بعد أشهرٍ على نزع فتيل المواجهة على الحدود الروسية – الأوكرانية، ها هي جبهة مواجهة جديدة تنفتح على الحدود البيلاروسية-البولندية، على خلفية محاولة آلاف اللاجئين من الحروب في العالم، عبور الحدود إلى الاتحاد الأوروبي، من بيلاروسيا.
وتنذر الأمور بالتحول إلى نزاع حدودي فعلي بعدما طلبت بولندا دعماً من حلف شمال الأطلسي، بينما طلبت مينسك دعم موسكو. وفي رسالة تحمل الكثير من الدلالات، حلقت قاذفتان إستراتيجيتان روسيتان فوق الأجواء البيلاروسية الأربعاء. وفي مقابل العقوبات التي يلوح الإتحاد الأوروبي بفرضها الإثنين على بيلاروسيا، هدد رئيسها الكسندر لوكاشنكو بقطع إمدادات الغاز الروسي التي تمر في أراضي بلاده عن أوروبا.
وأزمة المهاجرين ومن قبلها الأزمة الأوكرانية، ما كانت لتأخذ هذه الأبعاد الخطيرة، لو لم تكن العلاقات الروسية-الأوروبية تعاني خللاً منذ سنوات، بسبب شبه القطيعة القائمة بين موسكو ودول أوروبية، وإنضمام الإتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة في ممارسة الضغوط على روسيا عبر فرض العقوبات عليها لأسباب مختلفة، تبدأ بملف القرم ولا تنتهي عند سجن الناشط الروسي أليكسي نافالني وحملة الكرملين على منظمات المجتمع المدني العاملة في روسيا. وتتهم السلطات الروسية هذه المنظمات بنشر الدعاية الغربية.
وجوهر أزمتي المهاجرين العالقين على الحدود البيلاروسية-البولندية والشرق الأوكراني، يكمن في حالة الإرتياب بين روسيا والغرب عموماً. موسكو تخشى تمدداً جديداً لحلف شمال الأطلسي نحو حدودها من خلال ضم أوكرانيا. والغرب يتخوف من أن تعمد روسيا في أي لحظة إلى غزو دول البلطيق أو أوكرانيا، ولذلك تعمل على تعزيز وجود حلف الأطلسي في دول “المواجهة” مع روسيا.
وفي ظل العزلة التي فرضها الغرب على روسيا عقب ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014 وغياب التواصل بين القادة من الجانبين، تأججت مشاعر العداء، وعادت خطوط الحرب الباردة للإرتسام مجدداً في القارة الأوروبية.
في عام 2015، إتهمت الدول الأوروبية تركيا بمحاولة إغراق أراضيها بالمهاجرين واللاجئين من سوريا والعراق وأفغانستان، عبر اليونان، فسارعت إلى عقد اتفاق مع أنقرة قدمت بموجبه مليارات الدولارات لتركيا كي توقف موجات اللجوء وتعيد توطين الكثير من اللاجئين الذين تعمل دول الإتحاد الأوروبي على ترحيلهم.
المشهد الذي ساد الحدود التركية-اليونانية، يتكرر اليوم على الحدود البيلاروسية-البولندية. آلاف اللاجئين الفارين من البؤس في أوطانهم يحاولون العبور إلى الإتحاد الأوروبي لبدء حياة جديدة هناك. لكن المشهد الجديد يتسم بأخطار تفوق كثيراً تلك التي سادت 2015، بسبب مشاعر التوتر القائمة في الأصل بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسي. والإتحاد الأوروبي اتهم صراحة بيلاروسيا بشن “هجوم هجين” على الاتحاد من خلال تشجيع المهاجرين على عبور الحدود.
والمساندة الأطلسية التي حظيت بها بولندا وتلك التي سارعت روسيا إلى إبدائها حيال بيلاروسيا، تنذران فعلاً بإحتمال تدهور الأوضاع إلى اشتباك حدودي، سيكون أول مواجهة روسية-أطلسية مباشرة، إذا ما أخذنا في الإعتبار إن أوكرانيا كانت حرباً بالوكالة، فضلاً عن أن كييف ليست عضواً في حلف شمال الأطلسي، رغم تمتعها بدعم عسكري أميركي وأوروبي.
وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، أجرت روسيا وبيلاروسيا مناورات مشتركة مقابل الحدود البولندية، في رسالة اعتبرتها وارسو بمثابة “إستفزاز” موجه ضدها.
واليوم، إذا لم يسارع قادة أوروبا وروسيا إلى نزع فتيل الإشتعال المحتمل على الحدود البيلاروسية-البولندية، فإن القارة الأوروبية مهددة بصراع مسلح جديد على أراضيها يجر إلى مواجهة أوسع.
يتطلب ذلك زيادة الإتصالات بين الزعماء، وعدم الذهاب إلى الحل الأسهل وهو فرض عقوبات، لن تكون نتيجتها سوى تأجيج العداء بين الجانبين.
أوروبا اليوم أمام اختبار جدي في تخطي أزمة أخطر بكثير من مجرد محاولة عبور مهاجرين أو لاجئين نحو الإتحاد الأوروبي.
المصدر: النهار العربي