تشهد العلاقات الهندية ـ الصينية، منذ 5 مايو/أيار 2020، توترات ميدانية حدودية في منطقة لاداخ، الواقعة ضمن سلسلة جبال هيملايا في إقليم كشمير وجامو، أدت إلى سقوط العشرات بين قتلى وجرحى، مهددة بتحوّل المنطقة إلى ساحة اشتباك واسعة النطاق. وعلى الرغم من مساعيهما المشتركة لتهدئة الوضع، إلا أن الجانبين فشلا في إنهاء الأزمة بينهما. فقد أعلن الجيشان الصيني والهندي، أمس الإثنين، فشل المحادثات لسحب قواتهما من مناطق الاحتكاك الرئيسية على طول الحدود بينهما. وأفادت وزارة الدفاع الهندية في بيان بأنها قدّمت “اقتراحات بنّاءة” لكن الجانب الصيني “لم يوافق عليها ولم يستطع تقديم أي مقترحات تطلعية”. بدوره، ذكر متحدث باسم الجيش الصيني في بيان، أن “الجانب الهندي متمسك بمطالب غير واقعية وغير معقولة، مما يصعّب عملية المفاوضات”. والتقى قادة من الجيشين، أول من أمس الأحد، لاستئناف المحادثات بعد انقطاع دام شهرين في مولدو، على الجانب الصيني في منطقة لاداخ. وجاءت المحادثات في ظل حالة من الإحباط عبّر عنها رئيس أركان الجيش الهندي، الجنرال مانوج موكوند نارافان، حيال ما وصفه بـ”الانتشار المكثف للقوات والأسلحة الصينية”. وقال يوم السبت الماضي: “نعم، إنه أمر مثير للقلق أن تتواصل عملية البناء الضخمة وأن تستمر، وللمحافظة على هذا النوع من البناء، كان هناك قدر مساو من تطوير البنية التحتية على الجانب الصيني”. ورأى أن هذا الأمر “يعني أنهم (الصين) هناك ليبقوا، نحن نراقب كل هذه التطورات عن كثب، ولكن إذا كانوا هناك ليبقوا، فنحن سنبقى هناك أيضاً”. ولم يتأخر الردّ الصيني على لسان المتحدث باسم قيادة المنطقة الغربية في جيش التحرير الشعبي (الاسم الرسمي للجيش الصيني)، الكولونيل لونغ شاوهوا، بقوله: “إن تصميم الصين على حماية سيادتها لا يتزعزع، وتأمل بكين ألا تسيء نيودلهي الحكم على الموقف”.
خلّف الاستعمار البريطاني مناطق متنازعا عليها بين البلدين
ويعني استمرار الخلاف أن البلدين سيبقيان على تواجد قواتهما في نقاط عدة من منطقة لاداخ، وهي بانغونغ تسو وشوشول وسيكيم وشرقي لاداخ ووادي غالوان وسهول ديبسانغ وغوغرا. مع العلم أنه وقعت احتكاكات عدة موثّقة بينهما في 5 و10 مايو 2020 و15 يونيو/حزيران و19 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، فضلاً عن تسجيل توترات في 9 و20 يناير/كانون الثاني الماضي. وسقط جرّاء كل هذه الاحتكاكات، 20 قتيلاً و84 جريحاً في الصفوف الهندية، في مقابل مقتل 4 جنود صينيين وجرح 21 آخرين. مع العلم أن الصين والهند أعلنتا مراراً، من طرف واحد، وقوع اشتباكات بينهما وتسجيل خروقات متبادلة، من دون أن يتم التحقق منها. ومع أن البلدين سحبا جنودهما من بعض المواقع الأمامية على الضفتين الشمالية والجنوبية لبحيرة بانغونغ تسو وغوغرا ووادي غالوان منذ فبراير/ شباط الماضي، إلا أنهما يواصلان الاحتفاظ بقوات إضافية في إطار انتشار متعدد المستويات. وتفيد تقارير إعلامية هندية بأنه تم نشر قوات إضافية أيضاً في سهول ديبسانغ. وتمتاز المناطق الأمامية في لاداخ بالطقس البارد شتاءً، إذ تتراجع درجات الحرارة إلى ما دون 30 تحت الصفر في شهر يناير من كل عام. واعتادت القوات من الطرفين التراجع إلى مراكزها الصيفية التقليدية في هذا الوقت تقريباً، لكنها بقيت في العام الأخير في مواقعها، بل أوردت وسائل الإعلام الهندية تقارير عن إنشاء الجيش الصيني مهابط جديدة للطائرات، وتوسيع مهابط الطائرات القائمة بالفعل، وثكنات جديدة، ومواقع صواريخ أرض – جو جديدة، ومواقع رادار. وتشترك الهند والصين في حدود بطول 3440 كيلومتراً، وبينها مناطق متنازع عليها، خلّفها الاستعمار البريطاني للهند (1857 ـ 1947). ومنذ خمسينيات القرن الماضي، ترفض الصين الاعتراف بترسيم الحدود خلال مرحلة الاستعمار. وقاد ذلك في عام 1962 إلى حرب ضارية بين البلدين انتهت بهزيمة قاسية للجيش الهندي. ومنذ ذلك الحين يتبادل البلدان الاتهامات حول احتلال كل منهما أراضي للآخر. وتؤكد الهند أن الصين تحتل مساحة 38 ألف كيلومتر من أراضيها، بينما تطالب الصين بمجمل مساحة ولاية أروناتشال براديش التي تسميها “التيبت الجنوبية”.
فشل اللقاء العسكري الأخير بين الطرفين في تهدئة الوضع
وعلى الرغم من أن الخلاف بين البلدين في المنطقة تاريخي وقديم، إلا أنه اتخذ أبعاداً جديدة بعد التغيرات الجيوبوليتيكية الكبيرة في العام الأخير، في الوسط الآسيوي وجنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي. ففي ميانمار، قاد العسكر المدعومون من الصين انقلاباً على السلطة المدنية، في 1 فبراير الماضي. وفي أغسطس/آب الماضي، انسحب الأميركيون من أفغانستان، المجاورة للصين والهند، تاركين السلطة في عهدة حركة طالبان. ومنذ الصيف الماضي، تزداد التوترات بين الصين وتايوان، في ظل الخروقات شبه اليومية المتواصلة لسلاح الجو الصيني في الأجواء التايوانية. وفي 15 سبتمبر/أيلول الماضي، وقّعت أستراليا والولايات المتحدة وبريطانياً اتفاقاً أمنياً حمل إسم “أوكوس”، يتضمّن تزويد واشنطن كانبيرا بأسطول من الغواصات التي تعمل بالدفع النووي. وفُسّرت الخطوة الأخيرة على أنها موجّهة للصين خصوصاً، رغم أن فرنسا كانت ضحيتها الأولى، بعد تخلي أستراليا عن صفقة غواصات وقّعتها مع مجموعة “نافال” في عام 2016. ومع أن التحديات الإقليمية التي تواجهها الصين كبيرة، إلا أن الهند ليست أفضل حالاً، خصوصاً أن منطقة لاداخ هي جزء من إقليم كشمير وجامو، التي تتنازع نيودلهي على جزء آخر منه مع إسلام أباد. وفي الأسبوعين الأخيرين، تنامى نشاط جماعة “جبهة المقاومة المتمردة” في سريناغار، عاصمة كشمير، ضد القوات الهندية. وهو ما دفع السلطات الهندية إلى القيام بحملة اعتقالات واسعة، بحقّ المدنيين، بعد قول مسؤولين هنود إن جبهة المقاومة هي الممثل المحلي لجماعة “عسكر طيبة”، التي تتخذ من باكستان مقراً لها. وذكروا أن هذه المجموعة تشكلت بعد أن جرّدت الهند كشمير من الحكم الذاتي في عام 2019. وتخشى الهند عملياً، استنزافها في ضفّتي كشمير، وتشعر بالقلق من التحالف بين الصين وباكستان، بل تتهم الأولى بمساعدة الأخيرة في الحصول على التكنولوجيا النووية وصناعة الصواريخ.
المصدر: (العربي الجديد، الأناضول، أسوشييتد برس)