يفتح الهجوم الذي استهدف مطار أربيل الدولي شمالي العراق، ليلة أمس السبت، باب التساؤل حول إمكانية أن تشهد بغداد هي الأخرى هجمات مماثلة من قبل الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، والتي تضغط على الحكومة في ملف إخراج القوات الأميركية من البلاد، أم أنه بمثابة رسالة محددة لأربيل.
وكان مستشار الأمن الوطني العراقي قاسم الأعرجي قد تحدث، في وقت سابق، عن عقد هدنة مع الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، إلا أن استهداف المطار بالطائرات المفخخة، أمس، يمثل خرقًا واضحًا للهدنة المعلن عنها.
ويعتبر الهجوم الذي استهدف مطار أربيل عبر صواريخ موجهة وطائرات مسيرة مفخخة السابع خلال هذا العام، إذ تسببت الهجمات السبع بمقتل وإصابة عدد من المدنيين العراقيين والمتعاقدين الأجانب، عدا عن الخسائر المادية التي لحقت بالمطار.
وقال محافظ أربيل أوميد خوشناو، في إيجاز صحافي اليوم الأحد، إن الهجوم الأخير كان يستهدف التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” بقيادة الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن قوات التحالف تمكنت من إحباط الهجوم وإسقاط الطائرتين من دون وقوع خسائر.
وأرجع المحافظ تكرار الهجمات على أربيل إلى وجود فراغ أمني خارج حدود الإقليم، في إشارة إلى المناطق التي تنشط فيها مليشيات مسلحة تعمل تحت غطاء “الحشد الشعبي”، في المناطق المحاذية لحدود إقليم كردستان الإدارية، حيث أكد انطلاق الهجوم الأخير منها.
وطالب بتطبيق الاتفاق الأمني في تلك المناطق بين أربيل وبغداد لترسيخ الأمن والاستقرار في أربيل والموصل وكركوك، مشيرًا إلى أن الحكومة العراقية لم تطبق الاتفاقية كما هو مطلوب حتى الآن.
من جهته، وصف المتحدث باسم التحالف الدولي واين ماروتو الهجوم بأنه “يقوض سلطة المؤسسات العراقية وسيادة القانون والسيادة الوطنية العراقية”، مبينا، في تغريدة له على حسابه الرسمي في موقع “تويتر”، أن “هذه الهجمات تعرّض حياة المدنيين والقوات الشريكة من قوى الأمن الداخلي والبشمركة والتحالف للخطر”.
وأوضح: “تعرضت القوات في أربيل للهجوم بواسطة طائرتين بدون طيار، وتم استخدام تدابير الحماية المضادة للقوة لهزيمة الطائرات بدون طيار”، مشيراً إلى عدم وجود إصابات أو أضرار في الممتلكات.
وكان آخر هجوم تعرض له مطار أربيل في السابع من تموز/ يوليو الماضي، حيث تسبب بحريق محدود وأضرار في أحد المباني الواقعة ضمن الجزء العسكري لقوات التحالف الدولي.
وفي ما يتعلّق بتفاصيل الهجوم الجديد، أكد ممثل وزارة الداخلية والبشمركة في غرفة العمليات المشتركة العراقية اللواء عبد الخالق طلعت، اليوم الأحد، أن الهجوم جرى بواسطة طائرتين مسيرتين واستهدف القوات الأميركية داخل مطار أربيل، مشيرًا إلى أن الهجوم لم يسفر عن وقوع ضحايا.
وأكد طلعت أن “المسؤولين عن العملية معروفون ويجب عليهم إعلان مسؤوليتهم عن الهجوم”، فيما لم تتبن أي جهة مسلحة حتى الآن الهجوم، إلا أن منصات إعلامية مرتبطة بالمليشيات العراقية الحليفة لإيران احتفت بالاعتداء، فقد ألمحت على سبيل المثال قناة “صابرين نيوز” المقربة من “كتائب حزب الله”، على حسابها عبر “تلغرام”، إلى أن الهجوم يأتي بعد تصريحات من حكومة أربيل بأنها ليست مع انسحاب القوات الأميركية من البلاد.
بدوره، وصف عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل إدريس شعبان، اليوم الأحد، الهجوم بأنه “رسالة سياسية”، موضحًا أن “الجهات المسلحة تريد تكرار رسالتها إلى إقليم كردستان بأنها قادرة، في أي لحظة تراها مناسبة، على الوصول إلى جميع مناطق الإقليم في حال اتُخذت مواقف سياسية مغايرة لما تريده تلك الجهات”.
وأكد شعبان، في تصريحات للصحافيين، أن الإقليم سيتبنى العمل على إخراج الفصائل المسلحة التي تعمل بشكل غير قانوني من المناطق المتنازع عليها مع بغداد، إضافة لنشر قوات البشمركة والجيش العراقي في تلك المناطق.
واتهم مسؤول كردي في أربيل الجماعات الحليفة لإيران بالوقوف وراء الهجوم، مشيرًا إلى أنها تأتي ضمن إطار محدود قد لا يتكرر، فيما أضاف”لا نعتقد أن الهدنة انتهت أو أنها ستمتد إلى بغداد (…) هذه الرسائل، التي أوصلتها المليشيات الموجودة على حدود كركوك ومخمور وزمار، قد تكون متعلقة بموقفنا الأخير من قضية سنجار، أو تماشيا مع تهديدات الحرس الثوري الإيراني بفرض عمل عسكري في مناطق حدودية قرب السليمانية تستهدف جماعات كردية معارضة لطهران”.
واعتبر المسؤول الكردي، في حديث مع الـ”العربي الجديد”، أن الهجوم في هذا التوقيت يؤكد ضرورة مراجعة قرار انسحاب القوات الأميركية من الإقليم.
من جانبه، قال الباحث في مركز العراق للدراسات شاهو القرة داغي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “رسائل سياسية تقف وراء الهجوم على مطار أربيل، خاصة أن حكومة الإقليم تؤكد أن الأطراف التي تقف وراء الهجوم معروفة، حيث سبق أن اتُهمت (جماعة كتائب سيد الشهداء) بالوقوف وراء عمليات القصف”.
وأضاف “أربيل تحاول دائما أن تحافظ على هامش من الاستقلالية في القرار، وفي الفترة الأخيرة، حاولت أن تقدم نفسها بديلاً للنفوذ الأجنبي في حال الانسحاب من باقي مناطق العراق، ولكن يبدو أن هذا التوجه غير مرغوب به عند الفصائل الموالية لإيران، التي تريد تأكيد استطاعتها الوصول إلى أي منطقة داخل العراق مع اقتراب موعد الانسحاب الأميركي”.
وقال القرة داغي إن الهدنة الحالية لا يبدو أنها تشمل أربيل، داعيا الجانب الكردي إلى الاستجابة لمطالب المليشيات المسلحة لتجنب تكرار هذه الهجمات، وشمول الإقليم في الهدنة.
وختم القرة داغي قائلا إن “التهديدات الإيرانية كانت مستمرة بالتدخل المباشر في الإقليم في حال عدم السيطرة على نشاطات الأحزاب الكردية الإيرانية الموجودة في الإقليم، وقد تريد إيران إرسال رسالة بأن إيقاف القصف المليشياوي ممكن في حال إيقاف وتحجيم نشاطات الأحزاب الكردية الإيرانية، وبالتالي تزيد من أوراق الضغط عن طريق المليشيات”.
المصدر: العربي الجديد