أعلن العراق أن نظام الأسد منع، أول أمس الأربعاء، عبور شحنة من المشتقات النفطية متوجهة إلى لبنان من العراق عبر الأراضي السورية، دون أسباب معروفة أو تعليق رسمي.
وقال قائم مقام قضاء القائم بمحافظة الأنبار، أحمد المحلاوي، إن وزارة النفط العراقية أرسلت 20 شاحنة صهريج محملة بمادة الكاز إلى لبنان، عبر منفذ القائم الحدودي مع سوريا، إلا أن السلطات السورية منعت دخولها عبر أراضيها من دون معرفة الأسباب، وفق ما نقلت عنه وكالة “العهد” العراقية.
وأكد المحلاوي أن شحنة النفط “رسمية وليست عمليات تهريب كما روجت بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي”، مشيراً إلى أن وزارة النفط العراقية اضطرت لتفريغ الشحنة في موقع كهرباء عكاز العراقية.
وتزامن ذلك مع إعلان لبنان والأردن ونظام الأسد، أمس الخميس، عن الاتفاق النهائي لنقل الكهرباء إلى لبنان وفق مشروع “الربط الكهربائي”، الذي حصل على موافقة الولايات المتحدة الأميركية باستثنائه من عقوبات قانون “قيصر”، ما طرح تساؤلات عن نية النظام للتحكم بواردات الطاقة إلى لبنان.
كيف بدأ نفط العراق يصل إلى لبنان؟
في أواخر العام 2020، أكدت شركة “سوناطراك” الجزائرية، التي كانت تزوّد مؤسسة “كهرباء لبنان” بالمشتقات النفطية اللازمة لتشغيل مولدات الطاقة الكهربائية في لبنان، أنها لن تجدد عقود استيراد النفط لصالح المؤسسة، ولن تبرم أي عقود جديدة، وذلك على خلفية قضايا هدر وفساد ما بين الشركة ووزارة النفط اللبنانية، فيما يعرف بلبنان بقضية “الفيول المغشوش”.
دفع ذلك بالحكومة اللبنانية للبحث عن موارد أخرى للتزود بالمشتقات النفطية للازمة لتشغيل الكهرباء، فجاء الاتفاق مع العراق بإمداد لبنان بالنفط الخام العراقي، يجري نقله عبر الأراضي السورية.
وفي تموز الماضي، وقّع لبنان اتفاقاً مع العراق، نص على بيع مليون طن من مادة زيت الوقود الثقيل بالسعر العالمي، على أن يكون السداد بالخدمات والسلع اللبنانية، بما فيها الخدمات الطبية وإدارة المستشفيات والاستشارات، يشارك فيها خبراء وفرق طبية لبنانية مختصة ستساهم في إدارة مشافي ومؤسسات ومدن طبية في العراق.
إلا أن الوقود العراقي الثقيل لا يصلح لتشغيل مولدات الكهرباء في لبنان، حيث يحتاج لتكرير، وهذا أمر لا يمكن القيام به في لبنان ويحتاج إلى دول أخرى كي يتم تكريره، ويتم الاستعاضة عنه بمادة “الغاز أويل” تستبدلها شركات وسيطة، في مناقصات تجري شهرياً، بحسب الاتفاق.
ووفق وزارة الطاقة اللبنانية، فإن النفط العراقي لا يصل مباشرة إلى لبنان، بل عن طريق شركة وسيطة تتعاقد معها الحكومة، وأجريت أول مناقصة في 26 من آب الماضي، وفازت بها شركة “بترول الإمارات الوطنية” لاستبدال نحو 84 ألفَ طن من الوقود العراقي الثقيل بنحو 30 ألف طن من الفيول الثقيل، ونحو 33 ألف طن من الغاز، وصلت لبنان منتصف أيلول الماضي.
وأفادت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، أن لبنان حصل على ثلاث شحنات من النفط، بدأت 83 ألف طن في الشحنة الأولى و60 ألف طن في كل من الشحنتين الثانية والثالثة، وذلك تماشياً مع الخطة التي وضعتها حكومة نجيب ميقاتي لتأمين الوصول إلى نحو 12 ساعة من التغذية بالتيار الكهربائي في لبنان قبل مطلع السنة المقبلة.
والإثنين الماضي طلب لبنان من العراق زيادة كميات المشتقات النفطية التي ترسلها بغداد إلى بيروت شهرياً، للمساعدة في تحسين التغذية الكهربائية، عقب محادثات أجراها رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، مع نظيره العراقي، مصطفى الكاظمي في العاصمة بغداد.
كما تطرق البحث إلى إمكانية استئناف نقل النفط العراقي من كركوك إلى مصفاة البداوي في طرابلس، والصعوبات التي تحول دون ذلك في المدى القريب.
كيف يستفيد نظام الأسد؟
بعد الإعلان عن الاتفاق في تموز الماضي، أثيرت مخاوف حول استفادة كل من نظام الأسد و”حزب الله” من هذه الصفقة، على اعتبار أن نقل الشحنات سيتم عبر الأراضي السورية، ما يعني وقوف العراق ولبنان في مواجهة قانون “قيصر”، الذي يفرض عقوبات على التعامل الاقتصادي مع نظام الأسد.
كما توفّر عملية عبور شحنات النفط من الأراضي السوري لنظام الأسد فائدة من جانبين، الأولى حصوله على عائدات جمركية (موارد الترانزيت)، والثانية حصوله على جزء من السلع والبضائع التي سيقايض بها لبنان النفط.
وهذا ما حصل فعلاً، حيث أكد مدير الأمن العام اللبناني، عباس إبراهيم، أن الحكومة العراقية قدّمت 14 شاحنة صهريج من مادتي ديزل وبنزين، سعة كل منها 40 ألف ليتر، كهدية للأمن العام اللبناني، وعندما مرت الشاحنات عبر الأراضي السورية توجّب على الجانب اللبناني دفع رسوم قدرها 4000 دولار لكل شاحنة صهريج، وفق ما قال إبراهيم في حوار أجراه معه موقع “The Cradle” الإخباري.
ومن جانب آخر، من الممكن أن تمثّل خطة نقل النفط العراقي إلى لبنان غطاءً لخط إمداد نظام الأسد بالمشتقات النفطية من قبل إيران، حيث يخشى محللون من تكرار تجربة صهاريج البنزين الإيرانية، التي أرسلت على أنها مساعدات للبنان، بينما اختفت بمجرد وصولها الحدود اللبنانية.
ونفت وزارة الطاقة اللبنانية تسلّمها شحنات البنزين، ما وجّه أصابع الاتهام أولاً لنظام الأسد بسرقته شحنات البنزين، وثانياً لـ “حزب الله” بأنه يستغل معاناة اللبنانيين لتمرير الدعم الإيراني له عبر الحدود.
ويتّهم محللون نظام الأسد بأنه يسعى للتحكم بواردات لبنان من الطاقة والمشتقات النفطية، تزامناً مع التوافق على مشروع “الربط الكهربائي”، الذي سيؤمن للنظام فرصاً جديدة للمداخل المالية والالتفاف على عقوبات “قيصر”، ومنافع أخرى قد يكون إحياء خط أنابيب كركوك – طرابلس أحدها.
هل يعاد إحياء خط أنابيب كركوك – طرابلس؟
في حزيران من العام 2019، شارك مسؤولون من لبنان والعراق ونظام الأسد في محادثات لإعادة تشغيل خط أنابيب كان يربط بين حقول النفط بالقرب من كركوك في العراق ومدينة طرابلس الساحلية في لبنان.
وأنشئ أنبوب النفط الممتد من كركوك إلى طرابلس في العام 1927، ويعد أحد أقدم خطوط نقل النفط في العراق، حيث يبلغ حجم الخط النفطي 12 بوصة، وأنشئ في بادئ الأمر لنقل نفط كركوك إلى مدينة حيفا الفلسطينية وطرابلس اللبنانية.
