بعبارة مباشرة، وأنا أرى القتلة والمتآمرين والحكام العرب، الذين انتهت صلاحيتهم من أمد بعيد، يتناهبون العراق الذبيح ويزيدونه ذبحا أقول، لا بارك الله فيكم يا من حضرتم قمة بغداد، سواء من دول الجوار أو الدول الإقليمية أو الغربية، و سميتموها، زورا وبهتانا، بقمة التعاون والشراكة. فأنتم تعلمون أن مجيئكم لهذا البلد، لم يكن إلا لضمان حصة كل واحد منكم من العراق النازف دما. والا ما معنى حديث وزير خارجية إيران أمير حسين عبد الهيان، عن دعم بلاده أمن العراق واستقلاله ووحدة أراضيه، والمليشيات المسلحة العراقية الموالية لبلاده، تعمل ليل نهار على تنفيذ مخططها لجعل العراق جزءا من الجمهورية الإسلامية؟ وبماذا يفسر لنا رئيس وفد تركيا استعداده للمساهمة في إعمار العراق، وقوات بلاده تحتل أجزاء من شماله وتقصف طائراتها مدنه، وتهدمها على رؤوس ساكنيها، تحت ذريعة محاربة الإرهاب؟ وما معنى ان يعلن رئيس وفد إمارة الكويت، صباح خالد الصباح، التزام إمارته بمساندة العراق لتجاوز الصعاب التي تعترض استقراره وأمنه، وبلاده استولت على مساحات واسعة من جنوب العراق، وضمتها الى أراضيها. وما معنى تأكيدات وزير خارجية السعودية، فيصل بن فرحان، دعم بلاده للعراق، والعمل على كل ما يحفظ أمنه واستقراره، وهي التي عملت وساهمت وشاركت المحتل الأمريكي في تنفيذ مخطط تدمير العراق دولة ومجتمعا؟ وما معنى اعلان الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، بان بلاده ستواصل دعمها للشعب العراقي في تحقيق تطلعاته، والطائرات الأمريكية التي دمرت العراق انطلقت من أراضيه؟ اما زال هذا الأمير يعبث بالشؤون الداخلية للعراق لمصلحة إيران تحت ذريعة إرساء الامن والاستقرار في هذا البلد؟
أما الجارة الأردن وملكها فلابد له من مدح حكومة العراق، مقابل كميات النفط التي يحصل عليها بانتظام من العراق مجانا. ثم أين رئيس مصر من مخطط تقسيم العراق، الذي ينفذ أمام عينيه دون ان ينبس ببنت شفة، وما مناسبة ان يتذكر اليوم ضرورة الحفاظ على وحدة أراضيه واستعادة دوره في المنطقة غير السعي للحصول على حصة من العراق الذبيح؟؟ ثم عن أي انتخابات يتحدث رئيس مصر، ويعلن ثقته بأن العراق سيفي بالاستحقاق الانتخابي بنجاح؟ ألم يسمع هذا الرئيس بأن الانتخابات في العراق، لحمتها المال والسلطة وسداها شراء الذمم في ظل الاحتلال وعشرات المليشيات المسلحة وغياب المؤسسة العسكرية والأمنية الوطنية؟ وأخيرا أليس الهدف من قدوم الرئيس الفرنسي، الذي حشر نفسه في هذه القمة، دون غيره من دول الغرب، مزاحمة تركيا وتامين حصة كبيرة لفرنسا وشركاتها في عملية الاعمار الوهمية؟
