رغم الحصار والقصف الذي تجاوز في مدته الزمنية 75 يومًا ونيف، وبالرغم من الخذلان والتخلي الإقليمي والدولي، عن شعب حوران الأبي، بل عن كل الشعب السوري، وانحسار حجم ودور مايسمى أصدقاء الشعب السوري، رغم كل ذلك تمكن أهل درعا البلد بامكانياتهم المتواضعة في العتاد، حيث لا سلاح إلا الفردي، ولا قوة إلا قوة الإيمان بالله وإرادة السوريين، من أجل الخلاص كلية من عسف وظلم وتغول آل الأسد، وكل الميليشيات الإيرانية الطائفية، فقد استطاع شعب درعا البلد أن يرفض الذل والهوان ويحقق ماعجزت عن تحقيقه الكثير من القوى المدججة بالسلاح.
لقد تجسد النضال والكفاح السوري في بلد صغير بحجم درعا البلد، واستطاع هذا البلد الدرعاوي، وهو مهد الثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة، أن يبقى متشبثًا في أرضه وبين ناسه وأهله، رافضًا التهجير القسري الممنهج الذي كان يُشتغل عليه ضد أكثر من 50 ألفصا من شعب حوران، إلى الشمال تارة، وإلى الأردن تارة أخرى. وقد اضطر أهل درعا البلد ومفاوضيهم إلى القبول باتفاق يزيح نير الاستعمار الطائفي الذي كان يحاصر درعا البلد، مع بقاء بعض الحواجز القليلة المتفق عليها داخل درعا البلد، ثم تسليم السلاح الفردي، وتسوية أوضاع المطلوبين، وهو أهون الشرور أمام صمت المجتمع الدولي وعجزه، وتخلي النظام الرسمي العربي عن دوره المنوط به تجاه شعب سورية وأهل حوران.
لم يكن صمود شعب حوران في درعاه البلد إلا تعبيرًا أكيدًا وصريحًا عن رفض حكم آل الأسد وكل من جاء معهم ليعيد قيامتهم بعد أن كاد ينهار حكم الأسد بقضه وقضيضه أواسط عام 2013، واليوم فواهم من يعتقد يومًا أن من أعاد قيامة النظام السوري الأسدي، وهم الروس ومعهم الإيرانيون يمكن أن يكونوا حياديين أو حكمًا عدلًا، أو حتى وسيطًا نزيهًا، فمسيرة الاتحاد الروسي ومنذ ماقبل دخولهم أراضي سورية في أواخر أيلول/ سبتمبر عام 2015 تشير إلى أن مصلحتهم كانت ومازالت في بقاء نظام القتل والإجرام الأسدي، وهو الأقدر على تلبية مصالحهم العسكرية والاقتصادية في الجغرافيا السورية، وكذلك الدور الأميركي الذي أشرف يومًا على اتفاق عام 2018 الخاص بالجنوب السوري، حيث لاهم للأميركان سوى حماية أمن إسرائيل، ولم يجدوا كلب حراسة أكثر إخلاصًا من النظام السوري على حماية أمن وحدود اسرائيل، منذ أن وقع حافظ الأسد اتفاق فض الاشتباك مع إسرائيل عام 1974 وحتى الآن. وهو أي النظام المجرم من تمكن من إنجاز دوره الوظيفي عبر مسيرة خمسين سنة أو يزيد من حكم الأسد الأب ثم خليفته البائس بشار الأسد.
في تجربة الحصار ومقاومة المحتل الأسدي والإيراني في الجنوب، استطاع شعب درعا البلد أن يسطر بأحرف من نور تاريخًا ناصعًا للمقاومة الحقة، والمواجهة البطلة، ضد كل آلة الحرب الحديثة التي يمتلكها نظام الأسد وفرقته الرابعة وميليشياته الطائفيىة.
وأنتج هذا الشعب دروسًا لمن يريد أن يتعلم منها، كيف يقاوم الأعزل، وكيف يستطيع البعض من الشباب الذين آمنوا بقضيتهم من أن يواجهوا أعتى القوى امتلاكًا لترسانة السلاح. فقط عندما يعتمدون على أ،نفسهم بعد الله دون الإرتباط بالداعم الخارجي مهما كان.
كما انكشف أكثر واكثر عقم دور المعارضة السورية السياسية والعسكرية، عندما وقفت فاغرة فاها أمام المحرقة التي اتبعتها ميليشيات إيران والفرقة الرابعة ضد شعب حوران. ولم تتمكن حتى من إصدار بيان جدي وحقيقي، وسوف يسجل التاريخ هذا الدور العاجز والبائس للمعارضة السورية التي تركت أهل درعا يلاقون مصيرهم بأنفسهم، دون أي حراك دعموي جدي لا من المعارضة ولا من أصدقاء الشعب السوري؟
في مسارات التاريخ ثمة من يكتب التاريخ، ويحقق الإنجاز عالي المستوى، الذي يؤرخ للبطولة والكفاح ضد المستعمر والمتغول، وثمة من يقف على الرصيف متفرجًا، وهم جميعًا يرصدهم التاريخ ويسجل حركتهم، فإما يبقون فخرًا للشعب والأمة كل الأمة، أو يتكومون على طبق ثاوٍ في مزابل التاريخ.
لقد ولد الوطن السوري والوطنية السورية من جديد، على يد أبطال درعا البلد، ويعيد الوطن السوري نشأته مرة أخرى على يد من كانت مهد الثورة، وهذا هو الواقع وليس الخيال، منجزًا وليس حلمًا، ممارسة عملية وليس تهويمًا في اللامعقول.
ولسوف يتابع الوطن السوري ولادات أخرى قادمة، قد تكون في إدلب، أو حمص، أو حلب. يرونها بعيدة المنال ونراها قريبة قرب الرمش للعين، حيث لاقدرة للطاغوت ولكل أدوات الطغيان على وقف حركة التاريخ الصاعد أبدًا نحو الأمام والأعلى.
المصدر: اشراق