تغيير معادلة الصراع مع نظام الأسد لا تحتمل الركون إلى دور المجتمع الدولي في حلها، بل يمكن تغيير هذه المعادلة من خلال تطوير عمل قوى الثورة والمعارضة لترتقي إلى مستوى قلب المعادلة القائمة لصالح الشعب السوري وثورته.
“نداء بوست” التقى المعارض السوري فايز سارة، والذي نشط قبل الثورة وبعدها في مجال إحياء المجتمع المدني في سورية، وأسهم في المشهد السياسي السوري طويلاً، وفي حقول عدة.
لا اتفاقات بعمل الدستورية
انخراط نظام الأسد في مفاوضات الدستورية هو مجرد عملية لتضييع الوقت، هكذا يرى سارة الأمر، يقول: جاءت نتائج الجولة السادسة للجنة الدستورية لتؤكد على هامشية وضلالة هذه الجهود، وأن العملية مجرد تضييع وقت وملء الفراغ بالضجيج، مضيفاً: إن الجهود الدولية دون أيّ تقدُّمٍ في أيٍّ من سِلال القرار الدولي، لذلك يمكن القول: لم تتحقق أي نتائج ملموسة.
وبرأي سارة: ما تحقق هو جملة أكاذيب وادِّعاءات حول احتمالات حلٍّ، لكن لا اتفاقات مثلما نرى، فكل جلسة تنتهي بوجود أوراق، بدون أن يُقَرّ أي منها.
وحول دور الولايات المتحدة في المسألة السورية يعتقد سارة أن: “القضية السورية اليوم ليست في سُلَّم الاهتمامات الأساسية للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ليس سرّاً، وليس اكتشافاً، بل هي حقيقة الأمريكان. وأنهم لن يتركوا القضية السورية بعيداً عن مُتناوَل أيديهم، سواءً من خلال الاهتمام السياسي، أو من خلال وجودهم الرسمي العسكري بمنطقة شمال شرق سورية، عَبْر “قوات سورية الديمقراطية” وعَبْر العلاقات التي ينسجونها مع مختلف الأطراف.
ويُحدِّد سارة هذه الأطراف التي يتعامل معها الأمريكيون على أنها إسرائيل وتركيا والعرب، ولكنهم بانتظار تطوُّرات داخلية في الملف السوري، أكثر من تطوُّرات بتأثيرهم هم، أو بتأثيرات إقليمية، أي عَبْر تطوُّرات داخلية، يمكن أن تدفع الأطراف المختلفة داخل سورية إلى حلٍّ، فيأتي الأمريكيون ويصيغون هذا الحل.
لا دَوْر للمُعارَضة
وحول دور المُعارَضة في معادلة الصراع السوري وحلّه، يقول فايز سارة: الحديث اليوم عن دور للمُعارَضة في الحل السوري هو حديث غير طبيعي وغير واقعي، هو حديث عن أوهام، حسَب رأيه، مضيفاً: صحيح أن المُعارَضة تجلس تنتظر الموقف الغربي، وكيف يمكن أن يتمخض عنه نتائج تحركات أو جهود للحل في سورية.
المعارضة وَفْق ما يقوله سارة: “تنتظر أي حلٍّ يأتي من الشرق أو الشمال أو الغرب أو الجنوب، فهي -أي المعارضة- تنتظر حلاًّ مَا يأتي، وبرأيه غالباً ستوافق هذه المعارضة على حلول كهذه؛ لأنها ضعيفة وهشَّة ولا مكان لها إذا ما جرى توافُق بين الأطراف الدولية”.
ويرى سارة: أنه حتى يحين التوافق، فعلى المعارضة وكذلك السوريون يجب أن يشتغلوا، من أجل تطوير قُوًى سياسية واجتماعية وجماهيرية، تقلب هذه المعادلة، وهذا أمرٌ ليس سهلاً، خاصة في ظل الواقع الحالي، ولكن ليس أمامنا حلٌّ ثانٍ، سيما وأن الطريق الآخر هو مَا يُوصلنا لمزيدٍ من الهشاشة والضعف والالتحاق بالأطراف الفاعلة، وهذا يتنافى مع طموحات السوريين لجهة الحل أو لجهة تحقيق أهداف الثورة الأساسية.
سيناريوهان للحل في سورية
وسألنا سارة عن السيناريوهات الأكثر واقعية للحل السياسي في سوريا، فقال: بالنسبة للسيناريوهات الموضوعة للقضية السورية لدينا اثنان، الأول هو الذهاب إلى حلٍّ سياسي إقليمي دولي، وهذا الحل حيِّزه واسع، يمتد ما بين الإرادة الدولية، معبّراً عنها بالقرار الدولي 2254 وبـ جنيف1، أو الحل الروسي الذي يطرحه الروس ويشتغلون عليه بدَأَبٍ.
ويعتقد سارة أنه ربما تكون بين الحلَّيْنِ مسافة معينة، تقف عندها الجهود، وتتفق الجهود الإقليمية الدولية عليها، حيث تمضي بحل يُفترض أنه ينشغل عليه.
لكن “سارة” يرى أن الصراع اليوم يذهب بالبلاد، أي بسورية إلى مزيدٍ من الضعف والتفتت والمعاناة والأسوأ، لذلك تكون مصلحة السوريين الأساسية هي وقف هذا التدهور، حيث يمكن أن يكون جزءٌ منه بالتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية، وَفْق رُؤى ومصالح عامة للسوريين، وجزء آخر منوط بالسوريين أنفسهم، وهو إعادة بناء الذات السورية، ومواجهة مهمات الواقع اليوم ومستقبل سورية.
حروب علنية وخَفِيَّة في سورية
وحول التناقضات الكبيرة بين تركيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية حِيال الملف السوري، واحتمال وقوع حرب تعديل للمواقع على الأرض السورية، حرب تقوم بها تركيا ضد قوات سورية الديمقراطية، أو ضد النظام وحلفه الروسي الإيراني، يقول الأستاذ فايز سارة: من المؤكد أن هناك تناقضات كبيرة اليوم ومختلفة، بحيث يمكننا القول إنه تمّت حروب معلنة، كما تمّت حرب خفية في سورية، وأقصد هنا كتلة النظام وتحالُفه، فهذه الكتلة في داخلها صراعات بين الروس والإيرانيين، وصراعات بين أطرافٍ في النظام والروس، إلى آخِره من الصراعات.
ويعتقد سارة أن كل واحد من الأطراف يحاول أن يحسن موقفه ومكانته، وهذا لا ينطبق على معسكر النظام فحَسْبُ، وإنما على الأطراف الأخرى، مضيفاً: وَفْق ذلك يمكننا رؤية الصراعات والتناقضات بين روسيا اليوم وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، واستخدام الأطراف المحلية من “قسد” إلى فصائل من الجيش الوطني، على الميليشيات المختلفة، مثل “هيئة تحرير الشام”، كلها ستكون أطرافاً في صراعات القوى الأخرى، وأحياناً ستتقدم هذه القوى المُشاركة الرئيسية بقوتها وأجهزتها العسكرية والسياسية لتخوض عَبْر المعارك على نحو ما يمكن أن يحصل لتركيا بمعركة محتملة أو قريبة مع “قسد” من أجل إعادة ترتيب الوضع الميداني وميزان القوى السياسية في سورية.
الروس على شرق الفرات
من جهة ثانية وفي سؤالنا عن دور روسي في شمال سورية يقول سارة: هذا الأمر غير محصور بتركيا، الحقيقة أن الروس يفعلون في هذه المنطقة لتحسين وضعهم، وتحسين موقفهم عَبْر الهجوم على هذه المناطق، لتحطيم ما تبقى من قوة الفصائل التي يتهمها الروس بأنها قوة إرهابية، وبالتالي يجب أن تزول.
ويرى سارة أن حروباً كهذه سيكون لها أثر خطير جداً، فالحقيقة أن ما يجري في سورية هو تفتيت للكيان والشعب السوري، وتدمير ممنهج لكليهما، وهذا يمكن أن ينتقل إلى دول المنطقة، حيث ستكون مرشّحة لذلك.
والحل برأي سارة هو الدخول بعلاقة إصلاحية بين الحاكم والمحكوم، أي إصلاح النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، وإصلاح العلاقات البينية بين الدول والشعوب، أي وَقْف الاقتتال وحالة الكراهية، والذهاب إلى مستوى من التوافُقات والعلاقات الجيدة التي تسمح بتطوير مشترك.
المصدر: نداء بوست