لم تنقطع في الآونة الأخيرة التعزيزات العسكرية التركية عن محافظة إدلب، التي باتت محلّ خلاف كبير بين أنقرة وموسكو بعد تعثّر تطبيق اتفاق “موسكو” المبرم بين الروس والأتراك منذ مارس/ آذار من العام الفائت، بسبب تعقيدات ميدانية، وخاصة لجهة استعادة الحركة على الطريق الدولي حلب اللاذقية “أم 4″ الذي يربط غربي البلاد بشمالها وشرقها، ويعبر في ريف إدلب الجنوبي. يأتي ذلك بينما هدأت بعض الشيء وتيرة التوتر بين الجانب التركي و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في شمال سورية، على الرغم من التهديدات التركية المتواصلة بشن عملية ضد هذه القوات. غير أنه يبدو أن حسم هذا الأمر سيكون بعد لقاء منتظر بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي جو بايدن على هامش قمة المناخ المقرر عقدها في مدينة غلاسكو باسكتلندا في الفترة من 31 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي إلى 12 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي محافظة إدلب، ذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن الجيش التركي دفع أول من أمس الثلاثاء بتعزيزات كبيرة إلى نقاطه وقواعده في المحافظة. وأوضحت أنّ نحو 100 آلية تركية دخلت ليل الثلاثاء – الأربعاء من معبر كفرلوسين الحدودي واتجهت إلى عمق إدلب، وخاصة إلى النقاط في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، مشيرة إلى أن الرتل مؤلف من عربات مصفحة مخصصة لنقل الجنود، وآليات مدرعة، وشاحنات محملة بمواد لوجستية ومعدات هندسية وكتل إسمنتية ومحارس مسبقة الصنع، وصهاريج مخصصة للوقود.
من جهته، أشار “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إلى أن عدد الآليات العسكرية التركية التي دخلت الشمال الغربي من سورية، ارتفع إلى أكثر من 555 منذ أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، ما يؤكد مخاوف أنقرة من عملية عسكرية مفاجئة لروسيا والنظام على إدلب، وفق المرصد.
وتعليقاً على هذه المستجدات، اعتبر النقيب عبد السلام عبد الرزاق، وهو قيادي في فصائل المعارضة السورية في شمال غربي سورية، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هذه التعزيزات “رسالة طمأنة لملايين السوريين في محافظة إدلب، مفادها بأنّ تركيا لن تتخلى عنكم”. وأشار إلى أنها أيضاً “رسالة للجانب الروسي والنظام بعد التصعيد الأخير والتهديد بعمل عسكري واسع النطاق في ريف إدلب”، مضيفاً: “هي تندرج كذلك في سياق تعزيز القدرات الدفاعية للقوات التركية المنتشرة في محافظة إدلب، وتحصين النقاط التركية الموجودة، وخاصة في منطقة جبل الزاوية”.
وجاءت التعزيزات التركية بعد ساعات من موافقة البرلمان التركي على تمديد التفويض المتعلق بإرسال قوات عسكرية إلى كل من سورية والعراق لمدة عامين آخرين، اعتباراً من 30 أكتوبر الحالي. وقد وافق البرلمان على المذكرة الرئاسية التي جاء فيها أن “التنظيمات الإرهابية، التي يتواصل وجودها في المناطق القريبة من الحدود السورية – التركية، مستمرة في أنشطتها ضد تركيا وأمنها القومي والمدنيين فيها”. كذلك أشارت المذكرة الرئاسية إلى “تواصل المخاطر والتهديدات التي تستهدف الأنشطة المتعلقة بإرساء الاستقرار والأمن ضمن إطار مسار أستانة في محافظة إدلب شمال غربي سورية”.
في غضون ذلك، لا تزال “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) مستمرة في حملتها ضد مجموعات متشددة في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، والتي كانت بدأتها الأحد الماضي، لتحييد هذه المجموعات التي تضم مسلحين أجانب من جنسيات مختلفة. وأفادت مصادر مقربة من “الهيئة” بأن الأخيرة اعتقلت مساء أول من أمس الثلاثاء المدعو أبو موسى الشيشاني، وهو شقيق قائد فصيل “جنود الشام” مسلم الشيشاني، كما اعتقلت معه كلاً من: عبد الله البنكيسي الشيشاني، وأبو عبد الله الشيشاني، أثناء محاولتهم الهروب إلى تركيا. وتداول ناشطون على وسائل التواصل صورة لأبي موسى الشيشاني وهو معتقل في معبر خربة الجوز الحدودي مع تركيا الذي تسيطر عليه “هيئة تحرير الشام”. وكان فصيل “جنود الشام”، بزعامة مسلم الشيشاني، قد توصل الإثنين الماضي إلى اتفاق مع “الهيئة” قضى بخروجه من جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وتسليم مطلوبين لها.
على صعيد آخر، هدأت بعض الشيء وتيرة التوتر بين الجانب التركي و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) ذات الطابع الكردي في غربي الفرات وشرقه، إلا أن المعطيات الميدانية تشير إلى أن الجيش التركي لا يزال يضع في خططه القيام بعمل عسكري واسع النطاق ضد هذه القوات لردعها. وقال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، قبل يومين، إنه “لدينا اتفاقيات مع الروس والولايات المتحدة حول بعض المناطق في شمال سورية. قمنا بواجبنا في إطار هذه الاتفاقيات بأفضل طريقة ممكنة، وما زلنا نقوم بذلك، ونذكر نظراءنا للعب دورهم أيضاً”. ورداً على سؤال حول هجمات تعرضت لها القوات التركية من قبل مجموعات كردية في شمال سورية أخيراً، قال أكار “نحن نتابع عن كثب الأحداث هناك، وسنفعل ما هو ضروري في الوقت والمكان المناسبين”.
من جهته، رجّح الرئيس التركي، رحب طيب أردوغان، أمس الأربعاء، عدم لقائه بالرئيس الأميركي جو بايدن، على هامش قمة زعماء مجموعة العشرين التي تعقد في روما يومي 30 و31 أكتوبر الحالي، مشيراً في تصريحات صحفية إلى أنه سيلتقي نظيره الأميركي، في مدينة غلاسكو الاسكتلندية، على هامش الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التي تنعقد في الفترة من 31 أكتوبر الحالي إلى 12 نوفمبر المقبل. ومن المرجح أن يتحدد الموقف التركي إزاء أي عمل عسكري في شمال شرقي سورية على ضوء نتائج هذا الاجتماع.
من جانبه، رأى المحلل السياسي التركي، هشام جوناي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن أنقرة “لا تخطط في الوقت الراهن للقيام بعملية عسكرية واسعة النطاق في شمال سورية”، معتبراً أن “عدم الاستقرار الاقتصادي، والتحضير ربما لانتخابات مبكرة، يحول دون ذلك”. وعبر جوناي عن اعتقاده بأن “الجيش سيعتمد على عمليات محدودة من خلال قصف أهداف معينة للمليشيات الكردية في شمال سورية”، مشيراً إلى أن “هناك توافقاً نسبياً بين بعض أحزاب المعارضة التركية وحكومة العدالة والتنمية، حيال الأوضاع في الشمال السوري، وهو ما يساعد الحكومة في إقناع الرأي العام التركي بجدوى عملية عسكرية ضد قسد” التي تعتبرها أنقرة تهديداً لأمن واستقرار تركيا.
المصدر: العربي الجديد