تعاون لا تشاحن

د. معتز محمد زين

سمعنا منذ أيام على شاشات التلفزيون خبر قطع العلاقات بين الجزائر والمغرب. وبغض النظر عن حالة القرف التي باتت تصيبنا لدى سماع الكثير من الأخبار وعلى رأسها أخبار النزاع والصراع والمؤامرات بين الدول العربية، لكنني طفت بذهني مباشرة بعد سماع الخبر على خريطة الوطن العربي وأصابتني الدهشة والحيرة عندما لاحظت أن النزاع أو الصراع هو سيد الموقف في العلاقات بين الدول العربية المتجاورة وخاصة منها ذات الثقل الاستراتيجي سواء على مستوى الموقع الجيوسياسي أو على مستوى الإمكانات والثروات أو على مستوى القوة العسكرية والكثافة السكانية.

يندر أن تجد في الوطن العربي على امتداده علاقات دافئة ودية بين دولتين متجاورتين قائمة على التعاون والتكامل والتنسيق الذي يخدم مصالح البلدين وشعوبهما. في حين يندر أن تجد علاقات باردة وعدائية على مستوى شعبين من شعوب تلك الدول. فغالبًا ما تكون العلاقات بين الشعوب في الدول العربية المتجاورة( وغير المتجاورة ) ودية وقائمة على الإحترام والمحبة والتعاون والتعاطف وأحيانًا القرابة والمصاهرة. السؤال الذي يخطر على بال أي مهتم في الشأن العام: لماذا تقوم العلاقات بين الحكومات العربية على الصراع والنزاع والخصومة على عكس طموح ومشاعر وعلاقات شعوبها وعلى عكس مصالح بلدانها اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا؟؟؟ هل هذا صدفة؟؟ هل هو قصر نظر سياسي ؟؟ هل السبب مجرد تضارب مصالح بين الدول؟؟ أم أن حالة الصراع المزمن هو هدف مقصود وله غايات؟؟

العوامل التي تدفع نحو التقارب والتعاون بين الدول العربية كثيرة ويندر توفرها في كتلة بشرية كبيرة ممتدة على مساحة تقدر ب 14 مليون كم مربع، والتداخل بين تلك الدول على مستوى الجغرافيا والتاريخ والثقافة والدين والمجتمع والمصالح الاقتصادية والأمن الوطني والإقليمي يصعب تجاهله وتجاوزه. فلماذا تقوم المعارك الإعلامية والكلامية والسياسية وأحيانًا العسكرية بينها باستمرار؟؟ ولماذا يتم افتعال المشاكل بطريقة غبية وغير مفهومة بين الدول التي كانت تشهد هدوءً في علاقاتها مع الجوار؟؟ ولماذا تنزع التكتلات – الهشة أصلًا – نحو التفكك بدل المزيد من الإلتحام والتماسك خاصة وأن المنطقة تمر بحالة من الفوضى الإجتماعية والسياسية فضلاً عن حالة الركود والضعف الاقتصادي الذي يكاد يفتك ببعض الدول ويهدد وجودها واستقرارها؟

من حق الشعوب أن تتساءل وأن تسائل حكامها. لماذا تفشل دول ذات حضارة واحدة ومشتركات تاريخية وثقافية واجتماعية ضخمة وكفاءات وثروات تكفي لجعلها منطقة ذات وزن دولي معتبر جدًا في تحقيق الحد الأدنى من التعاون والتكامل والتنسيق الذي يعود دون شك على شعوبها بالخير والرفاهية وعلى مجتمعاتها بالإستقرار والقوة وعلى دولها بالتقدم والتطور والردع لأي عدو خارجي ؟؟ لماذا؟؟

بالنسبة لي ومع قناعتي بوجود العديد من العوامل التي يمكن للإستقراء والتحليل أن يضعها كأسباب لهذا الداء ووجود الكثير من التحديات التي تشكل حجر عثرة أمام التقارب بين الدول العربية، إلا أنني أجدها جميعًا تجتمع في النهاية عند نقطة واحدة تشكل السبب الحقيقي الكامن خلف حالة  النزاع والتفكك والصراع. السبب الحقيقي أن القرار الاستراتيجي لدى العديد من الدول العربية ليس في يد الطبقة الحاكمة لهذه الدول أصلًا، وأن هناك نوع من الإيحاء( المكتوب أو المفهوم) من قبل الدول العظمى يرسم خطوطًا حمراء يخشى أصحاب القرار تجاوزها تتعلق بكل عوامل التقدم والتطور والإستقلال لهذه البلدان( كالوحدة والديمقراطية الحقيقية والتكامل الاقتصادي والهوية الإسلامية والتسليح النوعي والتصنيع الثقيل .. الخ).  وهذا يعني بطريقة ما أن هذه الطبقة الحاكمة – أو بعضها على الأقل – هي طبقة وظيفية تتحرك – في القرارات الاستراتيجية – بأوامر مشغليها الذين نجحوا بترسيخ معادلة في عقول الطبقة الحاكمة مفادها: أن ثمن استمراركم في الحكم هو بيع القرار الإستراتيجي واستباحة ثروات البلاد وخيراتها لصالح الشركات الأجنبية والعمل على تفكيك المجتمعات من الداخل وطمس هويتها الحضارية .

من هنا يمكننا أن نفهم خطورة وصول شخصية مخلصة وأمينة عبر صناديق الاقتراع الحقيقة إلى كرسي الحكم. من هنا يمكننا معرفة السبب في كون معظم حكامنا مصابين بالعته أو الجنون أو الخفة أو الجهل أو الضعف بدرجة لا تتناسب أبدًا مع الموقع الذي يشغلونه. من هنا يمكننا فهم الإمكانات الهائلة والتدابير الاستثنائية التي تتخذها بعض القوى لإجهاض مفرزات الربيع العربي السياسية والفكرية. ويمكننا فهم وجود خط أحمر عريض على وصول الإسلاميين للقصر الجمهوري. ومن هنا يمكننا فهم السعي الحثيث لضرب أي نواة لمؤسسة متماسكة إسلامية أو وطنية مستقلة ولا تعمل بأوامر خارجية .

انطلاقًا من هنا، ومن مؤشرات كثيرة أخرى. يمكننا إدراك الكثير من المسائل العصية على الفهم. مسائل تتعلق بالثقافة والاقتصاد والسياسة والإعلام والدين والديمغرافيا. مسائل قد يكلفنا فهمها وفك شفرتها ثمنًا لا قدرة لنا على تحمله.

المصدر: اشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى