يحذر مستشرق إسرائيلي من هشاشة اتفاقات التطبيع مع دول خليجية وينوه ويتساءل في مقال نشرته صحيفة “ماكور ريشون” المقربة من المستوطنين عن قرب نهايتها مشيرا للدور الإيراني المتصاعد في المنطقة.
وبعد التساؤل عن نهاية اتفاقات أبراهام يقول المحاضر الجامعي والمحلل للشؤون السياسية دكتور مردخاي كيدار إن وكالة الأنباء الفرنسية نقلت عن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي في خطاب ألقاه في طهران وبثه التلفزيون الإيراني قوله إن “الدول العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل في السنة الماضية يجب أن تعود عن قراراتها”.
وأضاف: “للأسف الشديد بعض هذه الحكومات أخطأ أخطاء كبيرة، كما أخطأ بتطبيع علاقاته مع النظام الصهيوني الوحشي. ما جرى هو ضد الوحدة الإسلامية ويجب على هذه الدول التكفير عن الأخطاء الكبيرة التي اقترفتها”. وينوه المستشرق الإسرائيلي كيدار إلى أن هذه الأخبار لم تُثِر في إسرائيل ردودا أو تغطية كبيرة رغم أنه كان يجب أن تهزها شعبا وحكومة وإعلاما، وكذلك كل الذين يحتفلون بـ“اتفاقات أبراهام” منذ أكثر من عام وكأنها محفورة في الصخر ولا شيء في العالم يمكنه أن يعيدها إلى الوراء، أو يحد منها، أو يلغيها”.
وبرأي كيدار هناك في الواقع طرفان قادران، وأخطر من ذلك، هما يريدان تقليص “اتفاقات أبراهام”، وحتى إبطالها، إلى جانب الفلسطينيين، أي السلطة الفلسطينية و”حماس” معا: هذان الطرفان هما إيران ومسؤولون رفيعو المستوى في إدارة بايدن يستمدون الوحي من بعض الإسرائيليين الذين ما زالوا يؤمنون بوهم “شرق أوسط جديد”.
ويقول إن إيران لم تبارك قط “اتفاقات أبراهام”، والكلام الذي أوردناه أعلاه ليس صادرا عن مسؤول صغير، بل عن المرشد الأعلى الذي تتحول كل فكرة من أفكاره إلى خطوات حقيقية بالنسبة إلى أتباعه. ويضيف “لأنه قال إن على الدول العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل العودة عن قراراتها”، يمكن أن يترجم أنصاره هذا الكلام إلى خطوات على الأرض. حتى كتابة هذه السطور لم نسمع عن خطوات حقيقية اتخذتها إيران ضد الإمارات والبحرين، لكن ما يفكر فيه المرشد الأعلى بشأن هذه الدول واضح وعلني ومعروف وثابت”.
نشوة الاحتفال
ويقول كيدار أيضا على غرار مراقبين إسرائيليين آخرين من مواقع عقائدية مختلفة إنه في المقالات التي كتبها خلال السنة الماضية حذر كل المحتفلين من نشوة الاحتفال لأن هذه الاتفاقات يمكن أن تتعرض لانعطافة سلبية في اللحظة التي تلمح فيها إيران إلى الإماراتيين بأن “الاحتفال انتهى”، وإذا لم يفهموا التلميح الكلامي فيكفي سقوط صاروخ في صحراء أبو ظبي كي يقتنع أبناء الإمارات بأن الصاروخ المقبل سيسقط على منشأة نفط ويتابع “وهم ليسوا مستعدين للتضحية بمصدر حياتهم على مذبح علاقاتهم مع إسرائيل”.
ويرى أن إيران ستفعل ذلك عندما يشعر زعماؤها بالثقة الكافية، وفي الأساس إذا نجحوا في جذب الإدارة الأمريكية إلى مفاوضات لرفع العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي. محذرا من أنه بعد مرور لحظات على توقيع الاتفاق، وعلى التقاط صورة المشاركين الأمريكيين والإيرانيين مع ابتساماتهم العريضة، سيشعر الإيرانيون بأنهم وضعوا الأمريكيين في جيبهم، وبأنهم أحرار الآن ويستطيعون أن يفعلوا في الشرق الأوسط ما امتنعوا من القيام به طوال الأعوام الخمسة الأخيرة، منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض.
