مع بدء الأزمة السورية، خرج الاعلامي جورج قرداحي بتصريح لافت، قال فيه ان هناك “وسائل إعلامية تتآمر على سوريا”. عُلّق برنامجه “المليونير” آنذاك على قناة “أم بي سي”، وذلك “احتراماً للشعب السوري”. فتحدث عن “قرار سياسي” بتوقيفه. عندها، اتخذ قراره بالاستقالة من القناة.
لم يختر قرداحي المسار الإداري لتقديم استقالته. كان تربطه علاقة متينة برئيس مجلس ادارة القناة، وليد آل ابراهيم. حدد موعداً، والتقاه لتقديم استقالته. يومها، قال له ابراهيم انه مخطئ في موقفه، وأبلغه أن النظام السوري سيسقط في أيلول/سبتمبر (من ذلك العام)، نقلاً عن تقديرات دولية واقليمية. أجابه قرداحي بأنه لا يوافق على تلك التقديرات، وأنه متمسك بموقفه الداعم للنظام السوري.
لم يتردد قرداحي خلال عشر سنوات من تاريخ ذلك اللقاء، بالاعلان عن تمسكه بالنظام السوري ورئيسه، “المنتخب” أربع مرات، لرئاسة البلاد. وبعد انقضاء السنوات العشر، في ايلول 2021، سُمّي قرداحي وزيراً في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وحمل حقيبة الاعلام.
صحيح أن قرداحي سُمّيَ وزيراً من حصة تيار “المردة”، الا أن موقفه الداعم للرئيس السوري بشار الاسد، أهّله لموقعه، وبالتالي، خرجت تقديرات بأن قرداحي يُكافأ على موقفه الداعم لدمشق في هذه الحكومة، وهو أمر من المبكر الجزم به، ولو أنه تقدير منطقي، بالنظر الى ان أدبيات الرجل لم تكن متماهية تماماً مع “المردة”، باستثناء تلاقيهما على دعم الأسد، والتمسك به، والاحتفاظ بعلاقة معه. يلتقي الطرفان على المجاهرة بذلك، اعلامياً وفي الأروقة السياسية، ولم يتردد قرداحي في الإعلان عن تمسكه بالأسد، كشخص، وليس النظام، وذلك في لقاءات تلفزيونية جُمعت في فيديو واحد، يتناقله معارضو النظام السوري في مواقع التواصل الاجتماعي.
يُبنى على هذه الفرضية الكثير، لجهة التغيرات الاقليمية والتقاطعات الدولية. فشخصية جاهرت بموقف سياسي، في حكومة يُفترض أنها تكنوقراط وغير سياسية، لا يمكن أن تتبوّأ فيها مقعداً وزارياً من غير تغطية دولية. لذلك، فإن أي محاولات لتبرير موقفه لدحض تهمة الموقف السياسي عنه، لن تُصرف في أي مكان، في ظل مجاهرته الاعلامية. وأي محاولة لحرف الانظار عن تمثيل مؤيدين للأسد في الحكومة، أو لسواهم، لن تغيّر في الوقائع أي شيء.
وما كانت الحكومة لتُشكل لولا التقاطعات الدولية، والليونة التي أبدتها الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى، لإزالة العقبات من أمام تشكيلها. اتصال الرئيسين الفرنسي ايمانويل ماكرون، والايراني ابراهيم رئيسي، لا يخفي هذا التقاطع والدور الخارجي الضاغط.. وما لم يُقَل هو عن حجز حصة استرضائية لدمشق في الحكومة التي تدخلها، مجدداً، كلاعب مؤثر في الساحة اللبنانية. دور دمشق، لن يعود الى سابق عهده، بطبيعة الحال، لكنه موجود، وملائكة النظام حاضرة، سراً وجهاراً، في المشهد اللبناني المعقّد.
خلافاً لموقفه السياسي، وهو الموقف الذي مهّد لوصوله الى مقعد حكومي، يحمل قرداحي حقيبة وزارة الإعلام، أي حكومة في اختصاصه. وبصرف النظر عن مواقفه، يعد قرداحي من الشخصيات الاعلامية التلفزيونية الحاضرة في المشهد السياسي، ويُعرف بثقافته وقراءاته.
قد يكون ذلك هو أبرز ما يقوده الى الحكومة ليشغل موقع عضوية فيها، يصوت على القرارات السياسية بما يتخطى انتظار إنجازات في وزارة الإعلام، تلك التي لا تتصدر لائحة الأولويات الآن، ليس لقيمة موازنتها الصغيرة جداً في المالية العامة بالدولة، ولا لتراجع الإعلام الرسمي، على مدى عشرين عاماً فحسب، بل لأن الحكومة تأتي بمهام محدود أبرزها إجراء الانتخابات، وصرف البطاقة التمويلية، وتنظيم الانهيار، وإدارة الأزمات المترتبة على إيقاف الدعم، واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تمهيداً لرسم مسار لتسديد “اليوروبوندز” وتحرير سعر صرف الدولار في وقت لاحق.
وخلال أقل من عام من عمر الحكومة، بينها تحوّلها الى حكومة تصريف أعمال في الربيع المقبل بعد اجراء الانتخابات النيابية، أي بعد 8 أشهر بالحد الأقصى، لن ينجز قرداحي قانوناً للإعلام، وبالكاد يمكن أن يعين مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة “لتلفزيون لبنان” الرسمي. عدا ذلك، ستكون مهمته سياسية.. وهي لعبة يتقنها، ويتقن تجميل وقائعها حين سيتلو مقررات مجلس الوزراء.
المصدر: المدن