تتعمق مأساة آلاف المدنيين في أحياء درعا البلد، جنوبي سورية، نتيجة الحصار الخانق الذي تفرضه مليشيات طائفية مساندة لقوات النظام، عليهم، في ظلّ مراوحة الجهود الهادفة للتوصل إلى حلّ سياسي برعاية روسية للأزمة في درعا البلد، وهو ما يستغله النظام في استهداف هذه الأحياء بالقصف اليومي. بدوره، يواصل الطيران الحربي الروسي قصف بلدات في ريف إدلب الجنوبي، شمالي سورية، في محاولات مستمرة للضغط على الجانب التركي، لاستعادة الحركة على طريق “أم 4” الدولي الحيوي، الذي يربط غربي البلاد بشمالها.
وقال المتحدث باسم “تجمع أحرار حوران”، أبو محمود الحوراني، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “الفرقة الرابعة”، الموالية لإيران، واصلت، أمس السبت، قصف أحياء درعا البلد المحاصرة منذ نحو 70 يوماً، بقذائف الدبابات. ولم ينقطع القصف المدفعي والصاروخي على أحياء درعا البلد طوال الأيام الماضية من قبل هذه الفرقة، والتي تضم مرتزقة من بلدان عدة، بهدف الضغط على الوفد المفاوض باسم الأهالي، والذي يرفض حتى اللحظة الموافقة على شروط النظام لتوقيع اتفاق، وهي شروط تفضي إلى ارتكاب مجازر بحق آلاف المواطنين المحاصرين، وجلّهم من الأطفال والنساء. ولا يقتصر التصعيد العسكري من قبل النظام على أحياء درعا البلد، بل يعم مناطق أخرى في محافظة درعا.
وفي هذا السياق، ذكر ناشطون محليون أن جهاز الاستخبارات الجوية، وهو جهاز النظام الأكثر قسوة في التعامل مع المدنيين، وضع حاجزين على الطريق الواصل بين بلدتي المسيفرة والغارية الشرقية، في ريف درعا الشرقي، بحثاً عن مطلوبين. وكان هذا الجهاز ارتكب، مساء الخميس الماضي، مجزرة في ريف درعا الشرقي، حيث قتل ستة أشخاص في بلدة المسيفرة، وفق وكالة “نبأ” المحلية، والتي أكدت أن الجهاز رفض تسليم الجثث، ونقلها إلى أحد مقراته في العاصمة دمشق.
وفي سياق عملية التفاوض، أكدت مصادر في أحياء درعا البلد أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بعد، لأن النظام “يريد الدخول إلى درعا البلد وتجريد السلاح ووضع نقاط هناك واعتقال مطلوبين”، مشيرة إلى أن “الروس والنظام أرادوا تهجير بعض الأشخاص، وتمّ تلبية تلك المطالب من خلال تهجير ثمانية أشخاص في الدفعة الأولى، و79 شخصاً في الدفعة الثانية، لكن النظام يريد أكثر، ويصّر على تحقيق كامل مطالبه، ويسايره الروس في ذلك إلى حد ما”.
وكانت وصلت، أمس الجمعة، حافلات تقل 79 شخصاً إلى مدينة الباب شمال شرقي حلب، وتضم مقاتلين وعائلاتهم وعدداً من المدنيين من درعا البلد، خرجوا بضغوط من النظام وحلفائه. ونقلت شبكة “نبأ” المحلية، عن مصدر في لجنة التفاوض عن الأهالي، قوله، إن “ضابطاً روسياً كبيراً وصل من قاعدة حميميم هدّد بشكل غير مباشر، خلال اجتماع مع اللجنة، بقصف مدينة درعا، إذا لم تتم عملية خروج المعارضين إلى الشمال السوري”. وكان سكان أحياء درعا البلد طالبوا، أواخر شهر يوليو/تموز الماضي، بتوفير “مكان آمن” لهم للخروج بشكل جماعي من بيوتهم، للضغط على الجانب الروسي الذي رفض هذا المطلب، وأصّر على خروج المقاتلين الرفضين للتسوية مع النظام فقط.
من جهته، بيّن عماد المسالمة، وهو أحد الوجهاء في درعا البلد، لـ”العربي الجديد”، أنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق يحمي سكّان أحياء درعا البلد، “سيطلب كثيرون الذهاب إلى الشمال السوري”، مبيّناً أن نحو 10 آلاف مدني محاصرون في هذه الأحياء بعد إغلاق معبري السرايا وسجنة منذ أكثر من أسبوع. وأكد المسالمة أن الأوضاع في درعا البلد تزداد سوءاً مع ندرة الغذاء والدواء، فيما تراوح جهود التسوية مكانها.
ويرفض الوفد الذي يمثل الأهالي في درعا البلد، انتشار “الفرقة الرابعة” ومليشيات طائفية في المنطقة، لتفادي ارتكاب تجاوزات وعمليات انتقامية بحق المدنيين، ربما تصل إلى حدّ التصفيات الميدانية. ويطالب الوفد بانتشار “اللواء الثامن”، التابع للجانب الروسي، والذي يضم مئات المقاتلين من أبناء محافظة درعا، كانوا أجروا تسويات مع النظام في منتصف عام 2018، ويتمركز في بلدة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي.
وانتهج النظام منذ منتصف عام 2014، أسلوب التهجير إلى الشمال السوري لكل الرافضين الخضوع لإرادته في المناطق التي تسيطر عليها قواته، نتيجة اتفاقات “تسوية” يشرف عليها الجانب الروسي. وهجّر النظام آلاف السوريين من منازلهم في محافظتي القنيطرة ودرعا، جنوبي سورية، وفي محافظة ريف دمشق التي شهدت عمليات تهجير واسعة النطاق، خصوصاً في الغوطة الشرقية. كما هجّر النظام سوريين من مدينة حمص وريفها الشمالي، الذي بقي القسم الأكبر منه خارج سيطرة النظام لسنوات عدة. وشهدت مدينة حلب، الأكبر في شمال سورية، أواخر عام 2016، خروجاً جماعياً لسكّان الأحياء الشرقية منها، بعد حصار ومجازر كبيرة ارتكبت بحقّ المدنيين نتيجة القصف الجوي الروسي، والقصف بالبراميل المتفجرة من طيران النظام. وهجّر النظام في الربع الأول من العام الماضي، أكثر من مليون مدني من أرياف حلب وحماة وإدلب، بحيث بات الشمال السوري مكتظاً بملايين السوريين، جلّهم نازحون يعيشون في ظروف إنسانية تكاد تصل إلى حدّ الكارثة.
على صعيد آخر، لا يزال الشمال الغربي من سورية عرضة لغارات من الطيران الروسي، إذ ذكر الناشط الإعلامي محمد المصطفى، لـ”العربي الجديد”، أن بلدات البارة والموزرة وعين لاروز في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، تعرضت، صباح أمس، لثلاث غارات جوية، وذلك بالتزامن مع قصف صاروخي من جانب قوات النظام طاول مناطق متفرقة في هذا الريف. ووفق “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فقد شهد شهر أغسطس/آب الحالي أكثر من 60 ضربة جوية روسية على مواقع وتجمعات عسكرية ومدنية في أرياف إدلب وحماة واللاذقية.
ومن الواضح أن الجانب الروسي يواصل الضغط على الجانب التركي من خلال عمليات القصف الجوي، من أجل تحريك ملف الطريق الدولي “أم 4” الذي يربط غربي البلاد بشمالها، حيث يريد الروس استعادة الحركة عليه، إلا أن تعقيدات ميدانية تحول دون ذلك. ويعبر هذا الطريق ريف إدلب الجنوبي، الذي تسيطر فصائل المعارضة السورية على قسم كبير منه.
المصدر: العربي الجديد