كيدار المعروف في معاداته للعرب والمسلمين وبمواقفه المتشددة يدعي أن الإيرانيين يعلمون جيدا بأنه يوجد أشخاص ضد “اتفاقات أبراهام” في الإدارة الأمريكية، وبين ممثلي الحزب الديمقراطي في الكونغرس، وفي مجلس الشيوخ، لأن هذه الاتفاقات همشت الموضوع الفلسطيني والتفت عليه. موضحا أنه بالنسبة إلى أعضاء في الكونغرس، مثل إلهان عمر ورشيدة طالب وألكسندريا كورتيز وبرني سندرز، في إمكان إسرائيل أن تذهب إلى الجحيم ويضيف “هناك أشخاص في وزارة الخارجية الأمريكية أيضا تسري القضية الفلسطينية في دمهم: هادي عمرو، روبرت مالي، ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن. بالنسبة إليهم، “اتفاقات أبراهام” أضرت بالدفع قدما بـ”القضية الفلسطينية” على طريق الدولة، على الرغم من أن ليس لديهم أي إمكان لمنع تحول هذه الدولة الفلسطينية إلى “حماستان” ثانية، سواء من خلال انتخابات مثل تلك التي جرت في سنة 2006، أو من خلال السيطرة العنيفة، مثل التي حدثت في غزة في حزيران/يونيو 2007.
الخارجية الأمريكية
ويعتبر كيدار أن النهج السلبي لوزارة الخارجية الأمريكية حيال “اتفاقات أبراهام” برز في 25 تشرين الأول/أكتوبر عندما قال الناطق بلسانها نيد برايس إن الانقلاب العسكري في السودان يستدعي إعادة فحص تقدم التطبيع بين السودان وبين إسرائيل، والموقع قبل عام ضمن إطار “اتفاقات أبراهام”.
ويتساءل لكن ما هي العلاقة بين الانقلاب العسكري في السودان وبين التطبيع بينه وبين إسرائيل؟ وهل إسرائيل مسؤولة عما يجري في السودان؟ وعن ذلك يضيف بلهجة لا تخلو من السخرية “التفسير هو أن الإدارة الأمريكية تعتبر الديمقراطية وحقوق الإنسان من أهم المبادئ، وإذا استولى الجيش في دولة معينة على السلطة، فعندئذ يجب على كل دول العالم تجميد علاقاتها مع هذه الدولة، وهذا هو سبب الضغط على إسرائيل لتجميد الفصل السوداني من “اتفاقات أبراهام”.
سوء فهم أساسي
ويقول كيدار إنه في 28 تشرين الأول/أكتوبر تحدثت المراسلة السياسية للقناة الإسرائيلية الرسمية عن عمليات جس نبض إسرائيلية تجري مع الإمارات بهدف إشراكها في دفع رواتب قادة “حماس” بدلا من قطر. ويتابع “بعد عملية “حارس الأسوار” توجه عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى الإمارات لفحص ما إذا كانت الإمارات مستعدة لتمويل الرواتب التي تحول إلى “حماس”. هذا الكلام لا يوضح ما إذا كان هذا التوجه جرى في أثناء وجود حكومة بنيامين نتنياهو أو خلال ولاية حكومة نفتالي بينت. في جميع الأحوال، مَن قرر التوجه إلى الإمارات يعاني عدم فهم أساسيا للشرق الأوسط. في الإمارات كما في السعودية يعتبرون تنظيمات الإخوان المسلمين، وعلى رأسها “حماس”، عدوا أكثر خطرا من العدو الإيراني”.
ويخلص المستشرق الإسرائيلي للقول “إذا شعرت إيران في المستقبل بأنها ارتاحت من الضغوط الاقتصادية والعسكرية، وخصوصاً إذا كان لديها “بطاقة تأمين” على صورة اتفاق نووي وقنبلة نووية، حينها ستبدأ بالضغط على الإمارات والبحرين لتقليص “اتفاقات أبراهام”، وربما الضغط عليهما لتقديم المال رغماً عنهما إلى سلطة “حماس” في غزة.
المصدر: “القدس العربي”