السوريون شعب يستحق الحياة

أحمد زكريا

لطالما كانت سوريا، بتاريخها العريق وشعبها الصلب، رمزًا للصمود في وجه العواصف، وعلى مدى عقود، عاش الشعب السوري تحت وطأة تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية ألقت بظلالها على حياته اليومية، لكن هذا الشعب لم يفقد يومًا أمله في غدٍ أفضل.

اليوم، مع بوادر رفع العقوبات الدولية عن سوريا، تلوح في الأفق فرصة حقيقية لإعادة بناء وطن مزقته الحرب والعزلة، إنها ليست مجرد خطوة سياسية، بل بداية انفراج طال انتظاره، وبصيص أمل ينير طريق الشعب السوري نحو مستقبل يسوده الاستقرار والكرامة.

إذا ما عدنا بالزمن إلى الوراء، نجد أن سوريا عاشت عقودًا من التحديات التي شكلت واقعها المرير.

على الصعيد السياسي، هيمن نظام الحزب الواحد على مقاليد الحكم، مُحكمًا قبضته على الحريات العامة ومُقيدًا أي محاولات للتعبير عن الرأي أو التغيير. هذه السياسات المستبدة لم تترك مجالًا للحوار أو المشاركة السياسية، مما أدى إلى شعور بالإحباط العام بين أوساط الشعب.

على الصعيد الاقتصادي، عانت سوريا من خسائر فادحة نتيجة العزلة الدولية التي فرضت عليها بسبب تحالفاتها السياسية المثيرة للجدل.

ارتبط اسم سوريا بدول وصفت بـ”محور الشر”، مثل إيران، مما أدى إلى فرض عقوبات اقتصادية طويلة الأمد.

هذه العقوبات لم تؤثر فقط على النظام الحاكم، بل طالت الشعب السوري الذي عانى من تدهور الأوضاع المعيشية، وارتفاع معدلات الفقر، ونقص الموارد الأساسية. لقد أثقلت هذه العقوبات كاهل المواطن السوري، الذي وجد نفسه محاصرًا بين مطرقة العزلة الدولية وسندان الفساد الداخلي.

أما على الصعيد الاجتماعي، فقد شهدت سوريا تمزقًا في نسيجها الاجتماعي الذي كان يومًا متجانسًا.

تم تأجيج الطائفية والمناطقية والعرقية كأدوات لصرف الانتباه عن القضايا الأساسية، ولتعزيز هيمنة السلطة الحاكمة. هذه السياسات زرعت بذور الانقسام في المجتمع السوري، مما جعل التحديات أكثر تعقيدًا.

ارتبط اسم سوريا بدول وصفت بـ”محور الشر”، مثل إيران، مما أدى إلى فرض عقوبات اقتصادية طويلة الأمد.

مع اندلاع الثورة في عام 2011، دخلت سوريا مرحلة جديدة من المعاناة، حيث استمرت حرب نظام الأسد الضروس لمدة أربعة عشر عامًا، واجه الشعب السوري نظامًا مستبدًا مدعومًا بقوى خارجية، في ظل عزلة دولية خانقة.

رغم ذلك، أظهر الشعب السوري صمودًا أسطوريًا، لقد قاوم السوريون بكل ما أوتوا من قوة، مدفوعين بحلم الحرية والكرامة، كانت المعارك التي خاضها الأحرار والثوار ملحمة حقيقية، حيث ضحوا بالغالي والنفيس من أجل وطن يعيش فيه الجميع بأمان وسلام.

هذا الصمود لم يكن مجرد مقاومة عسكرية، بل كان تعبيرًا عن إرادة شعب رفض الاستسلام لليأس. في ظل الحصار والعقوبات والدمار، واصل السوريون الحفاظ على إنسانيتهم، متمسكين بأملهم في مستقبل أفضل.

لقد كانت هذه السنوات العجاف اختبارًا قاسيًا لروح الشعب السوري، لكنه أثبت أنه شعب يستحق الحياة.

اليوم، نشهد بوادر تغيير إيجابي مع رفع العقوبات عن سوريا، هذه الخطوة ليست مجرد قرار سياسي، بل هي بداية لتحول جذري قد يعيد سوريا إلى خريطة العالم كدولة فاعلة، لقد بدأت سوريا تخرج من عنق الزجاجة، حيث أصبحت محجًا للوفود العربية والدولية التي تزورها لعقد صفقات إعادة الإعمار.

هذه الزيارات ليست مجرد رحلات دبلوماسية، بل هي إشارة واضحة إلى أن سوريا بدأت تستعيد مكانتها في المجتمع الدولي.

مشروع مارشال الذي يُلوح في الأفق يمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء سوريا. هذا المشروع، الذي يهدف إلى إحياء الاقتصاد السوري وإعادة إعمار البنية التحتية، قد يكون الشرارة التي ستغير حياة السوريين نحو الأفضل.

إن إعادة الإعمار ليست مجرد بناء جسور ومبانٍ، بل هي بناء مستقبل يتسع لأحلام الشباب، ويوفر الأمان للعائلات، ويعيد الأمل للأجيال القادمة.

إن رفع العقوبات وانفتاح سوريا على العالم يفتحان الباب أمام إمكانيات هائلة.

سوريا، بموقعها الجغرافي الاستراتيجي وتاريخها الغني، تملك كل المقومات لتصبح مركزًا إقليميًا للتجارة والثقافة والاستقرار.

هذا الانفتاح سيسمح بتدفق الاستثمارات، وإعادة بناء البنية التحتية، وخلق فرص عمل لملايين السوريين الذين عانوا من البطالة والفقر.

علاوة على ذلك، فإن استعادة الاستقرار في سوريا سيكون له أثر إيجابي على المنطقة بأسرها. سوريا المستقرة والمزدهرة قادرة على أن تكون جسراً للتعاون بين الدول العربية والمجتمع الدولي، مما يعزز السلام والتنمية في المنطقة.

إن استقرار سوريا ليس مجرد مصلحة وطنية، بل هو مصلحة إقليمية وعالمية.

في خضم كل هذه التحديات، يبقى الشعب السوري هو البطل الحقيقي لهذه القصة.

لقد أثبت السوريون أنهم شعب لا يُقهر، قادر على مواجهة أصعب الظروف والخروج منها أقوى. إن صمودهم في وجه الحرب والعزلة والمعاناة هو شهادة على قوة إرادتهم وتمسكهم بالحياة.

اليوم، ومع بداية هذا الفصل الجديد في تاريخ سوريا، حان الوقت لمنح هذا الشعب الفرصة التي يستحقها. إن رفع العقوبات وانطلاق مشاريع إعادة الإعمار هما خطوات أولية نحو تحقيق العدالة لهذا الشعب الذي قاسى الكثير، إنهم يستحقون وطنًا آمنًا، حرًا، ومزدهرًا، يعكس طموحاتهم وتضحياتهم.

سوريا اليوم تقف على أعتاب مرحلة جديدة، مليئة بالتحديات ولكنها محفوفة بالأمل.

إن رفع العقوبات وانفتاح العالم على سوريا هما بداية الطريق نحو استعادة الكرامة والاستقرار، فالشعب السوري، الذي صمد في وجه كل الصعاب، يستحق أن يرى النور في نهاية النفق، لذلك دعونا نعمل جميعًا (شعوبًا ودولاً) على دعم سوريا في رحلتها نحو الإعمار والازدهار، لأن السوريين ليسوا فقط شعبًا يستحق الحياة، بل هم شعب قادر على بناء مستقبل يليق بتضحياته.

مرت سنوات الحرب، وظل الشعب السوري يدفع الثمن، قُتل الآلاف، وهُجر الملايين، ودُمرت المدن والقرى، بينما بقي الإنسان السوري في صميم المعاناة، محاصرًا بين القصف والجوع والخوف. لكنه ظل صامدًا، لا لأنه يريد الحرب، بل لأنه يبحث عن حياة تستحق أن تُعاش.

الشعب السوري ليس مجرد إحصائية في تقارير المنظمات الإنسانية، ولا هو رقم في قائمة اللاجئين، إنه إنسان له أحلام، له طموحاته، له حقه في أن يعيش بكرامة، حقه في أن يذهب إلى المدرسة، أن يعمل، أن يبتسم، أن يحلم بمستقبل لا يخفي خلفه خطر الموت أو الاعتقال.

لقد عاش هذا الشعب كل أشكال الألم: فقد الأبناء، تفتت العائلات، انعدام الأمن والأمان، ومع ذلك، ما زالت هناك شرارة أمل في عيون الكثيرين، شرارة تقول إن الحياة تستحق المحاولة، وأن المستقبل يمكن أن يكون أفضل إذا أعطي لكل مواطن فرصة حقيقية ليعيش.

الحديث عن استحقاق الشعب السوري للحياة ليس موقفًا سياسيًا، ليس دعوة للشفقة، هو ببساطة اعتراف بحقيقة بديهية: لا يُعقل أن يظل هذا الإنسان رهينة للصراعات والحسابات الخارجية، هو بحاجة إلى سلام حقيقي، إلى عفو عام، إلى بنية تحتية تُعاد، إلى مجتمع يُضمّد جراحه ويبدأ من جديد.

نعم، الشعب السوري يستحق الحياة، يستحق أن يعود إلى بيته، إلى عمله، إلى كرامته، واستحقاقه لهذا الحق البسيط لا يحتاج إلى نقاش، بل إلى إرادة حقيقية من الجميع لإعادة بناء ما دُمر، وترك الماضي المؤلم خلفنا، والبدء بمستقبل يجمع ولا يفرق.

نعم، الشعب السوري يستحق الحياة، يستحق أن يعود إلى وطنه دون خوف، أن يبني بيته مرة أخرى، أن يفتح مدرسة لأطفاله، وأن يحلم بمستقبل لا يحمل اسم الحرب، ولن يكون هذا إلا إذا قرر الجميع أن الإنسان أولى من المصالح، وأن الحياة ليست امتيازًا، بل حق يجب أن يُعطى دون شروط.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى