاعتقاد بأن اشتراطات “الإطار التنسيقي” تغلبت على موقف الصدر، ودفعته إلى التخلي عن رغبته بحكومة الأغلبية، والعودة إلى المسار التوافقي السائد.

حيث كتب عديد من المدونين أن السلاح لا يزال يمثل العنصر الحاسم لكل المسارات السياسية في البلاد.

“الأغلبية” شرط رئيس

وعلى الرغم من تباين الآراء حول اللقاء الأخير، الذي جمع الصدر بالأطراف الموالية إيران، يرى مراقبون أن شرط “حكومة الأغلبية” لا يمكن التخلي عنه من قبل الصدر، خصوصاً مع سهولة تحقيقه خلال الفترة المقبلة مع ضعف الدعم الإيراني للميليشيات في العراق، نتيجة انشغالها بمفاوضات برنامجها النووي.

ويرى الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي أن “حكومة الأغلبية تمثل مطلباً جماهيرياً وشرطاً من مرجعية النجف لا يمكن التنازل عنه، فضلاً عن كونه مطلباً للتوازنات الإقليمية والدولية، وهذا الأمر يجعل العودة إلى حكومة التوافق مسألة صعبة”.

ويضيف الشريفي، في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، أن خسارة أطراف “الإطار التنسيقي” الدعم الإيراني خلال الفترة الأخيرة نتيجة انشغال طهران بتسوية ملفاتها في المنطقة تمهيداً للعودة للاتفاق النووي هي التي “دفعت شخصيات داخل الإطار التنسيقي للقول إن اللقاء أفضى للعودة إلى التوافق”، مبيناً أن هذا الترويج يمثل محاولة لـ”تصوير تلك القوى على أنها لا تزال تمتلك زمام المبادرة”.

ويشير إلى أن العودة إلى التوافق السابق باتت “أمراً صعباً”، خصوصاً أن الصدر لن يجازف بالخوض في تحدٍّ مع قواعده الجماهيرية والرأي العام الذي يطالب بالأغلبية، وهو الأمر الذي يعرقل احتمالات العودة إلى سياق التوافق.

ويبدو أن رغبة الأطراف الموالية إيران بالعودة إلى التوافق لا تمثل فقط محاولة منها للحصول على مكاسب في الحكومة المقبلة، بحسب الشريفي، الذي يلفت إلى أن تلك الأطراف “تخشى خسارة الحصانة السياسية التي تتمتع بها خلال المرحلة المقبلة، الأمر الذي سيسهل استهدافها سواء بملفات فساد أو إرهاب”.

وبشأن بيان التيار الصدري، الذي شدد على العودة إلى مرجعية النجف “حصراً كمرجعية للجميع”، يبين الشريفي أن هذا الأمر يعني “حث الأطراف على عدم الذهاب نحو المرشد الإيراني علي خامنئي، مما سيعطي التيار الصدري تقدماً في المناورات السياسية، ويكسبه مقبولية إقليمية ودولية”. مردفاً أن تضمن بيان التيار الصدري تلك الفقرة يعني أن “الضغوط الإيرانية لم تعد بالمستوى نفسه الذي كانت عليه في السابق”.

وانشغلت الأوساط العراقية بوجود المالكي في اللقاء مع الصدر، وهو اللقاء الأول بين الطرفين منذ أكثر من عقد، إذ يعتقد الشريفي أن حضور المالكي اللقاء يعطي انطباعاً عن “تخوفه من احتمالية استقطاب التيار الصدري شخصيات من داخل كتلته”، مبيناً أن ائتلاف دولة القانون “يحتوي عديداً من الشخصيات العشائرية غير المحسوبة على الخط الإيراني”. ومشيراً إلى أنه “من غير المستبعد أن يكون ذهاب المالكي إلى اللقاء يأتي أيضاً بتوجيه من إيران، التي لا تود أن يدخل جميع حلفائها في العراق بعزلة خلال المرحلة المقبلة”.

توافق غير معلن

وعلى الرغم من تشديد الصدر على الذهاب نحو حكومة أغلبية وطنية، يميل باحثون في الشأن السياسي إلى سيناريو آخر، إذ يتم تشكيل حكومة تبدو حكومة أغلبية في الظاهر، لكنها توافقية من الداخل بطريقة ترضي أطراف “الإطار التنسيقي”.

ويتحدث أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي، عن صعوبة الجزم بمخرجات الاجتماع الذي جرى بين الصدر وقادة “الإطار التنسيقي” الآن، لكن نتائجه ستكون واضحة خلال الأيام القليلة المقبلة.

ويشير الهيتي إلى عدة احتمالات ربما تكون الأقرب إلى تفسير هذا الاجتماع، من بينها أن يكون الاجتماع “تتويجاً لحوارات سابقة بين الطرفين بوساطات إقليمية ومحلية، وربما تفضي إلى حكومة أغلبية في الظاهر، لكنها من الداخل ستمثل إيجاد حلول وسطية تقنع الصدر، وترضي أطراف الإطار التنسيقي بمناصب تتجاوز تمثيلهم البرلماني”.

أما الاحتمال الآخر، بحسب الهيتي، فـ”يتعلق بفشل الإطار التنسيقي في إقناع الصدر بإعطائه مساحة من التوافقات المقبلة، الأمر الذي ربما يزيد من تعقيد المشهد، ويرفع منسوب التصعيد بين تلك الأطراف”.

ويتابع، “التيار الصدري أمام خيارين صعبين، إما الذهاب نحو التوافق مع الإطار التنسيقي أو بعض أطرافه، وهذا يعني خسارة جماهيرية كبيرة للتيار، وإما الشروع نحو مواجهة مع قوى الإطار التنسيقي وعدم الاستماع إلى مطالباتهم”. مرجحاً أن يكون الصدر “وضع شروطه على طاولة أطراف الإطار التنسيقي، وبانتظار موافقتهم على تلك الشروط، للشروع باتجاه تشكيل الحكومة المقبلة”.

وفي المقابل، يرى الإعلامي العراقي فلاح الذهبي، أن كل ما جرى خلال اليومين الماضيين يعني “عدم وجود اتفاقات نهائية بين الطرفين، خصوصاً مع عدم عقد مؤتمر صحافي بعد اللقاء”.

وبشأن تصريحات شخصيات داخل “الإطار التنسيقي” من أن اللقاء أفضى إلى العودة للتوافق، يقول الذهبي “الغاية من تلك التصريحات هي محاولة تصوير أنفسهم على أنهم لا يزالون فاعلين في المشهد السياسي، لإعادة استقطاب القواعد الشعبية التي خسروها على مدى السنتين الأخيرتين”.

المصدر: اندبندنت عربية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى