فيما تحتفي جل أركان الحزب الجمهوري الأميركي بفوز (دونالد ترامب) وعودته مجددًا إلى البيت الأبيض، إبان انتخابات أميركية، وصِفت بالتاريخية، يتطلع العرب وأهل المنطقة العربية، والشرق أوسطية، إلى انعكاسات ذلك على واقع فلسطين وسورية ولبنان، وكل المحيط الإقليمي والعربي. خاصة وأن المنطقة تمر منذ سنة ونيف بأكثر فتراتها دموية وعنفًا، واستباحة للدم الفلسطيني والعربي عامة، ضمن واقع إقليمي وعربي للنظام الرسمي غاية بالفوات وقلة الحيلة، وحال لا يخفى على أحد من مفاعيل غياب المشروع العربي وتغييبه كليًا، في مواجهة مشروعين خطرين على الأمة كل الأمة يتنافسان على اقتسام ثروات وموارد أمتنا، ويحققان نجاحات إثر نجاحات، في ظل هذا الغياب، والاستفراد الأميركي الصهيوني بالشعب الفلسطيني وشعوب الأمة العربية. ويبقى السؤال هل من أمل ما يمكن أن يرتجى أو يعيد ترتيب المنطقة على غير ما كانت ذاهبة إليه دمارًا واستلابًا وخرابًا في البنى والناس أيضًا. وهل يمكن أن تكون إدارة (ترامب) القادمة مختلفة عن إدارات أميركية سبقت.
أما الجواب المنطقي فيقول: إن كل الإدارات الأميركية المتعاقبة، سواء كانت للحزب الجمهوري أو الديمقراطي، لم تختلف في استراتيجياتها كثيرًا عن بعضها البعض، فهي تخدم بالضرورة أولًا وقبل كل شيء المصلحة الأميركية العليا المنجدلة كليًا مع مصالح ما يسمى الأمن القومي الإسرائيلي، وهذا كان وما يزال ديدن الاشتغال الغربي والأميركي في منطقتنا، منذ زمن بعيد، ولا يبدو أن هناك في الأفق أية تغييرات في الخطوط العامة للاستراتيجيات الأميركية، خلا بعض التكتيكات الوقتية التي لا تتعارض ابدًا مع المصلحة العليا الأميركية الإسرائيلية.
كما لا يجب أن يغيب عن مخيالنا أبدًا أن إدارة (ترامب) القادمة ستسير عل نفس نهج إدارته السابقة، عندما كان الرئيس الخامس والأربعين لأميركا، حيث نقلت إدارته سفارة الولايات المتحدة الأميركية إلى القدس، وهي أي هذه الإدارة نفسها من اعترفت بضم الجولان السوري المحتل للكيان الصهيوني الغاصب، ولابد من القول إن إدارة (ترامب) السابقة هي من اوقفت الدعم المالي والعسكري لبعض فصائل المعارضة السورية، وهي أيضًا من أكدت في كثير من الأحوال على أنها لا تريد تغيير نظام الإجرام في دمشق، بل تود تحسين سلوكه ليس إلا. وكان ذلك ردًا وصفعة في وجه بعض المعارضين السوريين الذين كانوا ومازالوا يحلمون بأن يأتيهم التغيير في سورية لنظام الفاشيست الأسدي، على يد الخارج، ويخصون بذلك إدارات أميركية بعينها.
وإذا كان (دونالد ترامب) من أشد المتشددين ضد المهاجرين إلى أميركا، من عرب أو مسلمين أو سواهم، فكيف يمكن أن يقف هذا الرئيس الأميركي إلى جانب العرب أو قضاياهم.
علاوة على أن الإدارة الأميركية في الولايات المتحدة عادة وقانونًا لا يحكمها فرد، كما هو الحال في بلاد الشرق، والعالم الثالث، بل هناك آليات ومؤسسات وإدارات متعددة ومراكز أبحاث ومراكز قوى، و(تروستات) و(كارتلات) وتخصصات، ومجلس شيوخ، ومحلس نواب، ولا يمكن أن يمر أي قرار أو قانون إلا عبر ذلك.
وإذا كان البعض يتوقع تهدئة في المنطقة والعالم، كما وعد (ترامب) في حملته الانتخابية، فلن تكون إلا على حساب الشعوب المقهورة ومنها شعوبنا العربية أو المسلمة. قد تقف الحرب في أوكرانيا بين الروس والأوكران، وقد ينعكس ذلك نسبيًا على الوجود الروسي في الساحة السورية، ومن الممكن أن تضع هذه الحرب أوزارها قريبًا في قطاع غزة ولبنان، لكن استمرار سيادة القطبية الواحدة في العالم حتى الآن ، سوف تعيد إنتاج ما يواكب ويتساوق مع مصالحها وانتصاراتها في حرب الإبادة النازية ضد شعوب المنطقة، وليس هناك من أنظمة عربية رسمية يمكنها أن تغير ولو نسبيًا من الإرادة الأميركية، والجبروت الأميركي المسيطر على العالم، هذه الإرادة العدوة دائماً لشعوبنا والحليفة على طول المدى للكيان الصهيوني، والمتفاهمة بشكل براغماتي مع إيران/الملالي، ولن تألُ إيران جهدًا في مد يد العون والمصالحة إلى إدارة (ترامب) حفاظًا على بقاء نظام الملالي ضمن خاصية المحافظة عل الأمن القومي الأميركي والإسرائيلي في آن واحد، وسط صمت مطبق من نظام (الممانعة) في سورية، الذي كان دائمًا يعتبر أن العدو بالنسبة له هو شعبه، وليس إسرائيل، ولا أميركا (الشيطان الأكبر)التي مازالت تحميه وتشغله في أتون الدور الوظيفي الذي يقوم به على أكمل وجه، منذ ما يقرب من ٥٤ عامًا مضت .
عودة ترامب لرئاسة الإدارة الأمريكية هل سيغير شيئ من توجهاتها تجاه قضايا امتنا العربية، أم سيعاد إنتاج ما يواكب ويتساوق مع مصالحها وانتصاراتها في حرب الإبادة النازية ضد شعبنا العربي؟ أمريكا قراراتها تمر عبر آليات ومؤسسات وإدارات متعددة ومراكز أبحاث ومراكز قوى، ومجلس شيوخ، ومحلس نواب، لذلك من يأمل التغيير بمواقفها يحلم.