تتسابق عدة دول للحصول على مشاريع في إعادة إعمار سوريا، قبل الدخول الفعلي في هذه المرحلة، من بينها الصين وإيران وروسيا، وعبرت الصين مرارًا عن رغبتها في الاستثمار بمشاريع إعادة الإعمار، وزيادة دورها في هذا المجال، عن طريق زيادة حجم المساعدات والمنح المقدمة للنظام السوري.
السفير الصيني السابق لدى دمشق، تشي تشيانجين، قال خلال زيارة له إلى مشفى “المواساة” في شباط 2018، إن بلاده تنوي أن تلعب دورًا أكبر في مجال تطوير وإعادة إعمار سوريا بعد الحرب، عن طريق زيادة حجم المساعدات المقدمة لدمشق، بحسب وكالة “شينخو” الصينية.
في المقابل أعطى النظام السوري منذ عام 2017 وعودًا للصين، على لسان سفير سوريا هناك، عماد مصطفى، بمنح الشركات الصينية دورًا كبيرًا في مرحلة إعادة الإعمار في سوريا عقب انتهاء الحرب.
وشهدت الأعوام السابقة منحًا مالية وعينية قدمتها الصين، كان أحدثها المنحة المالية بقيمة 14 مليون دولار أمريكي بموجب اتفاقية تعاون اقتصادي وفني وقعتها “هيئة التخطيط والتعاون الدولي” التابعة لمجلس الوزراء، في 4 من آذار الحالي، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وتعد هذه المنحة الخامسة من نوعها منذ عام، وبلغت القيمة الإجمالية للمنح حتى الآن 400 مليون يوان صيني (ما يقارب 60 مليون دولار)، بينما أبدى سفير الصين بدمشق، فيونغ بياو، استعداد بلاده لتقديم مزيد من “الدعم والمساعدة للشعب السوري”.
ما مقابل المنح الصينية؟
الباحث والمحلل الاقتصادي يونس الكريم قال لعنب بلدي إن الصين تريد إعادة ترتيب أوراقها وفتح آفاق جديدة وتوزيع رأس مالها، عن طريق استثمارات لها في سوريا، التي تعد بوابة العبور لها لاستثمارت في الشرق الأوسط وخاصة في شمال إفريقيا وتركيا.
وتسعى الصين، خاصة بعد أزمة فيروس “كورونا المستجد”، إلى تجاوز الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بسبب “حملة عالمية”من كبرى الشركات المتعددة الجنسيات لمحاربة الصين، عبر نشر إشاعة بأن البضائع الصينية قد تحمل الفيروس، وبالتالي خسرت الشركات الصينية مليارات الدولارات مقابل شركة “أمازون” الأمريكية والشركات الأوروبية، ما يجعل الصين تعيد التفكير بالبحث عن الاستثمار خارج حدودها.
في المقابل، يحتاج النظام السوري الآن إلى قوى اقتصادية عالمية إضافية تحقق عدة توازنات، وهو يعلم أن الصين حليف قوي ودولة رائدة اقتصاديًا، واستخدمت “الفيتو” لحمايته من العقوبات الأممية مرات عدة، وتمتلك إمكانيات تقنية ومادية متطورة جدًا، وتستطيع تحقيق انتعاش اقتصادي في سوريا.
وأضاف الكريم أن “الصين قادرة على لجم التنمر الروسي- الإيراني، أي احتواء روسيا وإيران اللتين أدى تدخلهما إلى تهشم النظام داخليًا وانقسامه إلى عدة أجنحة وأمراء حرب”، مشيرًا إلى أن التدخل الروسي في سوريا كان من أجل “لجم التدخل الإيراني، ولاحقًا حاول النظام الحصول على الدعم الأمريكي والأوروبي لمحاولة الضغط على روسيا ولجمها لكنه فشل، ما دفعه للبحث عن حليف جديد وهو الصين”.
