توالت الأزمات بين الجزائر والمغرب في شكل لافت في الفترة الأخيرة، فما أن تنتهي أزمة حتى تندلع أخرى في أجواء بدت لمعظم المراقبين أسوأ من تلك التي أدت إلى حرب الرمال أوائل ستينات القرن العشرين. وتزامنت هذه التوترات في العلاقة بين البلدين مع الاستهداف الذي تتحدث عنه الجزائر لوحدتها الترابية والذي تصاعد الحديث حوله مباشرة بعد نجاح الحراك الشعبي في بلد المليون شهيد في إحباط الولاية الخامسة للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة ونظامه.
ويبدو أن المغرب بتصريحاته المتكررة الموجهة إلى الجزائر قد ساهم في خلق هذه الأجواء المشحونة، ناهيك بدعم الجزائر خلال السنوات الماضية لـ”جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”، المعروفة اختصاراً وبالإسبانية باسم “البوليساريو”، في صراعها مع المغرب حول الصحراء الغربية. وقد ازداد هذا الدعم المادي والمعنوي منذ قرابة العام مع تجدد إطلاق النار بين الرباط والجبهة قرب معبر الكركرات الرابط بين المناطق الخاضعة لسيطرة “البوليساريو” في الصحراء الغربية والأراضي الموريتانية، والتي يُسمح فيها للشاحنات المغربية المحملة بالخضار بعبور الجدار الذي يقسم الصحراء الغربية، والدخول إلى الأراضي الموريتانية عبر الأراضي التي يسميها “البوليساريو” المنطقة المحررة الخاضعة لسيطرته وذلك في إطار اتفاق يراعي الجوانب الإنسانية وحاجة موريتانيا للخضار المغربية.
ولعل الأخطر في هذه الأزمة المستفحلة هو ما جاء في بيان المجلس الأعلى للأمن في الجزائر، الذي يرأسه ساكن المرادية عبد المجيد تبون، من أن تنظيمي “الماك” الذي ينادي باستقلال منطقة القبائل، والذي تتهمه السلطات بتلقي الدعم من المغرب، و”حركة رشاد الإخوانية”، واللذين وصفهما البيان بالحركتين الإرهابيتين، قد ثبت تورطهما، بحسب بيان المجلس، في الحرائق التي عرفتها البلاد، والقتل البشع لأحد الشبان الجزائريين الذي اشتبه بتورطه في هذه الحرائق. فأن يُتهم تنظيم تدّعي الجزائر أن المغرب يقدم له كل أشكال الدعم، بحرق الغابات الجزائرية، فإن الأمر يصبح على غاية كبيرة من الخطورة، ويتجاوز مجرد “الأزمة العابرة” بين البلدين إلى إعلان حرب حقيقية سواء من هذا الجانب أو من ذاك.
وعلى فرض أن الجزائر كانت محقة في اتهاماتها، فإن سلوك المغرب في هذه الحالة يرتقي إلى درجة العدوان على بلد ذي سيادة عضو في منظمة الأمم المتحدة لا يجوز بأي حال من الأحوال العبث بأمنه واستقراره. وفي المقابل لو ثبت أن اتهامات الجزائر هي افتراء ولا أساس لها من الصحة جاز للمغرب أن يعتبر ذلك استهدافاً مباشراً له وتجنياً عليه وتحريضاً يوجب رداً قاسياً على الجار الشقيق لن يلام عليه.
فالإتهامات على غاية كبيرة من الخطورة باعتبارها صادرة عن جهة رسمية هي المجلس الأعلى للأمن الذي يرأسه رئيس الجمهورية نفسه، وليس عن جهة إعلامية أو إحدى المنظمات الحقوقية أو غيرها من مكونات المجتمع المدني الجزائري. وبالتالي وجب أخذها على محمل الجد واعتبار أن أحد الطرفين، سواء الجزائر أو المغرب، هو بصدد قرع طبول الحرب على الطرف الآخر والضرب عرض الحائط بأمن واستقرار المنطقة المغاربية برمتها.
ويرى البعض أن الرد الجزائري المتمثل في الإعلان عن إعادة النظر في العلاقات بين البلدين وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود مع المغرب غير منطقي لبلد يدّعي أن هناك استهدافاً مباشراً لوحدته الترابية من قبل شقيقه اللدود. ورأى هؤلاء أن ذلك يقيم الدليل على أن اتهامات الجزائر هي افتراءات على المغرب لا غير، فيما رأى آخرون أن الرد كان حكيماً ورصيناً ويعطي الفرصة للطرف الآخر ليراجع حساباته ويتراجع عن استهداف شقيقه اللدود.
ويُخشى أن تنفلت الأمور بين البلدين ويعود الطرفان إلى الإقتتال على غرار ما حصل عام 1963 بخاصة مع دخول الطرف الإسرائيلي على الخط وذلك بعد أن انتقد وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، الجزائر بتقاربها مع إيران وأعرب عن قلقه أيضا مما سماه “دورها في المنطقة” وذلك أثناء زيارته إلى الرباط. ولم يحرك المغرب ساكناً للرد ردعاً لضيفه الإسرائيلي في تهجمه على الجزائر من أراضيه وهو ما جعل الجزائر تصف الأمر بـ”العمل العدائي” من قبل المغرب وحليفه الكيان الصهيوني.
ويبدو أن إسرائيل ستكون عنصر توتر إضافي في العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين وهي المنزعجة من تنامي قوة الجزائر البحرية في المتوسط ومن معارضة بلد المليون شهيد لقبول إسرائيل عضواً في الاتحاد الإفريقي. كما أن الجزائر عارضت موجة التطبيع العربية، ويبدو أن حكام تل أبيب قد صنفوها بعد في خانة البلدان المعادية لوجودهم والمهددة له وباتت هدفاً لمخططاتهم التدميرية. فهل التقت الإرادتان المغربية والإسرائيلية في استهداف الجزائر من خلال مساندة الحركات الإنفصالية في منطقة القبائل وتشجيع الطوارق في الجنوب على النسج على منوال بعض الحركات الأمازيغية في منطقة القبائل؟ أم أن الأمر يتعلق بافتراءات جزائرية لتبرير مساندة بلد المليون شهيد لـ”البوليساريو” في صراعه مع المغرب حول الصحراء الغربية؟
إن ما هو أكيد أن الأوضاع في المنطقة المغاربية مقبلة على المزيد من التأزم ومفتوحة على كل الاحتمالات بما في ذلك الحروب والنزاعات المسلحة، ومن المؤكد أيضاً أن هناك أطرافاً إقليمية ودولية عديدة تدفع بهذا الاتجاه لتحقيق منافع على الميدان باعتبار غنى المنطقة بالثروات الطبيعية وتواجدها في رقعة جغرافية مشرفة على المضائق وعلى حركة الملاحة الدولية، وهو ما جعلها عرضة لمشروع الربيع العربي أو الفوضى الخلاقة الذي بشر به المحافظون الجدد منذ عقدين من الزمان، وتبدو الجزائر هي التالية مغاربياً في هذا المشروع الفوضوي بعد كل من تونس وليبيا.
المصدر: النهار العربي