كتب لي قبل أيام أحد الأصدقاء الصحفيين رسالة مفادها بأن بشار الأسد يعيش أيامه الأخيرة على رأس السلطة في سوريا، وأن البشرى قادمة من خلال الجولة السادسة لاجتماعات اللجنة الدستورية، التي سيتم فيها التوافق على صياغة دستور جديد للبلاد، تليها تفعيل باقي بنود القرار الدولي 2254، والتي يأتي على رأسها تشكيل هيئة حكم انتقالي تتمتع بسلطة تنفيذية كاملة..
رددت عليه بعد يومين بعبارة واحدة: “هل من جديد..؟” وإذ به يتصل بي مباشرة..
لم أستمع جيداً لما قاله هذا الصديق واستفاض بشرحه عن تغير الظرف الدولي، لأنه خلط الحابل بالنابل، تارة يتحدث عن مشكلة أوكرانيا، وتارة أخرى يقفز إلى أذربيجان، بعدها انتقل للحديث عن تطور العلاقات الأردنية مع النظام، واجتماع القمة بين بوتين وأردوغان، وآخر تطورات الحرب الاقتصادية بين الصين وأميركا، ثم فجأة سمعته يذكر اسم مناف طلاس..
في ختام حديثه طلب رأيي بكلامه، فقلت له: هذا أفضل تحليل سمعته للأزمة السورية.. لأني بصراحة لم أفهم شيئا..
بالفعل، هكذا أصبحت المشكلة السورية، خليطاً من الأحداث غير المترابطة وغير المفهومة، لدرجة تعتقد أحيانا أنه إذا تعثرت شاة في ولاية كاليفورنيا، فإنها بصورة أو بأخرى لها علاقة بتأخر الحل في سوريا!..
لكن من جهة أخرى، دعونا نقرأ التطورات التي تشهدها حالياً اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، ولأول مرة منذ انطلاقها قبل نحو عامين.. فهناك كما هو واضح ضغط روسي كبير على النظام من أجل الانتهاء من مسألة الدستور حتى نهاية العام الجاري، وهو ما يمكن قراءته من خلال تصريحات المبعوث الدولي إلى سوريا “غير بيدرسون”، أثناء الاجتماعات التمهيدية للجولة السادسة، والتي أكد بأنه سوف يتم خلالها، البدء بصياغة دستور جديد للبلاد، بخلاف الجولات السابقة التي كان يماطل فيها النظام ويضيع الوقت في حوارات جانبية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التطور في انصياع النظام للقبول بالمباشرة في كتابة الدستور، لا يمكن فصله مثلا عن تقارب الأردن معه، أو الحديث عن نية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الاتصال مع بشار الأسد هاتفيا، أو حتى محاولات التقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية، كما لا يمكن تجاهل استدعاء رئيس النظام السوري إلى موسكو، منتصف الشهر الماضي، ولقائه مع بوتين لبضع دقائق، أو حتى قمة بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي نهاية الشهر الماضي كذلك.. فكلها أحداث تشير إلى أن هناك شيئاً ما يجري الإعداد له، ولكن ليس من أجل حل الأزمة السورية وفقا للقرارات الدولية، وإنما لأسباب أخرى لها علاقة بالنفوذ الإيراني في سوريا وخوف بعض الدول العربية أن يمتد هذا النفوذ إلى أراضيها.
هذا الأمر يمكن قراءته من خلال ما تم تسميته بالورقة الأردنية للحل في سوريا، التي كشف عنها مؤخرا، وتأخذ من مبدأ خطوة مقابل خطوة عنوانا لها، حيث إن روسيا على ما يبدو، قررت تبنيها والعمل عليها بالاتفاق مع المبعوث الدولي غير بيدرسون، ورضا إسرائيل.
الورقة الأردنية تهدف إلى مواجهة النفوذ الاقتصادي والعسكري الإيراني في سوريا، من خلال إيجاد بدائل للنظام، يستطيع الاستغناء من خلالها عن حاجته لإيران، ويبعد بالتالي خطرها عن الحدود مع الأردن وعن الحدود مع إسرائيل.
وتعترف الورقة بأنها لا تهدف إلى تغيير النظام في سوريا، وإنما “تستهدف تغيير سلوكه بشكل تدريجي، مقابل الحوافز التي سيتم تحديدها بعناية لإفادة الشعب السوري وتمكين بيئة مواتية للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين”.
ووفقا للمقترح الأردني، فإن التركيز الأولي للنهج الجديد سيكون على القضايا الإنسانية في كل من العروض والطلبات، ثم يتم التقدم تدريجياً نحو القضايا السياسية التي تبلغ ذروتها في التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254 .
إذا، كما هو واضح، فإن قبول النظام بكتابة الدستور مع المعارضة، هو رد على الخطوة الأردنية بالانفتاح عليه.. أما الخطوة التالية، فعلى ما يبدو ستكون عبر التقارب المصري معه، والتي يجب أن يقابلها خطوة من النظام السوري، قد تكون من خلال الإفراج عن بعض المعتقلين.. أما المشكلة الأكبر، فهي حين الوصول إلى خطوة الطلب من إيران الابتعاد عن الحدود الأردنية والإسرائيلية، أو الخروج من سوريا، أو خطوة قبول النظام بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات.. فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل سيقبل بشار الأسد بهذا الأمر..؟!
باختصار، المشهد السوري اليوم يذكرنا ببداية الثورة، عندما قام النظام باعتقال عدد كبير من أبناء المناطق الثائرة، ثم أخذ يساوم بالإفراج عنهم مقابل التوقف عن التظاهر، ومن دون تقديم أي تنازلات للسوريين.. والشيء نفسه يفعل مع الدول العربية الخائفة من إيران، فهو جلبها إلى حدودهم، وها هو يساومهم على إبعادها، مقابل التطبيع معه كاملا، بدون أية شروط سياسة أخرى.. وما تذكره الورقة الأردنية بأنها تهدف في النهاية إلى تطبيق القرار 2254 كاملا، ليس إلا مجرد كلام لحفظ ماء الوجه، وللقول بأن الأردن يعمل على تطبيق القرارات الدولية، لكن بخطة مختلفة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا