بدأ عشية الثلاثاء، 28 كانون الثاني (يناير) 2020، مؤتمر الإعلان عن الشق السياسي “لخطة السلام الأمريكية في الشرق الأوسط”، المعروفة إعلاميًا بـ”صفقة القرن”، هذا الشقّ عُدَّ الجناح الآخر، والأهم، للخطة، وذلك بعد أن طرح، جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأمريكي، آنذاك، دونالد ترامب، في أواخر حزيران (يونيو) 2019، الشقّ الاقتصادي بورشة المنامة.
يأتي هذا الكتاب استكمالًا لعملية الاشتباك مع المشروع الأمريكي، التي تدار بالسياسة والفكر، من أجل إجهاض هذه الصفقة، وإفشال خطة الضم وتطبيقاتها.
يقع الكتاب في 252 صفحة من القطع المتوسط، وقد قُسم الكتاب إلى أربعة فصول، تناول ثلاثة منها موضوع الكتاب، فيما تناول الأخير تاريخ الحركة الشيوعية في فلسطين. والكتاب هو الإصدار ال 39 من سلسلة ” الطريق إلى الاستقلال”، وهو الثالث الذي يتناول صفقة القرن، وتداعياتها، صدر قبله كتابي “في مواجهة صفقة القرن”، “صفقة القرن في الميزان”.
يأتي الفصل الأول تحت عنوان “ما قبل 28/1/2020″، وهو التاريخ الذي تم فيه الإعلان عن الشق السياسي للصفقة، ويتألف، هذا الفصل، من أربعة أبواب، تناول أولها “الانتخابات التي لم تحصل”، التي دعا لها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في 26/9/2019، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بصورة فاجأت كل الأوساط السياسية الفلسطينية.
استعرض الباب حال المؤسسات القانونية الفلسطينية عشية هذا الإعلان، كما تناول النقاش الذي دار حول ماهية الانتخابات المراد إقامتها، وأخيرًا ذكر بالتفصيل موقف كلًا من الجبهة الديمقراطية، التي رأت أن الانتخابات يجب أن تكون شاملة لجميع مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير، الرئاسة، والمجلس التشريعي، والمجلس الوطني.
أما حركة “حماس” فكانت موافقتها على الانتخابات موافقة مشروطة، وأوضح، الكتاب، أنه باستثناء حركة الجهاد الإسلامي التي أكدت في بيان موقفها المبدئي، في عدم المشاركة في انتخابات مؤسسات السلطة الفلسطينية (لتشريعي + الرئاسي)؛ والجبهة الشعبية التي أكدت أنها لا ترى أي داع لأن تحدد موقفها من المشاركة أو عدمها في الانتخابات “قبل إصدار المرسوم الرئاسي”، مرحبة في الوقت نفسه بالانتخابات؛ فقد أعلنت سائر المنظمات الفلسطينية موافقتها على إجراء الانتخابات.
أما إسرائيل، فقد رفضت إقامة الانتخابات في القدس، باعتبارها “موحدة، وعاصمة الدولة الأبدية”، وحين تم الإعلان عن الشق السياسي لصفقة القرن، دخلت القضية الوطنية مرحلة جديدة، حيث ولدت حكومة إسرائيلية جديدة في 17/5/2020، أعلنت أن برنامجها يتمحور حول نقطتين: تعزيز قانون إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، وتطبيق خطة الضم بموجب صفقة القرن.
كان الباب الثاني “في الانتخابات والمسار السياسي”، هو البلاغ السياسي الصادر عن دورة المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، في الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2019. والذي ذُكر فيه تفصيلًا رأي الجبهة فيما يتعلق بالانتخابات، والمسار السياسي للقضية الفلسطينية، والانفكاك الاقتصادي عن دولة الاحتلال، فضلًا عن أوضاع اللاجئين، وحق العودة، والجاليات الفلسطينية في بلدان الهجرة.
الباب الثالث، من الفصل الأول، جاء بعنوان “في العلاقات الوطنية.. إما مشاركة حقيقية، أو معارضة مسئولة”، يؤكد هنا الكتاب على أن مواجهة خطر الهجوم الأمريكي الإسرائيلي المنسق ضد الشعب الفلسطيني ـ الذي دخل مرحلة جديدة بإعلان إدارة ترامب بشرعية المستوطنات ـ تتطلب مشاركة حقيقة من جميع الفصائل لإنهاء الخلاف وتعزيز الشراكة، ومن هذه الزاوية تولي الجبهة الديمقراطية أهمية كبرى للدعوة إلى انتخابات عامة شاملة، كسبيل لتصويب الوضع الداخلي الفلسطيني.
