قراءة في كتاب: الرقة والثورة – ٣ من ٣   -شهادة شخصية –

أحمد العربي

  • غياب دور الائتلاف في دعم ثوار الرقة.

يظهر الموقف القاسي والمخوّن للائتلاف في شهادة معبد الحسون في كتابه هذا، حيث اتهمهم بأنهم لم يعطوا الاهتمام المطلوب بثوار الرقة ولا دعمها في التحرير وما بعده، بل تعاملوا معها بازدراء حيث قاموا بزيارات غير رسمية ودون أي جدوى وفاعلية، ودعموا أحد شخصياتها عبد الله شلاش، الذي لم يكن له أي ارتباط حقيقي مع الثوار على الأرض.

 يعود معبد الحسون إلى عمق حالة التمثيل السياسي والعسكري للثورة السورية الذي صُنع دوليا وإقليميا، دون أن يكون مرتبطا حقيقة بالثورة والثوار. وأن السياسيين الذين تصدروا المشهد لم يكونوا على علاقة بـ ثوار الارض. ولم يكن هناك في سورية اصلا مناخ سياسي قادر على خلق هذه البنية في سورية ابّان عهد النظام المستبد طوال عقود. لذلك كان السياسيين والعسكريين المتصدرين المشهد هم ممثلين لمن يدعمهم من الدول التي تعاملت مع الثورة السورية، بهدف إجهاضها وانهائها وادخالها في لعبة التسويف السياسي وتناقض مصالح الاطراف الدولية والاقليمية والشعب السوري هو الضحية.

  • داعش بعد السيطرة على الرقة.

أدوارها النهائية.

لقد كان الثوار في الرقة المحررة يحاصرون مطار الرقة والفرقة ١٧ واللواء ٩٣ العسكري، كانت هناك مناطق رباط ولم يكن هناك إمكانية تحرير هذه المواقع المحصنة والتي يأتيها الإمداد جوا من النظام. فيها بعض قيادات عسكرية و صف الضباط والجنود المتطوعين من العلويين وكثير من المجندين الاجباري الغير متطوعين واغلبهم مسلمين سنة. عندما سقطت الرقة بيد داعش كما اسلفنا سابقا. تم تسليم هذه المواقع لداعش دون قتال، وتم إطلاق سراح الضباط وصف الضباط والجنود من الطائفة العلوية وهم الأقلية العددية، وتمت عمليات ذبح وتنكيل بالجنود السنة  لتظهر للرأي العام العالمي صورة لـ داعش توضح خطورتها كارهاب وتصمت عن فعل النظام بحق الشعب السوري وثواره وثورته المهدورة ومطالبها المحقة. كما أكد معبد الحسون في الكتاب قتل داعش لكثيرين من المعتقلين الثوريين المتواجدين في سجون الفرقة ١٧ والمطار واللواء ٩٣، بعد سقوطها بيد داعش، وأعلنت أنهم من جنود النظام. أكد ذلك اهل الثوار الذين شاهدوا فيديوهات الذبح التي تفننت داعش في إخراجها وترويجها.

 وهكذا استخدمت داعش كأداة تخدم مصلحة النظام السوري ومن ورائه قوى النظام العالمي، لتعيد الشعب السوري إلى حظيرة الاستبداد والاستعباد، مستفيدة من البنية النفسية المرضية لاغلب منتسبيها، كذلك البنية العقائدية المشوهة للإسلام وحقائقه الثابتة، وتحويل الاهتمام العالمي لمحاربة داعش الارهابية التي غطّت بمشاهدها وفظاعة أعمالها في وسائل الإعلام -على قلتها نسبيا- على ما فعله النظام الذي قتل واعتقل مئات آلاف السوريين وشرد الملايين ودمر اغلب سورية، على الأقل في تلك السنوات الأولى للثورة السورية.

  • خاتمة الكتاب.

ينتهي الكتاب في المستوى الذاتي لمؤلفه معبد الحسون عندما يخرج هو ومن تبقى من لواء الناصر صلاح الدين و لواء ثوار الرقة وكتيبته الخاصة شهداء الغوطة من الرقة قبل دخول داعش اليها، ووصولهم الى مدينة جرابلس في أوائل عام ٢٠١٤م. ومن هناك يغادر معبد الحسون الى تركيا ممتلئا خيبة وحسرة على ما أصاب الثورة من غدر وما صاحب ذلك من قتل وتشريد لأهل الرقة.

