تدور رحى معارك حامية جدًا منذ أشهر بين فصائل المعارضة السورية من جهة، وقوات إيرانية أسدية روسية بكامل عتادها الجوي والبري، من جهة أخرى، وخاصة على جبهات ريف حلب وأرياف إدلب، حيث بدأ الهجوم على ريف إدلب وريف حماة منذ أواخر نيسان/ ابريل 2019، واستطاعت قوات المعارضة بإمكانياتها العسكرية المتواضعة أن تصمد في مواجهته ما يقرب السنة، رغم شح العتاد وقلة الذخيرة، وانقطاع الدعم العسكري، ممن كانوا يسمون بأصدقاء الشعب السوري، لكن للناس وبأسلحتهم الفردية طاقة محددة، من الممكن أن تنتهي، إن لم يجدوا مصدرًا للدعم العسكري، ولأن الأصدقاء في الإقليم وخارج الإقليم، لم يستمروا بتقديم أي دعم، فقد لوحظت خلال الأيام الأخيرة الكثير من الانهيارات العسكرية، وهو ما أدى إلى سيطرة النظام وميليشياته على الكثير من المناطق والقرى التي كانت بحوزة المعارضة، في كل من ريف حلب وريف حماة وريف إدلب، في وقت تُركت فيه تركيا من قبل حلفائها في الناتو تلاقي الأمر لوحدها، بعد أن دخلت بقوات كبيرة، وفي سياق تمنع روسي واضح، عن العودة لاتفاق سوتشي الخاص بإدلب، وتتابع الدولة التركية دخول قواتها دون أي توقف للقوات الأسدية عن متابعة قضم الأراضي، وضمن تغطية روسية معلنة بل مشاركة جدية بكل الإمكانيات العسكرية التي تملكها روسيا والتي أعلنت أنها تقوم بتجريبها على السوريين ضمن الجغرافيا السورية.
الأوضاع في إدلب وما حولها غاية في السوء، ويتم تهجير الناس إلى المجهول، ولم يعد أي مكان يؤوون إليه، بل لم يعد من مكان آمن، بينما تتحضر ميليشيا الأسد للإجهاز على ما تبقى من أراض كان قد التجأ إليها السوري بعد موجة القصف الهستيري الاجرامي التي تمارسها قوات روسية أسدية، لا ترحم، وتتابع مسيرها دون الالتفات إلى حجم الدمار والقتل والحرق الواقع فوق رؤوس البلاد والعباد، والأميركان يتابعون الفرجة الفضائية على كل ما يجري، كما يتابعون حالة التخلي والخذلان، والاكتفاء بالتصريحات (الخلبية) التي لم يعد يصدقها أحد، ولم يعد الارتكان إليها ممكنًا، هذا إن كان بالأصل يوجد من يتكئ عليها أساسًا، وإذا كان مصير الشعب السوري مازال مجهولًا، وإذا كان الجيش التركي الذي دخل الأراضي السورية، غير قادر على لجم التغطية الروسية للمقتلة، ضمن حالة المصلحة، وعدم الانجرار إلى حرب مع الروس لا يريدها الأتراك، ولا يدعمها حلف الناتو، الذي يقول أن الاعتداءات من قبل النظام على الجيش التركي حصلت خارج حدود تركيا، ولم تأت داخل الأراضي التركية، وهو ما يمنع تطبيق بنود الحلف، ويبدو أنه تبرير يراد منه التملص من أي جدية حقيقة بالوقوف الى جانب الشعب السوري، أو مع الجيش التركي كقوة نظامية منضوية داخل حلف الناتو.
كل ذلك وسواه ما يجعل ظروف القهر والألم تزداد وتتصاعد فوق أجواء السوريين، الذين ضاقت الأرض بهم بما رحبت، ولم يعد من منقذ لهم إلا الله، وبات المصير الغائم، أشد مأساوية وأكثر دموية، وبات معه العالم العربي والإسلامي وما يسمى بالمجتمع الدولي مدانًا أشد الإدانة، ومدعاة للريبة والشك في مواقفه غير المعنية بما يحدث، من منطلق أن الصامت شريك، والكل اليوم يصمتون على الجريمة، ويجدون مبررات للتقاعس عن أي حراك من أجل إيقافها، وهو ما يزيد الشرخ بين الشعب السوري والعالمين والدائرتين المحيطتين به، ما ينذر بمزيد من ردات الفعل التي من الممكن أن تنتج حالات لا يحمد عقباها.
يعتقد البعض أن بالإمكان العودة إلى (حضن الأسد) مرة أخرى والعودة إلى النضال السلمي ضد سطوة جلاديه، ولكن الحقيقة تقول أن من يجرب المجرب سيكون عقله مخربًا، ولا ثقة مطلقًا بهذا النظام المجرم أبدًا، وتجارب السوريين معه تبين حجم الكوارث التي وقعت على المدنيين من إجرام أتت من قبله ليس كمثلها أي إجرام، فالقتل عنده من أسهل المسائل التي يمكن أن يتعامل بها مع الشعب السوري، بعد أن قتل ما يزيد عن المليون، وهجر ما يزيد عن 14 مليون، داخليًا وخارجيًا، واعتقل ما ينوف عن 500 ألف، وأنتج أكثر من 200 ألف معوق حرب، ويتَّم الملايين من أطفال سورية. من هنا فإن الشعب السوري ما يزال يصر على مقاومة الإرهابي الأول في سورية وهو بشار الأسد، ومازال هذا الشعب مصممًا على المضي قدمًا من أجل تحقيق الحرية والكرامة التي خرج من أجلهما في 15 آذار / مارس 2011.
المصدر: المدار نت