يواصل النظام السوري، بدعم من القوات الروسية، مساعيه لتعزيز حضوره في مناطق شرق سورية، سواء الواقعة تحت سيطرة قواته، أو تحت سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، وسط ضباب كثيف من الأخبار والمعلومات التي يسربها النظام عن نجاح تلك المساعي، في موازاة تشكيك من جانب القوى المحلية والناشطين.
وفي هذا الإطار، ذكرت وكالة “سانا” التابعة للنظام أن ما سمّتها “عملية التسوية الشاملة” بدأت اليوم الأحد في محافظة دير الزور، وهي خاصة بأبناء المحافظة وتشمل “كل من لم تتلطخ يداه بالدماء من المدنيين المطلوبين والعسكريين الفارين والمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية”.
وذكرت شبكات محلية أمس أن عدداً من الأشخاص التابعين لنظام الأسد في مناطق سيطرة “قسد” توجهوا إلى معبر الصالحية البري للمشاركة في الفعالية المقررة إقامتها اليوم في الصالة الرياضية بمدينة دير الزور تحت عنوان ” المصالحة مع النظام السوري” برعاية روسية، التي يروج لها بعض أتباع النظام.
وكان أمين فرع حزب البعث في محافظة دير الزور قد قال في وقت سابق إن النظام سيبدأ اعتباراً من 14 الشهر الجاري إجراء تسويات في المحافظة تشمل جميع المطلوبين، سواء الفارون من الخدمة العسكرية والاحتياطية، أو المتخلفون عن الخدمة الإلزامية وغيرهم.
ومن المقرر أن تنطلق هذه التسويات في مدينة دير الزور، لتنتقل بعدها إلى الريف الغربي، ثم إلى مدينتي البوكمال والميادين وأريافهما، وصولاً إلى الريف الشمالي.
غير أن مصادر محلية أكدت لـ”العربي الجديد”، فشل هذه المساعي، حيث لم يتقدم للتسوية سوى بضع عشرات من أبناء المحافظة قدم معظمهم من مناطق سيطرة القوات الإيرانية في البوكمال ومنطقة المريعية، برغم أن عرابي “المصالحة” التابعين لنظام الأسد وروسيا وإيران، كثفوا من نشاطاتهم خلال الآونة الأخيرة وأعلنوا استقبال العائدين ابتداءً من اليوم الأحد.
ووفق المصادر، أقام النظام فعالية في مبنى الصالة الرياضية بدير الزور لاستقبال الراغبين في تسوية أوضاعهم، حيث يحصل الشخص الذي يجري التسوية على بطاقة عليها صورته الشخصية ليصبح غير مطلوب للجهات الأمنية، ويستطيع التجول بموجبها، كذلك إن العسكري الفارّ يحصل على أمر مهمة لمدة ثلاثة أشهر من تاريخ إبرام التسوية، على أن يلتحق مباشرة بقطعته العسكرية خلال هذه المدة، وتكون الخدمة ضمن المحافظة نفسها، على غرار التسويات التي جرت في محافظة درعا أخيراً.
أقام النظام فعالية في مبنى الصالة الرياضية بدير الزور لاستقبال الراغبين بتسوية أوضاعهم، حيث يحصل الشخص الذي يجري التسوية على بطاقة عليها صورته الشخصية ليصبح غير مطلوب للجهات الأمنية
وتقول المصادر إن سلطات النظام جمعت أعداداً كبيرة من عناصر الدفاع الوطني الموالين لها بهدف إعطاء انطباع بوجود إقبال من المواطنين على عمليات التسوية، مشيرة إلى أن بعض الشخصيات المدعومة من نظام الأسد، وعلى رأسها نواف البشير وغديف الهليل، أوهمت روسيا وإيران بأن لها نفوذاً على أبناء المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، وأن في مقدورها إقناع السكان بالعودة والانخراط في العمل العسكري ضمن صفوف المليشيات متعددة الولاءات، تمهيداً لاستخدامهم في المعارك الدائرة في عدد من المحافظات السورية، وهو ما ثبت عدم صحته حتى الآن، في ضوء عزوف معظم الأهالي عن التفاعل مع هذه المحاولات.