سلط الباب الأخير “في المشهد السياسي الفلسطيني” الضوء على “صفقة القرن” (صفقة “ترامب ـ نتنياهو”)، وأشار إلى أنها تسير على مسارين متوازيين، إقليمي وفلسطيني، مع تغليب المسار الإقليمي. وهي مستوحاة من رؤية وأفكار ومشاريع عبَّر عنها رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في محطات مختلفة، منها على سبيل المثال مداخلته الشهيرة في مؤتمر هرتسيليا-2008، وتصريحاته المختلفة للصحافة الإسرائيلية عام 2014. وأشار الكاتب إلى أن نتنياهو قدم حل السلام الاقتصادي على حل السلام السياسي، محولًا القضية الفلسطينية من قضية سياسية، يتوجب حلها بموجب قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، إلى مجرد قضية معيشية، أو تحسين ظروف معيشية تعالج بمشاريع اقتصادية وتنموية، تحت سقف أمن إسرائيل، وبالتعريف الإسرائيلي الأمن بطبيعة الحال. ص (51).
الفصل الثاني “ما بعد 28/1/2020″، من ستة أبواب، أولها عبارة عن قراءة في “صفقة القرن” بعنوان “صفقة لتصفية القضية الوطنية”، وهي ورقة من إعداد دائرة شئون المفاوضات، في منظمة التحرير الفلسطينية، صدرت بتاريخ 11/2/2020.
قدمت الورقة أبرز مكامن التواطؤ السياسي، بين ترامب ونتنياهو، لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية لصالح استكمال المشروع الصهيوني الهادف إلى بناء “إسرائيل الكبرى”. ودعت، الورقة، جميع دول العالم، إلى التصدي لمنتهكي القانون الدولي وإنفاذه، وأخيرًا أكدت على إن شعب فلسطين سيواصل نضاله الوطني المشروع ،الذي استمر لأكثر من مائة عام، وهو لا يأبه بالمارقين، ولن يكل أو يتوانى قيد أنملة عن إنجاز حقوقه غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها حقه الأصيل والتاريخي المشروع في تقرير مصيره على أرضه والحرية والاستقلال والعودة، طال الزمن أو قصر. (ص91).
أما الباب الثاني “صفقة القرن.. المعركة الفاصلة مع الكيان الصهيوني” فبدأ بالتأكيد على أن “صفقة القرن” هي صفقة ذات بعدين متلازمين من الصعب التعامل مع أي منهما، بمعزل عن الآخر: البعد الفلسطيني، من جهة، والبعد العربي والإقليمي، من جهة أخرى؛ ما يفترض أن تكون المواجهة للصفقة في المحورين معًا.
وأشار الباب إلى التحرك الأمريكي ـ الإسرائيلي الذي يسير على خطين معًا، أولهما إطاري مرجعي، وهو ما تقدم به الرئيس الأميركي، في 28/يناير، والثاني تنفيذي مباشر من خلال لجنة ترسم خطوط الكيان الفلسطيني، الذي لا يمتلك ـ بحسب الصفقة ـ حدود بالمعنى المتعارف عليه في القانون الدولي.
ويرى الكاتب أن المواجهة الفلسطينية الشاملة، لصفقة القرن، تقوم على ثلاث مرتكزات متكاملة ومتفاعلة فيما بينها: استعادة الوحدة الداخلية، الخروج من أوسلو، وتعبئة الطاقات الفلسطينية في كل مكان.
.بدأ الباب الثالث “الضم أعلى مراتب الاحتلال” بالتأكيد على العلاقة العضوية بين فلسطين، ومحيطها العربي، الذي تفرضها، فضلًا عن التاريخ واللغة والثقافة، الجغرافيا السياسية، والنسيج الاجتماعي المتواصل عبر الحدود، والمصالح، وكذلك المخاطر المشتركة. ثم أوضح الاستراتيجية الجديدة للاحتلال الذي انتقل من احتلال استيطاني لأجزاء من الضفة (بسقف 10% من مساحتها)، إلى استعمار استيطاني يقوم مشروعه على ضم ما لا يقل عن ثلث مساحة الضفة، في إطار قيام ” دولة إسرائيل الكبرى”.
