بينما تواصل جائحة فيروس كورونا خلق صعوبات غير مسبوقة في جميع أنحاء العالم، تصاعدت الدعوات لرفع العقوبات الاقتصادية استجابة للمخاوف الإنسانية والطبية الملحّة. وفي 26 آذار/مارس، طلبت ثماني دول، سوريا وإيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، رفع العقوبات المفروضة عليها على أساس أن هذه التدابير تقلّل بشكل كبير من قدرة حكوماتها على كبح واحتواء تفشّي الفيروس.
في سورية، أكّدت الحكومة إصابة 19 حالة فقط بفيروس كورونا، ووفاة شخصين. غير أن الحرب التي دامت تسع سنوات ألحقت أضراراً بالغة بالنظام الصحي في سوريا، ولم يبقَ سوى نصف مستشفيات البلاد ومرافق الرعاية الصحية تعمل بكامل طاقتها، ومن المتوقع أن يكون للوباء تأثير كارثي على المجتمعات والمخيمات الهشة التي تؤوي النازحين بشكل خاص.
ومن شِبه المؤكد أن استجابة الحكومة المقلقة للوباء تخفي المدى الحقيقي للفيروس الموجود في سوريا بالفعل. حيث أصدرت الحكومة السورية أمراً صارماً بمنع النشر، حيث يحظر على الكوادر الطبية مناقشة فيروس كورونا وفرضت تعتيما إعلامياً، وبالتالي فشلت في تزويد الجمهور بالمعلومات والتعليمات الوقائية الأساسية. ولم تنشر وزارة الصحة أرقاماً عن عدد الفحوصات التي أجرتها، وبالتالي فإن انعدام الشفافية والتواصل مع الجمهور سمح بتفاقم الشائعات والمعلومات المضللة.
ولقد اتّبعت الحكومة مقاربة أمنية تجاه أزمة الصحة العامة، من حيث استخدام قوات الأمن لفرض حظر تجوّل ليلي وإغلاقها للمؤسسات العامة والمدارس والحدائق ووسائل النقل. ويواجه المدنيون في مناطق المعارضة خطراً كبيراً من استجابة الحكومة الأمنية لهذه الجائحة، والذي يتجلى على أفضل وجه في تصريح صدر مؤخراً عن وزير الصحة السوري، الذي قال إن “الجيش العربي السوري طهّر الكثير من الجراثيم الموجودة على أرض سوريا” في إشارة إلى أولئك الذين يعارضون الحكومة. ومن الواضح أنه يجب معالجة وحلّ القضايا الخطيرة المتعلقة باستجابة الحكومة السورية لفيروس كوفيد-19 قبل تعليق أي عقوبات.
وإن رفع العقوبات عن سورية محفوف بالمخاطر، بما في ذلك تيسير الاستمرار في حجب المساعدات الإنسانية عن مناطق بعينها وتمكين الفساد على نطاق واسع، وفي واقع الأمر لا يقدّم ذلك سوى النذر اليسير من الفائدة الملموسة لقدرة الحكومة على التعامل مع فيروس كوفيد-19 واحتوائه. وبدلاً من ذلك، ينبغي أن يباشر المجتمع الدولي استجابة هادفة تهدف إلى تحقيق التوازن بين نظام العقوبات المعمول به حالياً والمطالب الطبية والإنسانية الجديدة الناجمة عن الجائحة. وينبغي أن يستجيب المجتمع الدولي لطلب تخفيف العقوبات من خلال تنفيذ التوصيات الأربع التالية:
أولاً: إعادة تفويض آلية المساعدة الإنسانية عبر الحدود من معبر اليعربية مع العراق.
في كانون الأول/ديسمبر 2019، عرقل حليفا الأسد روسيا والصين مشروعي قرارين في مجلس الأمن الدولي بشأن تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا. وفي الشهر التالي أعاد المجلس إجازة فتح معبرين فقط من أصل أربعة معابر حدودية موجودة، باب السلام وباب الهوى مع الحدود التركية، لمدة ستة أشهر بدلاً من اثني عشر شهراً.
ولتسهيل إيصال الإغاثة الطبية والمساعدات الإنسانية خلال جائحة فيروس كوفيد-19، يجب إعادة إجازة معبر اليعربية الحدودي من العراق وإعادة فتحه على وجه السرعة. وينبغي تقديم مشروع قرار على الفور إلى مجلس الأمن الدولي، وسيكون الضغط الدبلوماسي ضرورياً من أجل تأمين التعاون الروسي والصيني بنجاح.
إن إعادة تفويض معبر اليعربية الحدودي مهم بشكل خاص لجهود كوفيد-19 وانه ضرورة ملحة لشمال شرق سوريا، ويمكن استخدامه لتزويد المساعدة الطبية دون موافقة مسبقة من دمشق. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، لم تتلق المرافق الطبية في شمال شرق سوريا التي كانت تعتمد على الإمدادات الطبية عبر اليعربية هذه الإمدادات من خلال قنوات بديلة، وأدى إغلاق الممر عبر الحدود إلى نقص كبير في الأدوية والإمدادات لمراكز الصحية الأولية في ريف الرقة والمستشفيات في الهول.
ثانياً: توضيح الاستثناءات الإنسانية المضمّنة في العقوبات الحالية وتقديم ضمانات للشركات الرئيسية متعدّدة الجنسيات في القطاعين الصّحي والطبّي.
أكّدت الولايات المتحدة أن برامج العقوبات التي تفرضها تتضمن “استثناءات” لتصدير المواد الغذائية والأدوية والأجهزة الطبية. ولكن في الغالب لا توجد لدى المصدّرين القدرة أو الرغبة في الاستفادة من هذه الإعفاءات الإنسانية بسبب متطلبات الامتثال المرهقة، وعدم اليقين بشأن نطاق الإعفاءات، والخوف من خرق العقوبات دون قصد.
ولتسهيل المشاركة المتزايدة بين المؤسسات المالية والمصدّرين المعنيين، ينبغي أن تُصدِر الولايات المتحدة مبادئ توجيهية أوضح بشأن الإعفاءات الإنسانية الحالية لسوريا، وأن تقدّم ضمانات للشركات العاملة في القطاعين الصحّي والطبّي، وأن تعزّز استخدام الاستثناءات في المعاملات الطبية والإنسانية. حيث استخدمت وزارة الخزانة الأمريكية هذه الاستراتيجية بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وشجّعت البنوك بنجاح على العمل مع الحكومة الإيرانية بشأن قضايا تجارية محدّدة.
ويمكن للكونجرس أيضاً النظر في توسيع نطاق الإعفاءات الإنسانية الحالية، بحيث يتنازل عن أي متطلبات امتثال مرهقة على المدى القصير. على سبيل المثال، كما تمت الإشارة إليه مؤخراً في السياق الإيراني، تقتضي الأجهزة الطبية كأجهزة التنفس – التي تلعب دوراً حاسماً في مكافحة فيروس كوفيد-19 – تفويضاً منفصلاً من الحكومة الأمريكية، وهي عملية غالباً ما تستغرق شهوراً. وينبغي تعليق المتطلبات الإجرائية الكاملة لأجهزة طبية محددة ومجالات المساعدة الإنسانية التي يزداد الطلب عليها بسبب الوباء وذلك لضمان توفير الموارد الأساسية في الوقت المناسب.
ثالثاً: التفاوض على تطوير وتنفيذ آلية إغاثة على غرار القناة السويسرية- الإيرانية.
يجب على المجتمع الدولي تطوير وتنفيذ آلية لسوريا على غرار القناة التجارية الإنسانية بين إيران وسويسرا التي تم إطلاقها مؤخراً. وعلى الرغم من الإعفاء الإنساني المماثل في العقوبات الأمريكية على إيران، إلا أن تدابير الامتثال المرهقة قد ردعت البنوك الأجنبية إلى حد كبير من القيام بأي أعمال تجارية مع طهران. ولقد تم إنشاء هذه الآلية، المعروفة رسمياً باسم “نظام التجارة الإنسانية السويسرية” (SHTA)، لتشجيع توفير المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية والضروريات الأساسية دون خطر انتهاك العقوبات الأمريكية. ونجحت هذه الآلية في اجتذاب عشرات الشركات في قطاعات الأدوية والمستحضرات الصيدلانية والمواد الغذائية، وعملت على تيسير إيصال شحنات أدوية علاج السرطان الأساسية وأدوية زراعة الأعضاء إلى إيران.
وينبغي إنشاء آلية مماثلة للاستجابة لزيادة الطلب على المساعدات الإنسانية والإغاثة الطبية الملحّة في سوريا خلال الوباء. ولكن ينبغي أن يخضع إنشاء هذه القناة لمتطلبات صارمة تُلزم الحكومة السورية بالسماح لمنظمة الصحة العالمية بالوصول الكامل ودون عوائق إلى البيانات والمعلومات ذات الصلة بشأن التفشّي والموافقة على مراقبة الآلية، من خلال آلية مراقبة مستقلة لضمان الشفافية الكاملة فيما يتعلق باستخدامها.
رابعاً: يجب دعوة الحكومة السورية إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لمكافحة واحتواء فيروس كوفيد-19 على الفور.
يجب على الحكومة السورية أن تتخذ على وجه السرعة عدة خطوات ضرورية لمكافحة واحتواء فيروس كوفيد-19 بشكل فعال. أولاً، حثت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان الحكومات على الحد من اكتظاظ السجون من خلال إطلاق سراح السجناء من أجل إبطاء انتقال الفيروس. على الحكومة السورية اتخاذ إجراءات عاجلة للإفراج عن عدد كافٍ من المعتقلين من أجل منع انتشار الفيروس ، كما يجب عليها السماح للجهات الإنسانية والفرق الطبية بالوصول إلى السجون وأماكن الاحتجاز الأخرى دون عوائق من أجل تقييم الاحتياجات وتوفير الإغاثة.
وبالمثل، لا يمكن احتواء انتشار الفيروس بشكل فعال إلا إذا مُنحت منظمة الصحة العالمية الوصول الكامل ودون عوائق إلى البيانات والمعلومات حول فيروس كوفيد-19 في سوريا. يجب أن تسمح الحكومة لمنظمة الصحة العالمية ومنظمات الإغاثة الطبية بالعمل بشفافية وتنفيذ آليات المراقبة لقياس الوباء والتصدي له. وأخيرًا، على الحكومة السورية أن توافق بشكل عاجل على إرسال المساعدات الإنسانية عبر الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية إلى إدلب وشمال شرق سوريا حتى يتمكن أولئك الذين يعانون من الفيروس من تلقي رعاية طبية كافية وفي الوقت المناسب. يعد اتخاذ هذه الخطوات أمرًا أساسيًا لإبطاء انتشار فيروس كوفيد-19 في جميع أنحاء سوريا، ويقدم دليلاً على قلق الحكومة الحقيقي بشأن تفشي المرض والرغبة في مكافحته.
تُعتبر التوصيات المذكورة أعلاه خيارات عملية، موجهة وقابلة للتنفيذ، من شأنها أن تخفّف من العقبات التي تعترض المساعدات الإنسانية والإغاثة الطبية الأساسية دون زيادة المخاطر المرتبطة بتعليق العقوبات أو إلغائها. وسيساعد تنفيذ التوصيات المذكورة أعلاه بشكل فعال جهود الحكومة السورية لمكافحة واحتواء انتشار فيروس كوفيد-19 مع الاستمرار في إعطاء الأولوية لاحترام حقوق الإنسان وجهود العدالة والمساءلة الجارية.
المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة