يوم القيامة، أو “نهاية العالم”، هو الدمار الكامل للعالم كما هو موصوف بشيء من التفصيل في سفر الرؤيا التوراتي. ولا شيء أسوأ يمكن أن يحدث للبشرية. ومن المثير للاهتمام أنه كان عنصراً متكررًا للحضارة لأكثر من ألفي عام، لكنَّ كل تنبؤ بـ”نهاية الأزمنة” فشل حتى الآن.
ومع ذلك، يثبت المجتمع المعاصر أن لنهاية العالم العديد من النتائج المحتملة. وفي الواقع، يمكن إقامة القضية لإثبات أنها لم تكن أقرب إلى الواقع مما هي الآن، لأنها تحدث مسبقاً هنا وهناك.
في مطلع القرن الجديد، بثت محطة “فرونتلاين” حلقة خاصة لمدة ساعتين من برنامجها الوثائقي “بي. بي. إس”، كانت بعنوان “يوم القيامة” APOCALYPSE!. وقد تعقب البرنامج تطور الاعتقاد بنهاية العالم من أصله في التجربة اليهودية بعد السبي البابلي، إلى العصر الحديث. وتمت مقابلة مؤرخين وعلماء في الكتاب المقدس لمناقشة مفهوم “نهاية الزمان” ويوم القيامة من أجل توضيح أفكار الدمار الشامل وكيف تشكل هذه الأفكار العالم الثقافي. وفي الواقع، أثر مفهوم نهاية العالم على الحضارة بطرق عدة لأكثر من 2000 عام.
يعد “سفر الرؤيا”، وهو الكتاب الأخير من “العهد الجديد”، مركزيًا لإيمان الوعي الغربي بنهاية العالم التي تشكل جزءاً يعتد به من “سفر الرؤيا” وقد نشأت في فترة الستمائة عام من التاريخ السياسي اليهودي الذي اشتمل على الحروب والهزيمة على يد الغزاة الأجانب، البابليين، والفرس، واليونانيين والرومان. ونتيجة لذلك، ظهرت رؤى الجنة والجحيم والمعركة الأبدية بين الخير والشر، لتشكل الثقافة على مدى 200 عام قبل ولادة يسوع. ومنذ ذلك الحين، ظلت نهاية العالم في ماثلة أذهان الناس باعتبارها تسوية الحساب النهائية.
يظل مفهوم نهاية العالم قوة كبيرة جدًا حتى يومنا هذا، خاصة بين المؤمنين الحقيقيين. وليس ذلك فحسب، بل أنتجت فكرة نهاية العالم مؤخرًا تنويعاً جديداً يُعرف باسم “نهاية العالم المناخية”، وهو مصطلح يولِّد، بطريقة مثيرة للاهتمام، 7610.000 زيارة لمحرك البحث، “غوغل”، كل 0.58 ثانية. وفي الحقيقة، لدى “نهاية العالم المناخية” جمهور مثلما لها أتباع أقوياء ومنتقدون أقوياء، مثل مجلة “فوربس” والعديد من المنشورات الرئيسية. وبالنسبة لهؤلاء المحررين، فإن نهاية العالم ليست سوى جزء من رؤى كاساندرا الكئيبة عن الموت والظلام، التي ينبغي تجاهلها -بل وربما تسخيفها.
ومع ذلك، تُظهر بعض عمليات البحث في “غوغل” أكثر المصادر عن الهلاك والكآبة إدهاشاً. وعلى سبيل المثال، يشير “تقرير الأمم المتحدة المسرب حول المناخ: نهاية العالم تقريبًا هنا… الأسوأ لم يأت بعد….” إلى “المسودة المسربة” مؤخرًا لتقرير المناخ الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، التي يُزعم أنها تعلن: “ثمة تحذير رهيب من أننا بتنا على أعتاب تدمير كوكب الأرض بفضل الأخطار التي لا تعد ولا تحصى لتفاقم تغير المناخ”. ويشير هذا إلى تقرير الأمم المتحدة المؤلف من 4000 صفحة الذي تم تسريبه إلى وكالة “فرانس برس”. (المصدر The Byte / Climate Report، 23 حزيران (يونيو) 2021)، الذي من المقرر عدم نشره لأشهر عدة بعد.
ماذا لو كان تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، “تقرير الكآبة والهلاك”، كما يُزعم، يصيب الهدف ويذكر الحقيقة، وإنما ينتهي به الأمر بطريقة تشبه جميع التقارير السابقة للفريق الحكومي باعتباره متحفظًا للغاية؟
في واقع الأمر، ليس من الصعب كثيراً صياغة قضية إثبات لحالة “نهاية العالم المناخية” عن طريق مراقبة ما يحدث اليوم ببساطة. ما العلامات؟ بالتعريف، ليس السلوك المناخي الطبيعي علامة فارقة. ولا يتم أخذ السلوك المناخي العادي المنتظم كما رآه البشر على مر القرون في الحسبان. لكي يكون متعلقاً بنهاية العالم، يجب أن يكون الحدث المناخي مدمِّراً “يتجاوز الخبرة البشرية”.
ولسوء الحظ، فإن قائمة الأحداث المروعة الفعلية التي تؤشر على هذه النهاية طويلة جدًا. وتوضح بعض الأحداث الحقيقية الأخيرة هذه النقطة:
في تموز (يوليو)، أجرت صحيفة “الغارديان” البريطانية مقابلة مع ديانا سيكس، عالمة الحشرات منذ 30 عامًا التي تدرِّس في جامعة مونتانا. وكانت قد أخذت طلابها في رحلة ميدانية إلى حديقة جلاسير الوطنية، وقالت ما يلي: “إن الحياة لا تتعامل مع هذا فقط. عندما ذهبت إلى النهر الجليدي مع طلابي قبل بضعة أسابيع، كانت الأزهار تتجعد. وفي بعض المرتفعات المنخفضة، ذبلت الزنابق، حتى أن أزهار نبات الترمس لم تتفتح. كان يجب أن تدوم هذه الأزهار لثلاثة أسابيع أخرى، لكنها ذهبت بالفعل. وأي حشرات أو طيور تعتمد عليها، مثل النحل أو الطيور الطنانة، أصبحت في مشكلة؛ لقد نفد طعامها. وقد انقرضت مجموعات من الطيور للتو… ويبدو أن الناس يفكرون في حالات الانقراض هذه على أنها مجرد إحصائية صامتة وغير مؤلمة. إنها ليست كذلك. إنكّ تنظر إلى الطيور التي لم يعد بإمكانها العثور على الأسماك لأنها انتقلت بعيدًا جدًا عن الشاطئ. إنها تعاني الهزال. إنها تتضور جوعا حتى الموت. لقد وصلنا إلى مرحلة لم يبق فيها شيء لم يُمَسّ”. (المصدر: عالمة أميركية بارزة في مجال ذوبان الأنهار الجليدية: “لقد تحولت من كوني عالمة بيئة إلى طبيبة شرعية”، الغارديان، 21 تموز (يوليو) 2021).
من الكاشف، والمقلق للغاية أيضاً، ملاحظة أن تجربتها حدثت في “حديقة وطنية محمية”. وفي إشارة إلى كيفية تأثير تغير المناخ على الحياة، قالت ديانا: “في مكان ما على الطريق، انتقلت من كوني عالمة بيئة إلى طبيبة شرعية. لم أعد أقوم بتوثيق الحياة. إنني أصف الخسارة، والانحدار، والموت”. ويصف هذا حدثًا متصلاً بنهاية العالم على مستوى شخصي للغاية.
وعلى نطاق أوسع، أصدرت “جمعية كريفيلد لعلم الحشرات” (تأسست في العام 1905) تقريرًا عن انخفاض بنسبة 75 في المائة على مدار 27 عامًا فقط في إجمالي الكتلة الحيوية للحشرات الطائرة في العديد من المحميات الطبيعية الأوروبية. (المصدر: PLOS ONE -المكتبة العامة للعلوم- 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2017).
وعلى نطاق أكثر اتساعاً، أصدرت “مؤسسة الحياة البرية العالمية” في العام الماضي، بالتعاون مع “جمعية علم الحيوان” في لندن تقريرًا مذهلاً يفيد بأن إفراط البشرية في استغلال الموارد البيئية من العام 1970 إلى العام 2016 تسبب في انخفاض بنسبة 68 في المائة في الفقاريات البرية. وتقترب الأعداد بهذا القدر من بداية نهاية العالم، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أنها حدثت خلال حياة الفرد. ووفقًا للتقرير، تعرضت المناطق الفرعية الاستوائية لضربة قوية، وتضررت بشدة مع خسارة 94 في المائة من حياة الفقاريات البرية، وهو ما يمثل نهاية العالم بمقادير كبيرة.
في جميع أنحاء الكوكب، تضرب نهاية العالم، وإنما على أساس إقليمي، خاصةً حيث يعيش القليل من الناس، إن وجدوا، ليروا ذلك وهو يحدث.
كان هذا هو واقع الحال إلى أن شرعت في إظهار قوتها في أماكن حيث يعيش الكثير من الناس. في الصين في تموز (يوليو) 2021، حاصرت “الفيضانات المروعة” الركاب في قطارات مترو الأنفاق حيث وقفوا في المياه العميقة حتى العنق في العاصمة الإقليمية، تشنغتشو، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 12 مليون نسمة، وسادت الفوضى حيث غطت المياه أحياء بأكملها بعمق الخصر، وتسبب هطول الأمطار الغزيرة التي انهمرت بكثافة وبلا هوادة في حدوث صدع يبلغ ارتفاعه 60 قدمًا في هيكل السد الرئيسي في المنطقة، الذي يمكن أن ينهار في أي وقت، وربما يُغرق الآلاف. (المصدر: فيضانات غير مسبوقة في وسط الصين، ركاب محاصرون في قطار مترو الأنفاق بمياه عميقة، Outlook، 21 تموز (يوليو)، 2021).
ووفقًا لوكالة “رويترز”، في الصين، لقي العديد من الأشخاص مصرعهم نتيجة هطول أمطار غزيرة وغُمرت عشرات المدن في البلاد. وقامت مدينة تشنغتشو بإجلاء 100 ألف شخص. وعلى مدى ثلاثة أيام، دمرت الأمطار التي بلغت كمياتها قدمين أجزاء من وسط الصين، ودمرت المنازل. ويصف هذا نظامًا مناخيًا مدمرًا للغاية، وليس طبيعياً ولا يقترب من المعتاد. وهو علامة أخرى على سلوك يؤشر على نهاية العالم.
ووفقًا لوكالة “رويترز”، قال علماء للوكالة: “مثل موجات الحر الأخيرة في الولايات المتحدة وكندا والفيضانات الشديدة التي شوهدت في أوروبا الغربية، فإن هطول الأمطار في الصين مرتبط بشكل شبه مؤكد بالاحترار العالمي”. (المصدر: ما لا يقل عن 25 حالة وفاة بسبب هطول الأمطار في مقاطعة خنان بوسط الصين، رويترز، 21 تموز (يوليو) 2021).
ووفقًا لمقال حديث نُشر على موقع شبكة (سي. إن. إن)، فقد “حذر العلماء لعقود من الزمن من أن تغير المناخ سيجعل الموجات الحارة أكثر تواترًا وشدة. ويحدث هذا الآن واقعياً في كندا، ولكن أيضًا في أجزاء أخرى كثيرة من نصف الكرة الشمالي التي تصبح غير صالحة للسكن باطراد”. (المصدر: حرارة غير مسبوقة ومئات القتلى ومدينة مدمرة، وتغير المناخ يقضي على نصف الكرة الشمالي، (سي إن إن)، 4 تموز (يوليو) 2021).
إن “رؤيوي” و”مروع” هما الوصفان الأكثر ملاءمة للمناطق التي كانت مأهولة سابقًا وتتحول إلى مناطق غير صالحة للسكن. إنها بداية نهاية العالم، حيث مات المئات من الناس بسبب الحرارة الشديدة، التي أدت أيضًا إلى اندلاع 240 حريقًا في جميع أنحاء كولومبيا البريطانية، حيث يحوِّل الاحتباس الحراري الغابات الخضراء إلى أعواد ثقاب.
وفقًا للتداعيات الواردة في مقال نُشر مؤخرًا في مجلة Scientific American، شهدت منطقة شمال غرب المحيط الهادئ للتو مرحلة مبكرة من نهاية العالم: “مات مئات الأشخاص في موجة الحرارة الأخيرة في شمال غرب المحيط الهادئ، وفقًا للتقديرات؛ كان هناك ما لا يقل عن 486 حالة وفاة في كولومبيا البريطانية، و116 في ولاية أوريغون، و78 في واشنطن… وكانت هناك أكثر من 3.500 زيارة لقسم الطوارئ بسبب الأمراض المرتبطة بالحرارة في أيار (مايو) وحزيران (يونيو) الماضيين في منطقة تشمل ألاسكا وأيداهو وأوريغون وولاية واشنطن”. (المصدر: لماذا الحرارة الشديدة مميتة للغاية، مجلة Scientific American، 22 تموز (يوليو) 2021).
ووفقًا لكريستينا داهل، عالمة المناخ البارزة في “اتحاد العلماء القلِقين” الذين أجريت معهم مقابلة حول موجة الحرارة، فإن النماذج المناخية لم تقترب من التنبؤ بمستوى الحرارة في الشمال الغربي. وأضافت: “ولكن بعد ذلك، كان إدراك أنني أرى ذلك في حياتي، وأعيشه الآن، مرعباً حقًا”، المصدر السابق.
تضرب الأحداث المروعة المنبئة بنهاية العالم في مراحلها الأولى المناطق البرية من الكوكب منطقة تلو الأخرى بمرور الوقت، لكنها أكثر عالمية أو شمولاً في المحيطات. ووفقًا للفيلم الوثائقي لشبكة “نيتفلكس” بعنوان Seaspriacy، آذار (مارس) 2021، الذي يركز على ما إذا كان مخزون الأسماك على كوكب الأرض ينجو وإلى متى بينما تُقتَل خمسة ملايين سمكة في الدقيقة. وتتناقص أعداد الأسماك في العالم بحيث أصبحت بالفعل في مستويات نهاية العالم، كما يلي: (1) سمك الهلبوت -99 في المائة؛ (2) سمك القد -86 في المائة؛ (3) التونة زرقاء الزعانف -97 في المائة؛ (4) الحدوق -99 في المائة؛ (5) سمك القرش الدراس -80 في المائة؛ (6) سمك قرش الثور -86 في المائة؛ (7) سمك قرش المطرقة -86 في المائة؛ (8) إجمالي التدمير الجماعي لأسماك القرش بنسبة 80 إلى 99 في المائة. ويتسبب موت أسماك القرش (100.000.000 سنويًا) الواقعة في الجزء العلوي من السلسلة الغذائية في موت جميع أنواع الأنواع الأخرى في المحيطات تقريبًا أسفل السلسلة الغذائية البحرية. وقد اعتادت المحيطات أن تحتوي على 80 في المائة من الحياة. ولا أحد يعرف الرقم الآن عندما أصبحت عمليات القتل سريعة جدًا بحيث لا يمكن إحصاء ما تبقى. وهكذا، تبدو نهاية العالم متفشية، بكل المقاييس، في محيطات العالم.
قبل كل شيء آخر، يجب أن يتم إعلان نتائج أي اكتشاف بحثي جديد في هذا المضمار على أوسع نطاق ممكن: “كوكب الأرض يحبس الآن ضعف مقدار الحرارة الذي كان يحبسها قبل 14 عامًا”. (المصدر: نورمان ج. لوب وآخرون، بيانات الأقمار الصناعية والمحيطات تكشف عن زيادة ملحوظة في معدل تسخين الأرض، رسالة البحوث الجيوفيزيائية، 15 حزيران (يونيو) 2021).
ويجب على دول الكوكب أن تعمل معًا وأن تفعل شيئًا كبيرًا جداً، ورئيسياً جدًا، وقريبًا جدًا لترويض وحش المناخ، إضافة إلى وضع حد لجنون نضوب الموارد الطبيعية مثل مخزون أسماك المحيط وصولاً إلى العُمق، أو أنها ستعاني محنة لا يمكن سبر غورها، ما يعني وصول مرحلة متقدمة ما من نهاية العالم، التي -للأسف- بدأت في عرض نفسها فعلياً.
*Robert Hunziker: كاتب مستقل وصحفي بيئي نشر مئات المقالات، بما في ذلك العديد من المقالات المترجمة إلى لغات أجنبية، وظهرت في أكثر من 50 مجلة وموقعا إلكترونيا في جميع أنحاء العالم. يظهر في العديد من المقابلات للحديث عن البيئة في الإذاعات ومحطات التلفزة. يعيش في لوس أنجيلوس في الولايات المتحدة الأميركية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Apocalypse is Now
المصدر: الغد الأردنية/(كاونتربنش)