محمد حسن علوان؛ روائي سعودي متميز، قرأت أغلب رواياته، ورواية صوفيا هذه تدور حول أوضاع شاب سعودي اسمه معتز (يعرّف نفسه)؛ انه انسان ملول يعيش حياته بحثا عن التغيير المستمر. فهو لا يحتمل الثبات، سرعان ما ينتقل بأفعاله لحالات مختلفة ومتنوعة؛ بحثا عن الجده. لعله يهرب من ملله المزمن..؟!. حياته عاديّة لا تمييز وتميز فيها، امكانياته جيدة. تنقل بين أعمال كثيرة، وغادرها لان الملل يجتاحه. وجد نفسه وحيدا بعد حادث سير اودى بوالديه. يمتلك مال اهله وحياة راحة يعيش الحياة متقلبا هاربا من ملله، باحثا عن الجديد والمثير وعن ما يريح نفسه التي لا ترتاح لشيئ. تزوج ليتذوّق عالما جديدا، استمر زواجه ثلاث سنوات. طلق زوجته، لم تؤته بالولد ودخل الملل كالسوس لحياته سرّحها. يقضي عمره من عمل فاشل لآخر لعله ينجح، مسافرا في اركان الارض. بعض وقته يقضيه في الانترنت بحثا عن الاثارة و مجرّبا لنفسه الملوله. يتعرّف على الفتاة صوفيا اللبنانية من بيروت ويدردش معها. بيروت مدينته له فيها صولات وجولات. بيروت السياحة والمسرات، بيروت الجمال والطبيعة والمتعة على الناصية. صوفيا فتاة بيروتية، في عقدها الثالث من العمر. بدء وعيها بالحرب الأهلية. بيتهم كان على خطوط التماس، لم تنتهي الحرب حتى أخذت والدها، الذي اصابته قذيفة وهو في البيت. ِقطعا غادر إلى الآخرة ولحقته الأم التي لم تستطع أن تحتمل حياة عايشت فيها تجميع اشلاء زوجها من ركام المنزل، جنّت وماتت، بقي لها اخوها الذي هاجر هو أيضا، وبقيت وحيدة تعيش بامكانيات اهلها. تقضي عمرها في حياة رتيبة حتى جاءها يوما نتاج تحليلها الطبي الدوري يخبرها انها مصابة بالمرض الخبيث، وأنها أمام مسار طبي صعب، فإما أن تعالج كيميائيا و اشعاعيا لعل وعسى، أو تنتظر موتا بطيء مع بعض العلاجات ليخفف الالم عنها، ويقدم لها موتا رحيما(إن كان هناك موت رحيما). هنا تقاطعت أقدار معتز وصوفيا. معتز وجد الإثارة والجدّه والتعايش المثير. أما صوفيا فوجدت بمعتز محاوله اخيره للتشبث بالحياة وشرب ثمالتها، قبل رحيل حتمي جاء كقدر قاهر. التقيا في شقتها المعدّة جيدا لتكون سفينة الأيام المتبقية للمغادرة للعالم الآخر. التقيا شربا من مسرّات الجسد، خاضا كثيرا في حياتهم، تحدث عن نفسه وحياته و ملله، تحدثت عن أهلها والحرب واخيها. إعادة رسم الحياة مجددا، تعايشا لشهرين كاملين في شقتها لم يخرج إلا مرة واحدة ليعالج بوادر شدة الملل في نفسه وروحه. وهي صنعت معه كل ماتشتهي؛ من اشباع للجسد وحتى فكرت بالحمل ليكون لها طفل يغادر معها للقاء الرب هناك في الغيب!. اشتد المرض عليها، بدأت تدخل في الغيبوبة. غادرها ولم يفهم لماذا سكنته بهذه القوة، ولماذا يتابعها بشكل يومي عبر الهاتف من الرياض، لم يفهم لماذا ذهبت نفسه بعيدا وراء تجربة عرف مسبقا انها تنتهي بموت الطرف الآخر بقرار من قوانين المرض الخبيث. انه ضعيف امام نوازعه النفسية. صارت هاجسه الدائم. عاد اليها تواجد جوارها وهي تموت، وارتاح لوجوده معها الى ان غادرته يوما الى العالم الاخر. افتقدها كثيرا. وسرعان ما عاد لمرضه القديم ؛ الملل.
في تحليل الرواية نقول:
إننا امام رواية مسكونة بعالم الإنسان الغريب والمتنوع، وأن الإنسان ضحية النقص الوجودي الأصلي ؛انه يموت؛ يعني زائل، وهذا اقصى معاناة وجودية. ان الانسان عندما لا تسكنه رسالة او معنى لحياته، سيجد نفسه ضحية ادراكه الوجودي ذلك، وسيجد نفسه يستهلك حياته بتفاهة، ويعيشها كاي متعضية نكرة في الوجود.
إنها رواية تقول المسكوت عنه؛ لماذا يحمل وجودنا هذا النقص.؟!. وان حياتنا تافهة إن لم نصنع نحن بني الإنسان لها معنى ومحتوى ومضمون ورسالة. نندفع لنكون من صنّاع المعنى للوجود . وليس ضحايا للكون المتحرك المتغير بعبثية مقيتة من الأزل للأبد.
انها تسألنا لماذا وجدنا ؟. والى اين نسير؟. وماذا علينا ان نفعل.؟. ونحن مضطرّون ان نجيب عن الاسئلة بحياتنا نفسها وكيف نعيشها.
نعم وجودنا في الحياة هدية الله لنا، نحمل رسالة الخير والعطاء، ومن ثمّ في الآخرة -عند الله- نحاسب عن وجودنا ودورنا.