وبلغ مجموع الطاقة التصديرية لهذه الخط في منتصف السبعينيات 1.4 مليون برميل يومياً، وذلك بعد أن رفعت “شركة نفط العراق” الطاقة الإنتاجية والتصديرية لحقول كركوك من مليون واحد إلى 1.4 مليون برميل في اليوم.
مع مرور الزمن، أصبح خط أنابيب كركوك – طرابلس مصدر خلافات ونزاعات تعاقدية وسياسية ومالية مريرة، بين الحكومة السورية وشركة نفط العراق، على خلفية الخلاف بين نظامي صدام حسين وحافظ الأسد، ما أدى في بعض الأحيان إلى إغلاقه وتوقفه عن التصدير لفترات قصيرة إلى أن تم إغلاقه نهائياً من قبل الحكومة السورية في العام 1984، في محاولة لدعم إيران في حربها مع العراق.
وأعيد طرح قضية إحياء وصيانة خط كركوك – طرابلس النفطي خلال زيارة رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، إلى العراق في حزيران من العام من العام 2019، حيث ربط بري تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين من خلال أهمية البحث مجددا في إعادة العمل على تشغيل خط كركوك طرابلس النفطي.
لروسيا أيضاً مصالح في إحياء خط الأنابيب
في ذلك الوقت، نشر موقع “أويل برايس” الأميركي، المتخصص بشؤون النفط حول العالم، تقريراً عن إعادة تشغيل خط الأنابيب كركوك – طرابلس، مشيراً إلى “عقبات سياسية واقتصادية وإستراتيجية طويلة المدى بالنسبة للدول المعنية وللمنطقة ككل”.
وأشار التقرير إلى أن قرار روسيا بالتدخل العسكري في سوريا إلى جانب نظام الأسد، شكّل نقطة محورية في إعادة السيطرة على المناطق الضرورية لشروع خط أنابيب كركوك – طرابلس في العمل من جديد، فضلاً عن إقامة موسكو علاقات سياسية جيدة مع كل من العراق ولبنان لتصبح وسيطاً لتسهيل التوصل إلى اتفاق محتمل لإعادة تشغيل الخط النفطي.
ووفق التقرير، فإن ما يعزز من فرص إعادة تفعيل الخط مجدداً هو توقيع شركة النفط الروسية “روسنفت – Rosneft Oil” اتفاقية مع الحكومة اللبنانية لتشغيل منشأة تخزين المشتقات النفطية في طرابلس لمدة 20 عاماً، حيث لن تكون هذه المنشأة ذات قيمة للروس دون وجود نفط، الذي يبدو أن السعي الروسي لاستثمار المنشأة التخزينية اللبنانية يأتي من خلال إعادة تفعيل خط كركوك – طرابلس النفطي.
وقال إن مشاركة شركة “روسنفت” الروسية مهمة من أجل تعزيز جهود موسكو في المنطقة، حيث تحظى شركة النفط العملاقة بعلاقات جيدة مع الحكومة العراقية، كما تدير عدة حقول نفطية، إلى جانب خط أنابيب كركوك – جيهان.
وأضاف أنه على الرغم من وجود النية لإعادة تنشيط خط الأنابيب القديم بين كركوك وطرابلس، إلا واشنطن “لن تقف مكتوفة الأيدي في الوقت الذي يرسخ فيه خصومها الروس والإيرانيون نفوذهم أكثر في المنطقة، خاصة في سوريا ولبنان.
كما أوضح “أويل برايس” إلى أنه لم يتّضح بعد فيما إذا كان هذا المشروع سيُنجز فعلاً أم أن السياسة ستحول دون ذلك، مشيراً إلى أن الوضع في سوريا “يخلق حالة من عدم اليقين”، مما يجعل عمليات البناء والتشغيل مشكلة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا