معاً لإنقاذ سورية

رأي الملتقى

بعد أيام قليلة ينعقد المؤتمر العام السنوي الخامس لملتقى العروبيين السوريين تحت شعار:

” معًا لإنقاذ سورية.”. ومما لا شك فيه أن الوضع في بلدنا الحبيب سورية يشهد تدهورًا غير مسبوق على أكثر من صعيد. فبالإضافة إلى الإضطراب الأمني العام في كل البلاد ووجود جيوش أجنبية تحتل أرضها  فإن وضعًا معيشيًا غير مسبوق يضع الإنسان السوري أمام مخاطر وجودية لا تتعلق بدوره ومستوى حياته بل أسوأ من هذا بكثير الأمر الذي يجعل الرغبة في الهجرة ومغادرة البلاد مطلب الغالبية الساحقة من السوريين الذين لم يتهجروا بعد ولم تدمر بيوتهم البراميل المتفجرة ولا طائرات روسيا وأميركا وميليشيات إيران الدخيلة والهجينة.

إن الحصار المعيشي والتجويع ليس إلا سياسة مدروسة ومقصودة لتركيع الإنسان السوري وتفكيك بنيان سورية الإجتماعي تمهيدًا لإستبداله ببنيان من نوع آخر. بنيان شعوبي متصهين تتزعم مسيرته الميليشيات الإيرانية التي تفتك بالمجتمع السوري.

ليس هذا جديدًا لكنه متفاقم إلى درجة مرعبة وشديدة الخطورة الأمر الذي يفرض على كل وطني حر سلوكًا نضاليًا توحيديًا جامعًا يختلف عن كل ما سبق ويقطع مع كل تجربة سابقة لم تكن نتيجتها تجميع القوى وتوحيد الصفوف.

إننا لم نرفع هذا الشعار: معًا لإنقاذ سورية إلا لإدراكنا أن الأمور قد أفلتت من يد الشعب السوري وباتت مصائره تتقرر على موائد المحتلين ومفاوضاتهم فيما بينهم لتوزيع الحصص والأدوار التي تشترك في هدف مركزي واحد ألا وهو القضاء على شخصية سورية ووجودها والمتمثلة في وحدتها أولاً ثم في هويتها التاريخية الحضارية ونعني عروبتها.

وإذا كانت بعض القوى الإنفصالية ذات الإرتباطات الدولية إستطاعت بما يتوفر لها من دعم دولي ورعاية دولية؛ أن تثير إشكاليات حول عروبة سورية مطالبة بحذف كلمة العربية من إسم االدولة ودستورها بحجة أن العروبة مسألة خلافية وليست هوية جامعة؛ فإننا في ملتقى العروبيين نملك من المرونة ما يجعلنا نتفهم الدعوة إلى رفع شأن الهوية الوطنية السورية كقضية مركزية دون ذكر مسألة العروبة راهنًا لأسباب تتعلق بحشد أكبر قدر من الطاقات الوطنية لمواجهة الأخطار الوجودية على الشعب السوري وتسلط النظام وعدوانه المستمر على الشعب؛ إلا أننا ومن صلب موقعنا الوطني السوري نتمسك بهوية بلدنا الحبيب وشخصيته العروبية المنبثقة من تفاعل لمئات السنين بين الإنسان والأرض والأحداث وهو ما لا يملك أحد حق إهداره أو التنكر له مهما كانت الإعتبارات والمبررات.

إننا حينما اخترنا لتجمعنا الثقافي الوطني اسمه: ملتقى العروبيين؛ كنا نعي تمامًا وندرك حجم التحديات والأخطار على سورية بسبب هويتها العربية ودورها العربي التحرري ومساهماتها المتنوعة في كافة ميادين الصراع ضد العدوان الأجنبي على الوطن والأمة.

إن العدوان الدولي على سورية وأطماعه فيها ورغبته الإجرامية في إحتلالها واقتسامها لم يكن ليتم أو ينطلق إلا لكونها جزءًا أساسيًا من بلاد الشام ودول الطوق المحيطة بفلسطين المحتلة حيث أقام النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي قاعدته العدوانية الإستعمارية على أرضها.

يترتب على هذا أن مصير سورية لا يتقرر بمعزل عن مصير بقية البلدان العربية ولا سيما بلاد الشام ودول الطوق المحيطة بفلسطين. يعني هذا ببساطة أن معركة سورية هي ذاتها معركة هويتها وتاريخها وهو ما فرضته وتفرضه الجغرافيا على كل قوى الأمر الواقع ولو لم تكن واعية لهذا أو عازفة عن عيه وفهمه لأسباب ذاتية تخصها ولا تنتمي للحقائق الموضوعية.

كما أن معركة هويتها هي ذاتها معركة حريتها وكرامة شعبها. فما حريتها المغتصبة إلا لصلتها العميقة المباشرة بدورها وفعاليتها الوحدوية الثورية في مواجهة كل عدوان عليها وعلى الأمة بأجمعها.

وهذا ما يفسر رعاية النظام الدولي بمجموعه للنظام المجرم المستحكم في سورية وتمسكها به في السلطة والتسلط على رقاب الشعب السوري.

إن الإنسان السوري الحر هو ذلك الإنسان العربي المتحرر من قيوده والقادر بالتالي على الإنتصار لقضيته وأمته ورد كل عدوان عليها.

كل هذا لا يتحقق بمعزل عن التمسك بهوية سورية التاريخية وشخصيتها الحضارية التي هي عروبتها.

إننا لا نطرح هذه المسألة إلا بعد أن بات التطاول على عروبة سورية متجاوزًا كل حدود الإنتماء والأخلاق أيضًا. ومع حرصنا البالغ على توحيد الصف الوطني في حركة وطنية موحدة جامعة إلا أننا لا نرى إمكانية موضوعية لذلك بالمواجهة مع العروبة وإنما بالتمسك بها والإصرار عليها بصرف النظر عن مدى إستخدامها كشعار مرحلي للعمل الوطني بمرادفاته التوحيدية أو غاياته الجامعة.

إن أية دعوة للوطنية السورية في مواجهة العروبة بحجة تقصير رسمي عربي أو تواطؤ رسمي عربي؛ لن يخدم القضية السورية ومطلب شعبها الأبدي: حرية. حرية.

إن ملتقى العروبيين السوريين ليس تجمعًا كميًا ولا إطارًا فئويًا لكنه دعوة مفتوحة مستمرة للإنفتاح الفكري والثقافي بين جميع تشكيلات العمل الوطني السوري وصيغه العملانية الميدانية وصولًا إلى صياغة عقد إجتماعي وطني جديد أساسه المواطنة السليمة في دولة العدل والقانون المدنية اللاطائفية..

إن إنقاذ سورية مهمة أكبر من جميع قوتنا موحدة فكيف إذا كانت مشتتة كما هو واقع الحال الراهن.

بمناسبة مؤتمرنا الخامس نؤكد على تكامل كل عمل وطني مخلص حر شريف مع كل دعوة تحررية عروبية مستقلة.

إن العروبة الجامعة هي طريق الإنقاذ على قاعدة وحدة العمل الوطني وتكامل قواه في إطار برنامج مرحلي محدد يؤطر العمل الوطني ويحدد أولوياته وأهدافه المرحلية التكتيكية والإستراتيجية.

نتشارك مع كل هم وطني وكل هم لكل مواطن سوري يتطلع لنيل حريته ورد كل عدوان عليه بعد أن دفع الثمن باهظًا من دماء أبنائه ومستقبل أجياله وشبابه.

فلنكن معًا يدًا واحدة لإنقاذ سورية التي تستحق منا تضحيات أكبر وتجاوزًا أكيدًا ثابتًا راسخًا لكل أنواع الفردية والذاتية والفئوية والنرجسية الذاتية. وإلا فالمصير الأسود يتربص بنا جميعًا جماعات وأفرادًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى