أنت وسيارتك وعقيدتك تحت تصرف السايس

وائل قنديل 

استباقًا لذلك التصريح العجيب الذي أظهر فيه الجنرال عبد الفتاح السيسي رغبته في أن يراجع المصريون عقيدتهم الدينية التي ولدوا بها وورثوها عن آبائهم، كانت ثمّة مجموعة من الأحداث المفصلية المتعلقة بالعقيدة الوطنية قد وقعت.

مما جرى قبل أن يحرّك السيسي أصابعه ناحية المعتقد الديني الموروث، ذلك الإعلان الصادر من الكيان الصهيوني بشأن قرار رئيس حكومة الاحتلال قبول دعوة السيسي لزيارة مصر، بعد عودة الأول من واشنطن، حيث التقى الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.. تلك الزيارة التي تبحث لأول مرة، وبشكل معلن، الاستعانة بدور صهيوني في معالجة النزاع بين دول حوض النيل.

مما جرى أيضًا، أن الصحف المصرية صارت تحتفي بالمواجهات الرياضية بين لاعبين مصريين وآخرين صهاينة، وتعتبر كسب الفرق المصرية المباريات بمثابة انتصاراتٍ وطنية، على الرغم من أن الصحف ذاتها قبل أشهر قليلة كانت ترى في مثل هذه المواجهات تطبيعًا، بصرف النظر عن النتائج، بل كانت تحتفي برفض اللاعبين المصريين تلويث أنفسهم باللعب مع الصهاينة.

في ذلك تنشر “المصري اليوم” بعنوان أحمر ساخن في الأسبوع الماضي “المصارع المصري عماد أشرف يهزم منافسه الإسرائيلي 5/ 0 ببطولة العالم للمصارعة”. ثم تأتي بعدها “الشروق” لتزفّ إلى الأمة هذا النبأ العظيم” تغلب منتخب مصر للناشئين لكرة السلة تحت 18 سنة 3×3 على منتخب الكيان الصهيوني بنتيجة 20-13 في ثاني مبارياته ببطولة كأس العالم رقم 8 والمقامة في المجر خلال الفترة من 24 وحتى 29 أغسطس الجاري”.

تمعن الصحيفة في استعمال مصطلح “الكيان الصهيوني” في صياغة الخبر، وكأنها تدفع عن نفسها اتهامًا بالترويج لتطبيع رياضي صريح ومكتمل الأركان، كانت قبل أسابيع تحتفي بما هو ضده، حين نشرت خبر انسحاب لاعب الجودو الجزائري فتحي نورين، من منافسات دورة الألعاب الأولمبية المقامة في طوكيو، بعدما أوقعته القرعة في مواجهة لاعب الكيان الصهيوني في الجولة الثانية من المنافسة.

طوال الوقت، منذ أن دشّن أنور السادات مسيرة التطبيع الرسمي مع الكيان الصهيوني، كانت الصحافة المصرية، ليس فقط التزامًا بقرارات الجمعيات العمومية المتعاقبة لنقابة الصحافيين المصريين، وإنما كذلك استجابة لما تعده العقيدة الوطنية الصحيحة، تنأى بنفسها عن الترويج لكل أشكال التعامل مع العدو الصهيوني، وكانت الصحف تتنافس على من الأكثر مقاومة للتطبيع، رياضيًا كان أم رياضيًا أو فنيًا، أو اقتصاديًا.

الآن ، ربما أصبحت هذه الصحف والمنابر لا تمانع في قبول إعلانات ترويجية للشركات المصدرة للغاز المصري إلى الكيان الصهيوني، أو المستوردة للغاز الذي يسرقه الصهاينة من فلسطين المحتلة، بل ربما لا تجد غضاضةً في مداعبة رئيس حكومة الاحتلال، اليميني الصهيوني المتطرّف، بالأسئلة في مؤتمر صحافي بالقاهرة، عقب مباحثاته مع السيسي.

لم لا، وقد صارت العقيدة الوطنية والمهنية مرنة ومطاطية إلى الحد الذي صار خبر ملاعبة الصهاينة، فرقًا وأفرادًا، يمر عاديًا وبمنتهى الحفاوة المهنية بالنتائج، وكأنها إنجازات وطنية عظيمة؟

هل كل ذلك كان مقدمة ضرورية لكي يصل السيسي إلى اعتبار مراجعة العقيدة الدينية للمصريين واجبًا مفروضًا، أم أنه النتيجة، أم هو المنطق الذي يفرضه سياق عام يعبث بمصر القديمة،  التي كانت مستقرة جغرافيًا وتاريخيًا، وروحيًا، حتى جاء الزعيم ليخترع جمهورية جديدة، على كل من يريد الانتساب لها والعيش فيها أن يراجع معتقداته الموروثة، الدينية والوطنية والإنسانية، قبل أن يسمح له بدخول عاصمتها الجديدة والطواف حول “فتاحها العليم” الذي بات أهم وأقدس من الأزهر الشريف؟.

الشاهد أن السيسي اختار أن يضرب في العمق، ويصل إلى أبعد الجذور في موضوع العقيدة، فيبدأ أولًا بإحداث هزّة عنيفة في مسألة المعتقد الديني، الموروث والذي، برأيه، لابد من إخضاعه للفحص والاختبار للتأكّد من سلامته وصلاحيته، وبالتالي كل ما يأتي بعد العقيدة الدينية أسهل في التعديل والتغيير، بل والمحو والإلغاء، فيصبح، مثلًا، رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني المتطرف هو ضيف مصر العزيز، وشريك زعيمها في بناء الشرق الأوسط الجديد وتنميته وتلوينه، والذي تنعقد عليه الآمال في عمل شيء يضمن حصة مصر المائية، بما لديه من نفوذ لدي أثيوبيا. كما يصبح عاديًا، فيما بعد، أن يكون النيل للجميع، فلماذا لا يصل إلى الشركاء الأعزاء؟

الحاصل، كذلك، أننا بصدد عاصفة هوجاء تستهدف كل ما هو ثابت ومستقر، تتخذ أشكالًا متباينة لكنها تصب في موضوع واحد، وعلى سبيل المثال ليس معنى أنك تمتلك منزلًا وسيارة أن من حقك أن تركن سيارتك أمام منزلك، وتنام قرير العين، من دون أن تدفع شيئًا، لا يا سيدي أنت واهم، هذا زمن ولى، فهناك سايس جديد، يمتلك سلطة التشريع والتنفيذ فيما تظن أنه من ممتلكاتك الخاصة، البيت بيتك لكنك لا تملك أن تضع سيارتك أمامه بالمجان، فالسايس شريك أساسي، ومن صلاحياته وسلطاته أن يأخذ نصيبه مما لديك.

الكارثة الحقيقية أنهم يقتربون من موضوع العقيدة، بالمنطق ذاته، منطق السايس الذي يمتلك حق تقرير مصير سيارتك، أين تبيت وكم يكلفك مبيتها، وما عليك إلا الانصياع، فأنت وسيارتك، كما أنت وعقيدتك، في حالة خضوع تام لإرادة السيد السايس.

 

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى