أعادت تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد، الخميس، بشأن تعديل الدستور وإدخال تغيير على نظام الحكم، الجدل من جديد في المشهد السياسي، لا سيما بعد ذهابه نحو استفتاء “إلكتروني” لتمرير هذه التعديلات.
وأعلن سعيّد، الخميس، أنه “يتم العمل على ضبط جدول زمني لإدخال تعديلات على النظام السياسي بما يستجيب لمطالب التونسيين”.
وأضاف سعيّد، في كلمة له بمستهل اجتماع مجلس الوزراء، أنه “سيتم هذا المساء وضع خطة لتنظيم استفتاء إلكتروني (حول تعديل الدستور)، على أن تتولى لجنة في مرحلة لاحقة تجسيد مطالب التونسيين ضمن دستور حقيقي”.
وفتحت تصريحات سعيد أبواب الجدل السياسي من جديد وسط مخاوف لدى الأحزاب والفاعلين السياسيين من فرض نظام حكم وتعديل دستوري بشكل فردي، بواسطة استفتاء مجهول المعالم.
وأكد الأمين العام لـ”الحزب الجمهوري” عصام الشابي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أنّ “رئيس الجمهورية يصرّ على المضي قدماً في النهج الذي اختاره منذ 25 يوليو/ تموز، وهو نهج زاد من تعميق الأزمة التي تعيشها البلاد بمحاولة فرض تصوره الخاص للنظام السياسي للدولة التونسية في مخالفة صريحة للدستور”.
وحذر الشابي من دعوة سعيّد لاستفتاء إلكتروني، قائلاً هي “استشارة إلكترونية لتمرير مشروع سياسي غامض هلامي يتميز بالابتعاد الكامل عن الديمقراطية التمثيلية والسياسية”.
وأكد أنّ “هذه الاستشارة هي التفاف على مطلب الحوار الوطني للخروج بتوافقات وحلول لهذه الأزمة”. وشدد على أنّ “الحل لا يمكن أن يكون من خلال فرض القرارات بمراسيم رئاسية”، مشيراً إلى أنّ “مصير تونس لا يمكن أن يكون بيد فرد واحد بل يجب أن يكون بيد كل التونسيين”.
“مزحة ساخرة”
من جانبه، قال وزير الخارجية التونسي الأسبق، والقيادي في حزب “حركة النهضة”، رفيق عبد السلام، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إنه “للأسف الرئيس قيس سعيّد يتصور أنّ تونس أشبه ما تكون بعجينة طيعة يفصّلها على مقاسه، فبعد إلغاء الدستور ووضع كل السلطات بين يديه من دون حسيب أو رقيب، يريد الآن تفصيل نظام سياسي على مقاسه بما يمكنه من تحويل اغتصاب السلطة إلى حالة مشرعنة قانونياً لا غير”.
وتابع “تقاد تونس اليوم بالمراسيم من قصر قرطاج، وكأنها مزرعة خاصة لقيس سعيّد من دون أي رقابة دستورية أو مؤسساتية، بعدما ألغى الدستور ونصّب حكومة تابعة له، ثم اتجه إلى تفصيل أحكام انتقالية على مزاجه الخاص، يريد تحويلها الآن إلى دستور دائم”.
عبد السلام: مقترح الاستفتاء الإلكتروني هو أشبه ما يكون بمزحة ساخرة لا يمكن أن يقبلها أحد، لأنها بكل بساطة مجرد آلية للتواصل مع الأنصار وحشد الأتباع لا غير
وشدد عبد السلام بالقول “هناك مسافة كبيرة بين ما يريده قيس سعيّد وما يقدر على فعله، كل التغييرات التي سيقدم عليها قيس سعيّد ستعتبرها أغلب القوى السياسية والشعبية غير شرعية، وستلقى مقاومة في أوساط النخبة وفي الشارع. وسيعتبر الدستور الجديد هو دستور قيس سعيد ولا يعنيه إلا هو”.
وأضاف القيادي في “النهضة” أنّ “قيس سعيد لا يحاور إلا نفسه ولا يسمع إلا صوته بعدما رفض المطالبات المتكررة من قيادة الاتحاد التونسي للشغل بإجراء حوار وطني، رغم مواقف الاتحاد الموالية له بداية الانقلاب، ومع ذلك قيس سعيد لا يصغي لأحد، وحتى القوى السياسية التي تحالفت معه هي الآن تأخذ منه مسافة، وبعضها بدأ يعارضه بشكل واضح منذ إلغائه للدستور يوم 22 سبتمبر/ أيلول ثم تجاهله لها”.
ولفت إلى أنّ “مقترح الاستفتاء الإلكتروني هو أشبه ما يكون بمزحة ساخرة لا يمكن أن يقبلها أحد، لأنها بكل بساطة مجرد آلية للتواصل مع الأنصار وحشد الأتباع لا غير”.
“خطر داهم”
بدوره، حذر القيادي في حزب “قلب تونس”، رفيق عمارة، في تعليق لـ”العربي الجديد”، من أنّ “الذهاب نحو تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي دون تشريك جميع الأطراف، هو خطر داهم على البلاد يجب التصدي له”، مشيراً إلى أنّ “القيام بتعديل على المنظومة السياسية بشكل هيكلي بهذا العمق يجب ألا يتخذه فرد بمفرده ليقرر مصير بلاد بأسرها، ويحتم مستقبل أجيال بأكملها”.
وتابع عمارة “أنّ محاولة إضفاء الشرعية على تعديل النظام السياسي بشكل أحادي عبر تطبيق إلكتروني مجهول الهوية والخلفية والأطراف المشاركة فيها ينبئ بتوجه نحو الالتفاف على إرادة التونسيين جميعاً بالابتعاد عن الوسائل الديمقراطية والتمثيلية والدستورية وإقصاء جميع القوى الحية المجتمعية والسياسية”.
وبيّن القيادي في حزب “قلب تونس” أنّ “هذا التوجه “يكشف أنه لا نية حقيقية لدى الرئيس قيس سعيّد لإنهاء الوضع الاستثنائي وإلغاء الإجراءات اللادستورية”.
أما رئيس الهيئة السياسية لحزب “المؤتمر من أجل الجمهورية”، سمير بن عمر، فأوضح، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أنّ “إعداد الدساتير وصياغتها هي عقد بين الدولة والمجتمع وما بين الحاكمين والمحكومين، وبالتالي لا بد لصياغة هذا العقد من وجود مقاربة تشاركية، ولا يمكن أن يكون بقرار من فوق”.
وأضاف أنّ “الصيغة التي سيعتمدها ساكن قرطاج الذي فقد مشروعيته وشرعيته تؤكد أنه خارج السياق التاريخي، لأنه أثبت أنه يجهل أنّ ملايين التونسيين يقطنون في الأرياف ولا يمتلكون الكهرباء ولا الماء الصالح للشراب”، متابعاً “وهو يتحدث عن استفتاء إلكتروني عن بعد وكأن التونسيين جميعهم لديهم اتصال بالإنترنت والشبكة العنكبوتية ويمتلكون حواسيب، فضلاً عن الصعوبات التقنية والتي لم تستطع دول متقدمة إنجازه، فما بالك بدولة غير متمكنة”.
ورأى أنّ “هذا يؤكد أنّ سعيّد يستغبي التونسيين، وهي أيضاً محاولة منه للتحايل عليهم بفرض دستور بطريقة غير شرعية وغير دستورية دون العودة لإرادة الشعب المعبّر عنها عبر صناديق الاقتراع”.
وشدد بن عمر على أنّ “هذا المسار المعادي للديمقراطية سيكون مرفوضاً من قبل جميع القوى الحية في البلاد وسيقاومونه بكل الطرق السلمية والقانونية”، وفق قوله.
المصدر: العربي الجديد