سوريا محكومة بالجغرافيا.. سباق للحصول على امتيازات
إلى جانب الصين، تتسابق دول عدة للحصول على امتيازات في سوريا مثل إيران وروسيا وتركيا، وتشكل مرحلة إعادة الإعمار أرضًا خصبة بالنسبة لهذه الدول، لتحقيق غايات استراتيجية في سوريا.
وقال الكريم، إن إيران تسعى لتكون لاعبًا إقليميًا مهمًا في ملف إعادة إعمار سوريا، لتكون لها واجهة بحرية، و الوصول إلى أوروبا بعيدًا عن “باب المندب” وعن التوترات الأمريكية وقواعدها، وإيجاد طريق سهل لتمرير سلعها وخدماتها عبر أماكن نفوذ لها سواء في سوريا أو العراق وصولًا إلى الأردن وبعدها إلى شمال إفريقيا والسعودية والخليج العربي، ما يحقق لها إمكانية التفاوض على ملفها النووي والاستثمارات في البحر المتوسط والنفط وغيرها من القضايا الإقليمية والدولية، وبالتالي نهوض النظام الإيراني و”الحلم الفارسي” من جديد.
وبالنسبة لروسيا، فإنها تعمل على تعزيز قواعدها في البحر المتوسط إضافة إلى “جزيرة القرم”، وبالتالي تحويل سوريا إلى منصة بيع السلع والخدمات الروسية إلى دول شرق المتوسط وشمال إفريقيا وأوروبا، واختصار المسافة والزمن، وجعل السلعة الروسية ذات قوة تنافسية .
كما أن روسيا تريد السيطرة على الواجهة البحرية والتحكم في نواقل النفط سواء عبر الخليج العربي والبحر المتوسط أو من إيران و العراق، ما يعطي أهمية تنافسية للنفط الروسي من جهة، ومن جهة أخرى تستفيد من الحصول على استثمارات في سوريا بالحصول على عوائد مرور الطاقة من المناطق التي تسيطر عليها روسيا وتشغيل موانئها، وبالتالي تحصل على أرباح مضاعفة.
وأضاف الكريم أن تركيا تريد المشاركة في إعادة الإعمار، لتشغيل شركاتها في بيع المواد اللازمة وتحيقي أرباح إضافية، ولتتمكن عبر استثماراتها من استغلال طريقي “M4″ و”M5” لتأمين وصول سلعها وخدماتها إلى الأردن ومنها إلى شمال إفريقيا وشرق المتوسط بتكاليف منخفضة.
وتريد تركيا أيضًا “استغلال الجغرافيا السورية للحصول على السلع والخدمات، بهدف دعم المناطق الجنوبية لتركيا، وبالتالي جعل سوريا الحديقة الخلفية للاقتصاد التركي”.
منح صينية سابقة
حصل النظام السوري من الصين، في آذار 2019، على منحة مالية بقيمة 100 مليون يوان صيني (ما يعادل 17 مليون دولار).
وكانت تلك المنحة هي الثالثة من نوعها منذ عام 2016، سبقتها منحتان، الأولى كانت بقيمة 110 ملايين يوان صيني والثانية 200 مليون يوان، وهدفهما توفير مجموعة من احتياجات الجهات العامة في مجالات الكهرباء والجمارك والنقل وتجهيزات عدد من الوزارات.
في حزيران 2019، قدمت الصين 100 باص نقل داخلي إلى سوريا، يرافقها فنيو تدريب ومعدات وتجهيزات لها تستخدم في عمليات الصيانة، ليصار إلى توزيعها على المحافظات ووضعها في الخدمة، وفق ما نقلته وكالة “سانا”.
ومنذ عام 2017 أرسلت الصين أكثر من أربعة آلاف طن من مادة الأرز، كما أرسلت في عام 2018 800 محولة كهربائية إلى مرفأ اللاذقية.
ودعت حكومة النظام، في شباط 2018، الشركة الصينية “Sany” إلى إنشاء ضواحٍ سكنية في سوريا.
وقدمت الصين منحًا تعليمية وأخرى لتعزيز الأمن الغذائي في سوريا، ونظمت دورات تأهيل للقطاعين العام والخاص.
المصدر: عنب بلدي