أخذت الأحداث التي تشهدها العاصمة بغداد تسير نحو “منزلقات خطيرة”، بعدما ظهرت تهديدات صريحة وعلنية من المتظاهرين المحتجين على نتائج الانتخابات ضد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وقادة في الأجهزة الأمنية العراقية، ولا سيما أنها جاءت في ظل تحرك سياسي قاده زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، متصدر الفائزين، مع كتل سياسية لها ثقل في الساحة.
قرب محيط المنطقة الخضراء حيث مقرات السفارات والمراكز الحكومية، “بيئة مسلحة” وسط الأهالي والمحال التجارية. بداية مدخل منطقة الكرادة وسط العاصمة، تتكون من جبهتين: الأولى تضم جماهير للأحزاب الخاسرة في الانتخابات وغالبيتهم من “الحشد الشعبي”، والأخرى تتمثل بالأجهزة الأمنية المختلفة وأبرزها قوات جهاز مكافحة الإرهاب، وقوات مكافحة الشغب.
يوم الجمعة في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، نشبت صدامات مسلحة بين مناصري الأحزاب الخاسرة والقوات الأمنية، بعد محاولات من المحتجين لاقتحام المنطقة الخضراء، ما أسفر عن مقتل متظاهر من “الحشد الشعبي” وإصابة العشرات من الطرفين.
وجاءت هذه الأحداث عقب جولة سياسية لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في بغداد، شملت لقاءات مع زعماء سياسيين بارزين، إذ زار زعيم تحالف “تقدّم” محمد الحلبوسي الذي حصد نحو 40 مقعداً، وزعيم “تيار الحكمة” عمار الحكيم، وزعيم “ائتلاف النصر” حيدر العبادي (والأخيران خاضا الانتخابات معاً ضمن تحالف “قوى الدولة المدنية” الذي جاءت نتائجه مخيّبة)، إضافة إلى الوفد الذي يمثل “الحزب الديموقراطي الكردستاني” الذي تصدّر نتائج الساحة الكردية، في حين لم يلتق الصدر أيّ طرف سياسي مقرب من إيران.
وربط محللون عراقيون تلك الأحداث مع زيارة الصدر الأخيرة لبغداد، حيث قال رمضان البدران إن “التوتر الذي شهدته بغداد كان الهدف منه توجيه رسالة الى زعيم التيار الصدري ومباحثاته الأخيرة مع الأكراد والسنّة”.
ويضيف المحلل السياسي أن “زعيم التيار الصدري يحاول جاهداً تأسيس حكومة أغلبية تتبنى منهجاً حقيقياً في مسار العملية السياسية”، لافتاً إلى أن “الصدر يبحث عن شركاء يكملون مشواره في الاصلاح الذي يدعو اليه”.
ويقول إنه “في حال اتجهت الأمور إلى ما كانته في السابق (أي الحكومات التوافقية) سيعود الاحتقان في الشارع العراقي من جديد، لذا نتمنى من زعيم التيار الصدري الخروج من الموروث السياسي الماضي والذهاب نحو تشكيل حكومة وطنية تلبي رغبات الشارع العراقي”.
ويقول عضو “الحزب الديموقراطي الكردستاني” مهدي عبد الكريم إن “المحادثات التي أجراها الوفد الكردي برئاسة هوشيار زيباري مع التيار الصدري في بغداد هي لأجل الوصول الى تفاهمات واتفاقات ما بعد التصديق على نتائج الانتخابات”.
ويوضح عبد الكريم لـ”النهار العربي” ان “زيارة الوفد الكردي الى بغداد كان يراد منها التهدئة بين الكتل السياسية وخصوصاً الشيعية”، بالإضافة الى ذلك فإن حكومة أربيل “تريد ضمان حصصها الاقتصادية في الحكومة المقبلة”.
ووصف المحادثات مع التيار الصدري بـ”المثمرة والجيدة”، الأمر الذي يعدّه مراقبون سياسيون مؤشراً إلى الشروع في تشكيل تحالف سياسي كبير.
إلى ذلك، أفادت مصادر مطلعة لـ”النهار العربي” بأن “محادثات زعيم التيار الصدري مع قوى سياسية مؤثرة في بغداد، حققت نتائج ايجابية بما يخص تشكيل تحالف سياسي يجمع تياره بالمكونات السنية والكردية الفائزة في الانتخابات، الأمر الذي أثار حفيظة القوى السياسية الشيعية الأخرى الخاسرة، والتي دفعت جماهيرها للتصادم مع القوات الأمنية بهدف زعزعة الأمور وإيصال رسالة الى الصدر”.
ومع أخبار الاشتباكات المسلحة والصدامات عند أبواب المنطقة الخضراء، خرج حساب “تويتر” لـ “صالح محمد العراقي” الذي يُعرف بصفة “وزير الصدر”، بتغريدة غاضبة، ورد فيها: “قطعَ سماحته زيارته للعاصمة بغداد، إستنكاراً لِما يحدث من عُنف غير مُبَـرَّر، ومن إضعاف الدولة المُتَعَمَّـد… فلذلك نسترعي انتباهكم. وعلى أتباع آل الصدر الكِرام، أنْ يلتزموا بالهدوء، والتحلّي بأعلى درجات ضبط النفس”.
وعلى وتيرة الأحداث غير المسبوقة، ظهرت تحريضات “علنية وصريحة” نشرتها منصات عبر “التلغرام” من ضمنها قناة “صابرين نيوز” المحسوبة على الفصائل الموالية لإيران، ضد قادة في الأجهزة الأمنية الرسمية. وسرعان ما حمل متظاهرون صوراً لشخصيات أمنية “مطلوبة” محمّلينها مسؤولية إعطاء الأوامر بإطلاق النار على التظاهرات، بالإضافة إلى تمزيق صور لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
ورصد “النهار العربي” منشورات عدة لـ”صابرين”، أحدها يذكّر بعملية اغتيال ضابط في جهاز المخابرات العراقي على يد مسلحين مجهولين بمنطقة البلديات، مطلع حزيران الماضي.
وتضمن أحد منشورات “صابرين” قبل أن يتم حذفه، تهديداً علنياً ورد فيه “سنجعلكم تدفعون الثمن، سنقتص منكم واحداً تلو الآخر… ستعيشون باقي أيام حياتكم وأنتم تتلفتون يميناً ويساراً، تذكروا تويوتا البلديات جيداً”، في ما رآه خبراء أمنيون اعترافاً صريحاً بجرائم سابقة.
ويعتقد الخبير الأمني العراقي ربيع الجواري في حديث مع “النهار العربي” بأن “التحريض الصادر من قبل إعلام الميليشيات ضد القادة الأمنيين يحمل بصمات واعترافات واضحة ورسائل خطيرة لأمور قد تحصل في المرحلة المقبلة”، داعياً القائد العام للقوات المسلحة والجهات المختصة الأخرى الى “التحقيق في الأمر ومتابعته وعدم التساهل فيه، لأن ذلك مؤشر إلى طريق خطير سلكته الجماعات المسلحة ضد الأجهزة الأمنية ولا سيما جهاز المخابرات الوطني الذي بات مستهدفاً من تلك الميليشيات”.
وفور تصاعد حدة التحريض ضد قادة أمنيين، أجرى زعيم “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي لقاءات مع العبادي ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، وقيادات أمنية، للتباحث في شأن التطورات الأخيرة.
وزاره وفد حكومي رفيع برئاسة وزير الداخلية عثمان الغانمي ورئيس أركان الجيش عبد الامير يار الله، وقد تعهدا بالكشف عن حقيقة ما جرى ومن استهدف المتظاهرين.
وفي تعليق لـ”النهار العربي” يرى الكاتب السياسي العراقي غيث التميمي في لقاءات الخزعلي “مؤشرات إلى تسوية” محتملة.
ومساء اليوم السبت أقام المتظاهرون قرب أحد مداخل المنطقة الخضراء مجلس عزاء حداداً على من سقط منهم في مواجهات الأمس، وكان لافتاً حضور وزير الداخلية وقيادات أمنية، بالإضافة إلى الخزعلي وعدد من قادة الفصائل المسلحة. وقال الخزعلي إن “استهداف المتظاهرين جاء بتوصيات سياسية ولضباط معينين”.
المصدر: النهار العربي