حاول المحرر بعد ذلك مناقشة مرتكزات الرد العملي، وكيفية التصدي لهذه الصفقة، فأورد التقرير السياسي الصادر عن أعمال اللجنة المركزية للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، آب (أغسطس) 2020، الذي ناقش فيه الخطوات العملية للمواجهة، والتي تضمنت استئناف المفاوضات الرباعية الدولية، وإصلاح النظام السياسي الفلسطيني، فضلا عن إعادة تعريف السلطة، ودورها، ووظائفها.
جاء الباب الرابع “انعكاسات خطة الضم على الاقتصاد الفلسطيني” بقلم د. سمير أبو مدللة، عميد كلية الاقتصاد بجامعة الأزهر في غزة. فأكد على أن تطبيق هذه الخطة سوف يؤدي لتدمير الاقتصاد الفلسطيني من خلال حرمان الفلسطينيين من السيطرة على مفاتيح الإدارة الاقتصادية، وحصارهم في معازل، والسيطرة على المعابر وحركة البضائع والأشخاص. وكان هذا الباب بمثابة دراسة متكاملة ومفصلة للأثار الاقتصادية لخطة الضم.
أما الباب الخامس ” انتخابات الكنيست الــ23.. 2/3/2020 ” فيناقش انتخابات الكنيسيت الـ 23، التي أقيمت عقب جولتي انتخابات فشل فيها كل من “الليكود” و”كاحول ـ لافان” في تشكيل حكومة، حيث ينص قانون أساس الكنيست على أنه في حال فشل أي عضو كنيست في تشكيل حكومة، خلال الفترة القانونية، فإن الكنيسيت يقوم بحل نفسه، والإعلان عن انتخابات جديدة.
جاء هذا الباب بكثير من التفاصيل، والأسماء، والجداول، كما قدم العديد من الملاحظات الهامة حول نسب التصويت واتجاهاته، ولكنها لم تكن معلومات أو تحليلات ذات صلة بموضوع الكتاب، فلم تتم الإشارة لصفقة القرن، ولو لمرة واحدة، في هذا الفصل، ولم يشر الكاتب، لدلالة نتائج هذه الانتخابات على تنفيذ بنود هذه الخطة.
الفصل الثالث “اللاجئون في لبنان وسوريا واستهداف حق العودة”، عبارة عن ورقة بحثية قدمت إلى ندوة “ماهية المشروع الوطني الفلسطيني” التي نظمتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية في مدينة لارنكا القبرصية، 10 ـ 11/5/2019.
بدأ الفصل بالتأكيد على أن حق العودة هو الحافز الأساسي الذي تعلق به اللاجئون الفلسطينيون كهدف لوصوله، فمن أجله امتشقوا السلاح في مرحلة العمل الفدائي، ودعموا برنامج م.ت.ف لإنهاء الاحتلال في الضفة الغربية بما فيها القدس، وقطاع غزة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
بيد أن هناك بعض العوامل التي سببت بعض التراجعات، وجعلت اللاجئين الفلسطينيين لا يرون أن تحقق أملهم بالعودة قريبًا، وهو ما ناقشه الكاتب في الباب الأول “المشروع الوطني والعوامل الضاغطة عليه” فمن مفاوضات السلام في مدريد 1991، والتي أجبر فيها الطرف الفلسطيني على أن يتمثل بوفد فلسطيني ـ أردني مشترك، مرورًا باتفاق أوسلو 1993، ووصولًا إلى صفقة القرن التي تهدف إلى تصفية قضية اللاجئين.
رصد الباب الثاني “اللاجئون الفلسطينيون في لبنان.. واقع إنساني هش” واقع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وأوضح أن السلطات اللبنانية لم تمنح الفلسطينيين سوى حق الإقامة، منذ اللجوء عام 1948، وحرمتهم من جميع الحقوق الإنسانية والاجتماعية الأخرى، ما أدى إلى اهتمام اللاجئين، هناك، بتحسين ظروفهم الحياتية، وتوجيه العمل الجماعي إلى قضايا مباشرة مؤثرة في حياتهم، دون الاهتمام بالانخراط في العمل السياسي الفلسطيني، حيث تراخى الاهتمام بالمسألة الوطنية، الأمر الذي ساهم فيه غياب برامج م.ت.ف لاستيعاب طاقات اللاجئين.