كما كتب فصلين ختاميين يتحدث في أولهما عن

الثورة السورية والطرف الثالث وان الثورة السورية لم تكن صراعا بين الشعب السوري وثورته في مواجهة النظام فقط. بل كان هناك تدخلات دولية واقليمية داخل الثورة لتفتيتها واسقاطها وإلغاء مشروعيتها، هذا غير الدعم العلني الذي حصل عليه النظام من حلفائه. بحيث ادى ذلك الى قتل الثورة السورية عموما وفي الرقة على وجه التحديد كما فصّل معبد الحسون، وأن ذلك محكوم بمصالح القوى الدولية والكيان الصهيوني مع الأنظمة الاستبدادية وأن قرار قتل الربيع العربي و السوري بالاخص كان هو وراء حصول ما حصل.

كذلك قارب الخطأ الذاتي في الثورة السورية تحت تسمية خارطة طريق الفشل السوري مفصلا بأسبابها العشرة التي نوردها باختصار على أهميتها:

١- التماهي بين الفكرة وصاحبها، بحيث يتم رفض الفكرة او تبنيها لانها من فلان وليس لكونها صحيحة او خاطئة بذاتها، ما انعكس ذلك سلبا على العمل الثوري…

٢- عدم رد الموضوعات والقصور في كل مناشط الثورة لأسبابها الحقيقية…

٣- اعتبار المعرفة المجردة رأيا شخصيا شبه ملزم، وعدم فصلها عن المعرفة العلمية وتبعات ذلك من خلط وخطأ…

٤- الربط المصلحي بين العمل الثوري والبنية المجتمعية من قبيلة او عشيرة والمنفعة الذاتية والمبررات العقائدية عند أغلب الناشطين بحيث يشوه حقيقة الموقف الثوري ويضيعه.

٥- غياب النقد الذاتي ومراجعة التجربة وتقييمها والاستفادة من ايجابياتها واخطائها.

٦- غياب الرؤية السياسية والبرامجية المنجزة جعلت أغلب الثوار سلبيين وفي موقع الرفض وعدم الفاعلية.

٧- عدم ترتيب الأولويات في العمل الثوري بدء من الهدف البعيد المدى واستراتيجيته وبعد ذلك التكتيكات المتبعة، هناك ارتجالية العمل وفق آلية ردود الفعل توقع في الخطأ دوما.

٨- التداخل بين القراءة الموضوعية لواقع الثورة وبين الميل العاطفي النفسي الغير دقيق والغير صحيح اغلب الاحيان، الذي يوقع الثوار وعملهم بالخطأ والفشل.

٩- التعامل مع الماضي والمستقبل في اغلب الامور ومنها واقع الثورة بعقلية المواقف المسبقة الجاهزة، وهذا يمنع من إدراك حقائق الماضي ومتطلبات المستقبل والتصرف بموجب ذلك.

١٠- وقوع الأغلب ضحية الدمج الغير صحيح والغير منطقي بين السياسي المتغير المتحول حسب متغيرات الظروف وبين الديني بما يحتويه من قراءات وتأويلات متباينة واستخدام ذاتي يخدم صاحب المصلحة أكثر مما يعبر فعلا عن جوهر الدين الإسلامي ومضامينه المحققة لمصلحة البشر.

كما ينتهي الكتاب كما بدأ بمقدمته عبر نصوص وجدانية مؤثرة تعبر عن الانتماء للثورة والخيبة مما آلت اليه الامور، وكيف اصبح الشعب السوري وثورته ضحية مصالح العالم كله على حساب دمه وكرامته وعيشه في بلاده.

الى هنا ينتهي الكتاب وفي التعقيب عليه نقول:

اولا: أننا أمام كتاب توثيقي هو الأول بدقته وعلميته ومصداقيته -حسب اطلاعي- يوثق واقع الثورة السورية في السنوات الاولى في مدينة الرقة وجوارها بكل أبعادها السياسية والعسكرية والميدانية، من داخل المعركة إن صح التعبير حيث كان كاتبه معبد الحسون الشاهد المشارك الرئيسي مع من حوله في متابعة ما حصل على كل الصعد. وما صاحب ذلك من كشف حقائق تطال كل شيء تقريبا. الحراك السلمي والشهداء والمعتقلين وتطورات الصراع وإيضاح كل شيء في الفترة التي يغطيها الكتاب.