وفي إطار هذه “الانتصارات الإعلامية” لجهود النظام في شرق البلاد، ذكرت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام أن قوات الجو الروسية عززت من وجودها في مطار الطبقة العسكري غرب الرقة بنشر منظومة دفاع جوي لإغلاق الجو في سماء ناحية عين عيسى أمام أي تدخل عسكري تركي، بعدما رفدت قواتها في مطار منغ شمال حلب ومطار القامشلي بتعزيزات نوعية لسلاح الجو.
وزعمت الصحيفة أن وسائل إعلام روسية أكدت نشر القوات الروسية لمنظومة الدفاع الجوي الروسي (اس300) داخل مطار الطبقة العسكري، وذلك “لحماية الطائرات المشاركة في الخدمة القتالية في مطار القامشلي، ولضمان السيطرة على المجال الجوي لمناطق شمال وشمال شرق سورية”، وفق الصحيفة.
وكانت مصادر محلية قد ذكرت أمس السبت أن قوات النظام أرسلت تعزيزات عسكرية جديدة إلى مدينة عين عيسى في ريف الرقة الخاضعة لسيطرة مليشيا قسد، بغية تعزيز مواقعها بالقرب من اللواء الـ 93 في منطقة عين عيسى بريف الرقة الشمالي.
قتلى في البادية
إلى ذلك، ارتفع عدد قتلى مليشيا “أسود الشرقية” الموالية للنظام إلى 15 جراء سلسلة هجمات شنها تنظيم “داعش” بمناطق بادية دير الزور، في ما وصف بأنه أكبر ضربة في صفوف مليشيات النظام منذ أشهر.
وذكر الناشط أبو عمر البوكمالي لـ”العربي الجديد” أن هجمات التنظيم تركزت في البادية الغربية لدير الزور، وتخللتها اشتباكات عنيفة بين عناصر التنظيم ومليشيا “أسود الشرقية” المتحدرة من عشيرة الشعيطات ومليشيا “الفرقة الـ 17” الموالية للنظام، ما أدى إلى مقتل نحو 15 عنصراً، بينهم القيادي في “أسود الشرقية” المدعو عبد الستار حميدة، الذي قتل جراء انفجار لغم بسيارته في المنطقة، إضافة إلى إصابة نحو 20 آخرين من صفوف المليشيات والفرقة الـ 17 في الاشتباكات.
وأوضح البوكمالي أن عناصر “داعش” أعدوا كميناً في بادية المسرب عبر دراجات نارية اخترقت حواجز الفرقة الـ 17 التي سارعت إلى طلب المؤازرة من القطع العسكرية القريبة، ما أوقعهم في كمين محكم وضاعف الخسائر في صفوفهم.
من جهة أخرى، بدأت مليشيا الحرس الثوري عبر أذرعها في مناطق سيطرة النظام السوري بمدينة القامشلي بمحاولة إنشاء مركز ثقافي إيراني في المربع الأمني داخل المدينة، وهو ما قابله تحذير روسي من التمدد الإيراني في المدينة.
وذكرت شبكة “عين الفرات” المحلية أن الحرس الثوري بدأ بمحاولات حثيثة لتفعيل مشروع المركز الثقافي في المدينة على غرار دير الزور وحمص ودمشق، إلا أن القوات الروسية حذرت الإيرانيين وقوات النظام من هذه الخطوة خشية ازدياد أعداد المنتسبين إلى الحرس الثوري وزيادة أعداد عناصره وقاعدته الشعبية بالمنطقة. وأوضحت أن الحرس الثوري أنهى كل الأوراق المتعلقة بإنشاء المركز بالتنسيق مع وزارة ثقافة النظام السوري، ولكن المشروع قد يفشل نتيجة الرفض الروسي الكبير لوجوده داخل منطقة محاطة بقوات “قسد” المدعومة من قبل التحالف الدولي.
وتخشى القوات الروسية من ازدياد عدد المراكز التابعة لإيران في المنطقة، ما قد يعطي المبرر للقوات الأميركية للتدخل في المنطقة، والتخوف من أن يخلق التمدد الإيراني معسكرات ومليشيات جديدة من شأنها إثارة البلبلة الطائفية داخل المنطقة التي تعتبرها روسيا حالياً موقعاً استراتيجياً لها.
المصدر: العربي الجديد