انتقل الكاتب بعد ذلك إلى “واقع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، ودلالاته على المشروع الوطني” فدمشق كانت تضم 67% من مجموع اللاجئين الفلسطينيين البالغ عددهم 1,528 نسمة، حتى عام 2013، بحسب تقديرات الأونروا. يحق لهم ولوج مختلف مجالات العمل، والتعلم، والمعالجة الصحية مثل المواطنين السورين، كما يحق لهم خدمة العلم، مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية. ولكن هذا الحال تزعزع بفعل الحرب السورية، ودمرت بعض المخيمات، ونزح عشرات الآلاف من الفلسطينيين خارج المخيمات، أو خارج سوريا بحثاً عن العمل، ما دفع الاونروا لتوفير الدعم لهم إلى جانب الحكومة السورية أمام تقصير القيادة الرسمية الفلسطينية.
باتت استعادة الأوضاع التي كان يعيشها اللاجئون في مخيمات سوريا هي المهمة ذات الأولوية بالنسبة لم.ت.ف. وأصبح توفير الإقامة، ومقومات المعيشة هم الشغل الشاغل للفلسطينيين، هناك، أكثر من أي هم وطني آخر.
يسلط باب “الأونروا والتغيرات السياسية.. دلالات الضغوط الأمريكية الجديدة على الأونروا” الضوء على المحاولات الأمريكية لإنهاء عمل الأونروا، واستهداف قضية اللاجئين وحق العودة، بدءًا من مشروع كلينتون عام 2000، ومرورًا بإعادة الكونجرس الأمريكي لتعريف اللاجئ، بمن غادر فلسطين عام 48، دون أولادهم، وحصرهم بـ(60) ألفاً، يمكن ترتيب حلول لتوطينهم وتعويضيهم، واسقاط حق العودة عن بقية اللاجئين، وأخيراً، بقرار إدارة ترامب وقف الدعم المالي للأونروا.
في خاتمة هذا الفصل، أكد الكاتب، على أن فالمدخل الحقيقي إلى حل قضية اللاجئين هو ضمان حقوقهم الإنسانية كي يتفرغوا، بالتعاون مع مضيفهم، ً للإمكانات المتوفرة للمشاركة في النضال الهادف إلى الحفاظ على هويتهم، وضمان الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في العودة والدولة المستقلة وتقرير المصير.
كتب الفصل الرابع “في تاريخ الحركة الشيوعية في فلسطين” د. ماهر الشريف، وضم الفصل خمسة أبواب، شملت الحزب الشيوعي الفلسطيني، عصبة التحرر الوطني، الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وحزب الشعب الفلسطيني. تبعهم بإضاءة على تصور إميل توما للحل الديمقراطي للقضية الفلسطينية، وذلك بالاستناد إلى عدد من المقالات التي نشرها في صحيفة “الاتحاد” الحيفاوية، ومجلة “الغد” المقدسية، خلال السنوات 1944 ـ 1947.
بالرغم من تماسك أبواب هذا الفصل، وغزارة معلوماته، فوضعه في ختام هذا الكتاب غير مفهوم، فالمحرر لم يوضح لنا ماهية العلاقة بين صفقة القرن، وتاريخ الحركة الشيوعية في فلسطين؟ فقد استخدم الفصل المنهج الوصفي لسرد تاريخ الحركة الشيوعية في فلسطين، دون أن يربطها بأي أحداث حالية، أو إجراءات مقترحة لمواجهة ما يحاك للقضية الفلسطينية من خلال هذه الصفقة.
وبعد، فهذا الكتاب يسهم في إغناء المكتبة الفلسطينية بالدراسات، والتقارير، والمعلومات التي تشكل سلاحًا محتدمًا مع مشروع معاد، تقف خلفه قوى وتحالفات دولية. وهو مهم لكل باحث، ودارس، ومهتم بالقضايا الفلسطينية، والعربية، للوقوف على آخر التطورات، والمؤامرات، التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني، ومن ثم الاصطفاف لمواجهتها، ودحرها.
المصدر: عربي 21