أما أمريكا المحتلة فلها اهداف أخرى، وجدنا نموذجا لها في الأمر، الذي أصدره جو بايدن الى عميله مصطفى الكاظمي، رئيس وزراء حكومة الاحتلال، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن. حيث طلب منه عقد هذه القمة قبل رحيله، لتحقق له هدفين متلازمين. الأول تقديم الدعم والاسناد من قبل هذا المؤتمر لإنقاذ العملية السياسية من السقوط، والثاني تثبيت وجودها العسكري في العراق، على عكس ما يشاع في البيت الأبيض، من أن أمريكا تريد انهاء وجودها القتالي في العراق وعموم المنطقة. فقد بات مفهوما أن أمريكا تعمل على إدامة التوترات في المنطقة، وتجريدها من فرص الاستقرار. وما هذه القمة غير إجراء إضافي لتكريس التناقضات وصراع المصالح والتضاد المسلح عبر الوكلاء غالبا. حيث سترفض جميع الدول المجتمعة الاستجابة لبعضها، وسيخرج الجميع من القمة وهم أكثر خصومة. فالسعودية وإيران سترفضان المصالحة فيما بينهما. لأن الأولى لا تقبل التخلي عن دعم الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والمليشيات في العراق وسوريا. مثلما سترفض السعودية تسليم اليمن للحوثيين. أما تركيا فسترفض بكل تأكيد التخلي عن وجودهما العسكري في سوريا وليبيا والعراق. الأمر الذي يتطلب من دول المنطقة الضعيفة تجديد البيعة لبقاء القوات الامريكية، ليس في العراق فحسب، وانما في عموم إمارات الخليج العربي. في حين سيكون ضحية هذه القمة شعب العراق دون أدنى شك. بل الكاظمي نفسه سيخرج من هذه القمة خالي الوفاض، سوى تحقيق مكسب اعلاني يخص الانتخابات المقبلة، على أمل أن تمنحه الكتلة الأكبر الفائزة في الانتخابات ولاية ثانية. ودعكم من التصريحات الوردية حول نجاح أعمال القمة، ووصفها بأنها الخطوة الأولى لتصفية الخلافات بين دول الجوار، وان العراق هو المؤهل لإنجاز هذه المهمة.
ان قرار أمريكا بعقد هذه القمة لم يأت صدفة، وإنما يمثل امتدادا لما سبقها من قمم لتحقيق الأهداف الامريكية التي تصب في خدمة مشروع الاحتلال وتكريسه لعقود طويلة. ففي عام 2005 وجراء اقتناع بوش الابن باستحالة صمود حكومة الاحتلال أمام المقاومة العراقية الباسلة، وتصاعد عملياتها العسكرية الشجاعة، حسب تقارير القادة الميدانيين الأمريكيين وغيرهم القابعين في وزارة الدفاع والمعاهد الاستراتيجية ومراكز الدراسات والأبحاث، دعم بوش القمة العربية في الجزائر، لانتزاع قرار يتضمن تقديم الدعم والاسناد للعراق، والتأكيد على وحدته وسلامة أراضيه، وعدم التدخل بشؤونه الداخلية، ليتسنى لبوش استغلال هذه الشعارات والقيام بحركة التفاف على المقاومة العراقية التي تهدد حسب تعبيرات المحتل وحدة العراق وسلامة أراضيه، ولجعل العراق ساحة مباحة لتدخلات الدول المجاورة. وفعلا نجح عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية من إنجاز هذه المهمة الغادرة، عبر إقناع القوى والأحزاب المناهضة للاحتلال، بما فيها أطراف من المقاومة العراقية، على الدخول في مصالحة مع أحزاب الحكومة العميلة، والانخراط في العملية السياسية. من خلال مؤتمر المصالحة، الذي شهد مبنى الجامعة العربية في القاهرة، انعقاده وبحضور الرئيس الأسبق حسني مبارك.
أما السعودية فقد تولت عقد قمة في الرياض عام 2007، تصدى لإنجاحها، هذه المرة، الملك عبد الله ملك السعودية، وبطريقة مسرحية تنطوي على قدر من الخداع والتضليل، فقد أعلن عن “اكتشافه الخطير” بان العراق محتل من قبل إيران، وعلى القمة العربية أن تجد حلا لإنهاء الاحتلال، والبحث عن وسيلة لتحريره. وسرعان ما وجد الوسيلة. حيث دعا لعقد اجتماع في الرياض لإجراء مصالحة فيما بين الأحزاب المعادية للاحتلال والحكومة، عبر إعادة تقسيم الحصص بالتساوي. ولولا تمسك عملاء الاحتلال بمكاسبهم ورفض تقاسمها مع الآخرين، لنجاح هذا المشروع وخلق بدوره ارباكا في صفوف العراقيين، الأمر الذي سيعرقل مسيرة المقاومة العراقية باتجاه تحرير العراق. في حين كان آخر هذه القمم تلك التي عقدت في بغداد عام 2012 لدعم الحكومة العراقية، بعد تصاعد الانتفاضات الشعبية ضدها والمطالبة بإسقاطها. في حين مثلت القمة الثلاثية التي عقدت في بغداد بين العراق ومصر الأردن، قبل أكثر من شهرين، آخر تلك المحاولات لإنقاذ حكومة الاحتلال من الانهيار. حيث طرحت هذه القمة ملفات يسيل لها اللعاب، من قبيل تحقيق تنمية اقتصادية وتأمين الربط الكهربائي والتعاون التجاري والزراعي، بالإضافة إلى التعاون الثقافي والتعليمي، إلى آخر هذه الوعود الكاذبة.
ليس غريبا أن تسلك أمريكا المحتلة هذا الطريق. فالمحتل البريطاني هو من قرر تشكيل الجامعة العربية، حسب العديد من المصادر الغربية والعربية. لاستخدامها كوسيلة لبقاء القوات المحتلة البريطانية في المنطقة مدى الدهر. وقد ترجم هذا القرار أنتوني إيدن وزير خارجية بريطانيا آنذاك، في الخطاب الذي ألقاه في 29 مايو 1941 والذي ذكر فيه “إن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكري العرب درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن. وبريطانيا تشجع مثل هذه المساعي نحو هذا الهدف”. بل ان حكومته، كما قال، سوف تبذل تأييدها التام لأيّ خطة تلقى موافقة عامة”. وبعدها بسنتين تقريبا أكد تمنياته الى ان قامت الجامعة، وعقد أول مؤتمر قمة عربية في مدينة أنشاص في مصر عام 1946.
نعم من حق الشعب العراقي، والحالة هذه، أن يقول للحكام العرب : لقد ساعدتم في ذبح العراق وتدمير دولته وحل جيشه ومؤسساته الأمنية ، وعرضتموه إلى مخاطر التقسيم وتمزيق وحدته الوطنية، وسكتم عن الاحتلال ، بل واعترفتم به، واضفتم صفة الشرعية عليه، بل وما زلتم مصرين على ارتكاب هذه الجريمة النكراء، ونسيتم ان هذا العراق الذي تتآمرون عليه ، قاتل على امتداد الوطن العربي من أجل قضايا الأمة ، وقدم كل ما بوسعه لمساعدتكم، وكان الاجدر بكم ان تردوا التحية بمثلها واحسن منها، بدل التآمر عليه، و تساعدوا الشعب العراقي وثورة تشرين المظفرة على اسقاط العملية السياسية برمتها، وإنهاء الاحتلال الأمريكي ووصيفه الإيراني وتابعهما الاحتلال التركي، واذا كنتم عاجزين عن فعل ذلك، او الوقوف على الحياد ، فالزموا الصمت كأضعف الايمان. وبهذا الصدد ليس أمامنا هنا إلا ان نذكركم، بأن هذه الجريمة التي اضفتموها الى سجل جرائمكم ضد العراق واهله، لن يغفرها لكم شعب العراق. فثورة تشرين ومن ورائها عموم الشعب العراقي، قد أعلنت قرارها بمعاقبة اي نظام يقدم الدعم والاسناد لحكومة الاحتلال.
المصدر: عراق العروبة