ثمة فكرة شائعة تتداول منذ سنوات، ومن فرط رواجها لدى الدبلوماسية الغربية، انتقلت إلى السوريين أنفسهم، قسم كبير اقتنع بها. الفكرة هي عدم وجود بديل للأسد، فإذا كان الغرب قد وجدها حجة، لطرح تساؤل لا يني يتردد: مع من سنتحاور؟ ففي الواقع، كان في وارد التنصل من التزاماته تجاه الثورة الشعبية التي نادت بالديمقراطية، وتبرر تخليه عن أعباء سياسية واقتصادية، كذلك مراعاة استمرار عمل القنوات الأوربية المخابراتية مع النظام السوري.
بالمقابل، وإن كان على الخط نفسه، فَقَدَ قسم كبير من السوريين الثقة بالثورة، واستمرؤوا الشعور بالهزيمة، حتى طالت إبداء عجزهم، والحط من قدراتهم. في حين كان النظام على استعداد للحوار مع الشياطين، واستدراجهم إلى التفاصيل، بحيث يصبح المؤهل الوحيد لاستعادة عافية سوريا، ولو أنه السبب في صنع هذا الخراب الشامل.
بالنظر إلى الوضع الاقتصادي المنهار، لن يساعده الروس فذلك يكلف الكثير، وإذا كانوا لن يدفعوا، فالإيرانيون لن يستمروا في الدفع، كلاهما حصلا على ثمن بقاء النظام. بينما الغرب أزاح عن كاهله تورطه بالأزمة السورية.
الغرب يقول سياساتنا واضحة، نحن ضد الدكتاتوريات، وإذا لم نفعل شيئا، فلئلا تذهب البلاد إلى الفوضى، والحجة طبعا؛ عدم توافر بديل له. في الوقت نفسه يتجاهلون وجود البديل. في الحقيقة ثمة الكثير من البدلاء، ظهروا مرارا، وأحبطوا مرارا، قبل معرفة خيرهم من شرهم. لم يساعدوهم، بقدر ما عملوا على احتوائهم، ثم تيئيسهم خلال مفاوضات، كانت لا أكثر من ثرثرات غير مجدية، إلا في عرقلة الحلول المطروحة بدبلوماسية فضفاضة ومرنة، يُفهم منها بأننا معكم، لكننا لسنا معكم. وعلى هذا المنوال راوحت الأزمة السورية سنوات وسنوات، لم تخل من مساعدات إغاثية للمناطق المنكوبة، تبرئة لسمعة الديمقراطيات.
وإذا كان الخليج قد هب لمساعدة الثورة السورية، لكن الخليج نفسه لم تكن حكوماته متوافقة فيما بينها على خطة واحدة. كان متفرق الكلمة والفعل والمساعدات، حتى إن فصائل قاتلت فصائل وكل منهم لحساب دولة، ولم يكن قادة الفصائل إلا وكلاء لهم. بينما على الأرض كانت المساعدات الغربية القتالية، تسعى إلى ألا تحرز الثورة انتصارًا يضع نهاية للحرب، وكان عدم تقديم مضادات للطائرات على سبيل المثال، لئلا تقع في أيدي الإرهابيين، قد أدى إلى تزايد طلعات الطائرات ضد الأهالي والأسواق والأفران والمستشفيات، ما وضع الأميركان في دائرة الاتهام، ومن العجيب أنه سرعان ما استولت داعش على أسلحة أميركية كانت في مستودعات الثوار. وكأنها كانت مصداقا لمخاوفهم. ومن سخرية المصادفات وربما الحقائق، أن “داعش” بدت وكأنها تعمل بالتنسيق مع طائرات النظام وروسيا، وتنفذ تنبؤات الأميركان، ولم يكن في هذا أية مبالغة، كان واقع الحال، وهذا التفسير وارد.
ما يسترعي الاستغراب في تخاذل الغرب عن مساعدة ثورة الشعب جدياً، رغم إدراكه للحقوق الأساسية للبشر، وما كانت لتفوتهم، لكن جرى تجاهلها. إن الحرية والعدالة عوامل أساسية لقياس التكافل الإنساني في العالم لدى كل دولة تتمتع بنظام ديمقراطي، وتؤكدها في التعامل مع الشعوب. مع هذا لم تأخذ آلاف الوثائق والصور وشهادات شهود العيان، طريقها إلى محكمة دولية، لتنصف الضحايا من طغيان نظام، يعتقل ويقتل ويدمر وينهب كما يشاء.
لئلا نستطرد طويلا، البديل محاصر من الداخل والخارج. ففي الداخل يُختطف البديل، ويصبح مجهول المكان. مثلًا: عبد العزيز الخير أين هو الآن؟ كانت الخشية منه أن يشكل البديل المحتمل لرأس النظام. وكان في الواقع البديل المؤهل لإيقاف القتال، ومهما اختلفت المعارضة فهو المرشح الأقوى والمتوافق عليه. ما الذي فعله الغرب، ومعه روسيا والصين؟ لقد ارتاحوا من البديل. عشرات جاؤوا بدءا من المفكر برهان غليون إلى رجل الدولة عبد السلام حجاب، لم يجدوا الصدى المرتقب من دول الجوار، كذلك من الغرب.
هناك كثير من البدلاء من الأشخاص الوطنيين والمخلصين والذين على ثقافة واحساس بالمسؤولية، فهم ليسوا معجزة ولا عملة نادرة، ولا يقلون عن الجيل الذي سبقهم أمثال: هاشم الأتاسي وشكري القوتلي وخالد العظم وفارس الخوري ورشدي الكيخيا وإبراهيم هنانو وصالح العلي وناظم القدسي…. ومئات الشخصيات الذين حملوا على عاتقهم أعباء ما قبل الاستقلال وما بعده، قبل انقضاض العسكر على السلطة.
اليوم، ننظر إلى الوطن، فنرى المجرمين طافين على السطح من مخابرات وجلادين وعملاء ومنتفعي العمولات، وصانعي الكبتاغون، واللصوص والأنذال والزعران والأوغاد….. مجموعة من الأشرار. هذه التشكيلة بمختلف تنويعاتها تجمع بينها العقلية التشبيحية على مختلف الأصعدة، لا يشكلون رقمًا في تعداد السوريين، لكنهم قوة ضاربة مسلحة بالسجون والتعذيب والموت.
هؤلاء الشبيحة هم قادة البلاد، يحكمون سوريا، ويتحكمون بشعبها. فهل وجد فيهم العرب والغرب بديلا محاوراً؟
المصدر: موقع تلفزيون سوريا