يترقب الشعب السوري بمزيد من القلق والتخوف، احتمالات باتت متوقعة لإقدام النظام السوري ومن معه من داعمين على عملية عسكرية همجية جديدة نحو محافظة إدلب، ومحيطها، وسط ترقب آخر من عملية عسكرية أخرى تقوم بها القوات التركية والجيش الوطني نحو مناطق شمال شرق سورية أو منبج أو تل رفعت. يمكن أن تكون هي الأقرب للتحقق فيما لم تفلح لقاءات القمة القادمة بين بايدن وأردوغان، وفيما لو ظلت سياسات الإتحاد الروسي في سورية منفلتة من عقالها، وممسكة بالخيار العسكري وفقط العسكري، بتسويفات وووعود في اللجنة الدستورية تارة ومسارات أستانا تارات أخرى.
السكان في إدلب الذين تجاوز عديدهم ال 3 مليون نسمة، مؤلفين من سكان أصليين وآخرين قامت قوات النظام السوري ونتائج أستانا ومناطق خفض التصعيد بتهجيرهم قسريًا من كل المناطق السورية الأخرى التي قضمتها قوات المجرم الأسدي. السوريون يتخوفون من محرقة جديدة بحقهم، وهم الذين عانوا ومازالوا من عمليات خرق مستمرة لاتفاق 5 آذار/ مارس 2020، وكان أهمها مافعلته يد الإجرام الأسدي مؤخرًا في مدينة أريحا، من ارتكاب المجزرة المروعة التي راح ضحيتها 14 شهيدًا وأكثر من أربعين جريحًا، نسبة كبرى منهم من الأطفال الذين كانوا يتوجهون صبيحة ذلك اليوم إلى مدارسهم، ففاجأتهم همجية النظام بقذائفها تنهال عليهم، حيث يقطن في مدينة أريحا هذه الأيام ماينوف عن 100 ألف من المدنيين.
تخوف ينتج بالضرورة عن أن هذا النظام كان ومايزال لايلتزم بأية إتفاقات أو تفاهمات، وليس له عهد ولا ذمة، وتشبهه في ذلك الدولة التي تدعمه روسيا ومعها دولة الإحتلال الفارسي إيران الأكثر همجية وحقدًا. ولأنه لا ملاذ، ولم يعد من مكان للتهجير يمكن أن يتوجهوا إليه، ولأن المجتمع الدولي وأوله أميركا لم تعد مهتمة بالواقع السوري والمسألة السورية برمتها، وهمها الأساس محاربة تنظيم (داعش)، ودعم ال (ب ك ك)، وكذلك الحفاظ على أمن إسرائيل، لذلك فإن التخوف الشعبي في محله، واحتمالات الحرب وهمجيتها مابرحت قاب قوسين أو أدنى من التحقق، طبعًا إن لم تجر تفاهمات كبرى بين الروس والأتراك، وكذلك بينهما والإدارة الأميركية.
في وقت باتت فيه أوضاع الناس السوريين عمومًا في حالة لم تمر على المنطقة، ولم يشهدها الشعب السوري على مر التاريخ الحديث، جراء هذه المقتلة الأسدية المستمرة، وذاك التخلي الدولي والإقليمي عن السوريين أمام طاغوت العصر. وتكتفي مؤسسات المجتمع الدولي في الإعلان بين الفينة والأخرى عن واقع واحصاءات ممضة للشعب السوري، فقد أكد مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، (مارتن غريفيث) أن أكثر من تسعين بالمئة من السكان في سورية يعيشون تحت خط الفقر، ولفت (غريفيث) خلال إحاطة له أمام مجلس الأمن في اجتماعه الدوري حول سورية الإنتباه إلى زيادة الحاجة وتنامي الفقر، ناهيك عن أزمات المياه وزيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا، في حين أن معدل التطعيم لم يصل إلى إثنين بالمئة في سورية.
المشكلة الأهم أن كل هذا الواقع الصعب للسوريين لم يدفع بعد بكل تلاوين المعارضة السورية نحو الإلتفات إى هذا الواقع السوري الفاقع، ولم يجعل من هذه المعارضة سواء كانت العسكرية أو السياسة، إلى الإسراع عاجلًا وليس آجلًا، نحو إعادة صياغة رؤيا جديدة تستوعب ماحصل للسوريين عبر سنوات عشر مضت، وأن تلتف هذه القوى على بعضها، وتعيد بناء الهيكل الثوري والمعارض الموحد والقوي والذي يقطع كلية مع كل أنواع الإرتماء في أحضان الخارج ، ليدركوا جميعًا أن لاحل يأتيهم من الخارج، بل وليس الخارج بتعدده مهتمًا بالمسألة السورية، فمن يعاني هو الشعب السوري بكل أثنياته وطيفه السياسي، والآخرين يشتغلون وفق أجندة مصالحهم ومصالحهم فقط، ولا أحد يحك جلدك سوى ظفرك، ولايمكن أن يبقى السوري المنتفض ضد الطاغية باقيًا يتفرج كيف تسقط عليه الصواريخ، وكيف يؤسس ويرسم له الخارج بأصدقائه وأعدائه، وهو لا حول له ولاقوة ، بل لا قدرة لمعارضته حتى على إنتاج قرار الانسحاب من جنيف واللجنة الدستورية، فيما لو أرادت ذلك، لأن قرارها لم يعد في يدها أصلًا.
وهذا معضلة كبرى إذ كيف لثورة أن تنتصر على المستبد والمحتل، إن لم يكن لديها أوراقًا قوية تلعبها وأهمها الورقة التحيدية، والقرار الواحد، لكل المعارضة وقوى الثورة، فالمراجعات لم تعد تحتمل التأجيل، ومصائرنا التي باتت بيد سوانا، لايمكن أن تظل هكذا، والمعارضة التي تضع كل البيض في سلة الخارج، هي معارضة بائسة، وغير جديرة بقيادة الثورة، ضد طاغية تقف معه دول كبرى، وتدعمه مشاريع خارجية للفرس والروس وغيرهم.
فهل سنشهد استفاقة ووعيًا واقعيًا وعاقلاً بأفق مستقبلي من هذه المعارضة، وهل يمكن أن تتحرك كل القوى الوطنية الديمقراطية والثورية، واقتلاع أصحاب المصالح الذين كانوا ومابرحوا يعولون على مصالحهم النفعية دون الإهتمام بدماء الشهداء من شعبنا السوري العظيم، الذين تجاوز عددهم المليون، كما تجاوزت أعداد معتقليه النصف مليون أو يزيد.
الأيام القادمة قد تكون حبلى بالمتغيرات التي يمكن أن تعيد الثورة السورية إلى مسارها الحقيقي، وتعيد الأمل للشعب السوري، قبل أن يفقد كلية، بمنظور وموعد ليس بالبعيد، تهيئة لكنس الطغاة ومن جاء معهم من محتلين.