ثانيا: كشف الكتاب وبالأدلة التدخلات الإقليمية والدولية لحرف الثورة واسقاطها في الرقة على الأقل سواء على المستوى السياسي أو العسكري، جعل ذلك تحت ناظرنا بالأدلة والوثائق.

ثالثا: كشف الكتاب البنية الأمنية الاستخبارية للنظام وشبكات مخبريها ومندوبيها وأدوارهم الخطرة في اختراق الثورة وقواها العسكرية، وصناعة قوى عسكرية تقوم بالقتل والسرقة والخطف بهدف الفدية، وإلصاق كل ذلك بالثورة. لتشويهها واسقاط مشروعيتها. كما كشف العقلية الإجرامية التي اعتمدت القتل والتصفية لكل مناوئ النظام عبر شبكات امنية مرتبطة بالنظام صفت وقتلت اغلب الثوار والناشطين هذا غير الذين قتلوا وصفوا في المعتقلات وعلى الحواجز الامنية، وكذلك القتل الجماعي للشعب السوري لخدمة اجندة النظام في زرع الرعب في أوساط الناس حتى يمتنعون عن دعم الثورة والثوار.

رابعا: قدم معبد الحسون في كتابه الادلة القطعية عبر شهادات عدة على تغلغل النظام واجهزته الامنية في داعش وكيف تم استخدامها ومعها جبهة النصرة وأحرار الشام عبر بعض قادتها التابعين للاستخبارات وخدمة اجندة النظام كاملة في اعادة احتلال الرقة والمطار والفرقة ١٧واللواء ٩٣ من داعش وما صاحب ذلك من عمليات قتل وتنكيل استفاد منها النظام بتحويل أنظار العالم عن النظام وأفعاله الى التركيز على داعش الارهابية والعمل لخلق تحالف محاربة إرهاب داعش وأخواتها.

خامسا: أكّد معبد الحسون في كتابه بالدلائل اعتماد النظام بجيشه وأمنه ومخبريه ومندوبيه على الطائفة العلوية حيث عمل على خلق ارتباطاتهم الأمنية عبر سنين طويلة. وكذلك الاستفادة من تغلغلها المجتمعي وسط البنية الإجرامية داخل المجتمع السوري وفي الرقة تحديدا.

سادسا: كذلك أكّد معبد الحسون على ما توصل اليه باحثون آخرون عن دور النظام السوري في صناعة ظاهرة الإسلاميين الجهاديين المعبئين بالفكر السلفي التكفيري، ودور سجون النظام وخاصة صيدنايا بذلك وعبر عقود، واختراق هذه الجماعات بكوادر امنية للنظام السوري واستخدامها في تحركاته في العراق قبل احتلاله وبعده. وفي بدايات الثورة السورية حيث تم إخراجهم من السجون وأصبحوا قادة الجماعات الجهادية القاعدة والنصرة وداعش وأحرار الشام. وكانوا هؤلاء بداية الطعنة القاتلة التي وجهت للثورة السورية في مسارها العسكري التي أدت لإنهائها في الرقة وانحسارها في كامل سورية وحضور داعش وتداعيات ذلك بحصول التدخل الدولي ضد داعش واعادة شرعنة النظام أول بأول.

  • أخيرا:

 أن مآلات الحالة التي طالت سورية حيث وقعت تحت احتلالات تمثلت في روسيا وإيران وميليشيات طائفية يمثلها حزب الله اللبناني والعراقي والافغان تدعم النظام، وكذلك الوجود الأمريكي الذي رعى حزب العمال الكردستاني الـ ب ك ك الانفصالي الكردي واصبحت سورية مسرحا لصراعات دولية، كان مآلها أكثر من مليون شهيد ومثلهم من المعتقلين والمعوقين والجرحى، وأكثر من نصف الشعب السوري المشرد داخل سورية وخارجها. كل ذلك لكي لا يفكر الشعب بالمطالبة بإسقاط نظام الاستبداد والفساد والطائفية وبناء الدولة الديمقراطية العادلة…

انهم ضد إعطاء السوريين حقهم بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل…

نجحوا…

لكن إلى حين…

الثورة ومشروعيتها مستمرة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى