يلزم مختار قرية شدود بريف حلب، رواد مضافته التي تخطى عمرها المئة عام، بعدم استخدام الإنترنت في الجلسات للحفاظ على التواصل الاجتماعي الفيزيائي بين الحاضرين، بينما تلعب قرية الباسوطة التابعة لمدينة عفرين دوراً تجارياً مهماً كمعبر بين قطاعي المعارضة شمالي سوريا، أما قرية قراطة السورية فتشرف على ثلاث دول فاعلة في الحدث السوري عسكرياً وسياسياً هي روسيا وفرنسا والولايات المتحدة، في مشهد سريالي أفرزته الحرب المستمرة في البلاد.
كل ذلك جزء بسيط من مشروع التوثيق البصري والشفهي للقرى الواقعة شمالي غربي سوريا، الذي يعمل عليه الصحافي السوري خليفة الخضر تحت اسم “سائح القرى”.
ويحاول الخضر المولود في حي الجزماتي، بمدينة حلب، والذي خاض تجارب مريرة مع تنظيم “داعش” خلال سيطرته على مدينة الباب، إظهار جمالية القرية السورية عبر فك ارتباط المناطق التي تخضع لسلطة قوات المعارضة بالتنميط الذي طالها بسبب واقع الحرب وتنوع الأيدلوجيات التي أفرزتها الجهات المنخرطة في صفوف الثورة.
بدأت الفكرة مع الخضر خلال تجوله في بعض قرى الشمال السوري وتماهيه مع مجتمع القرية البسيط، لتتطور فكرة السياحة والفرجة الشخصية إلى مشروع يهدف إلى إبراز تفاصيل أعمق وفق سردية مختلفة عما يتم تداوله في الإعلام. وبصورة فوتوغرافية أو مقاطع فيديو عبر طائرة مسيرة “درون” يظهر “سائح القرى” صورة شبه كاملة عن الريف السوري بعيداً مما تزخم به وسائل الإعلام من صور الحرب وواقعها المأساوي الذي يخص مناطق المعارضة.
وفي حديث مع “المدن” قال الخضر: “أحاول تغيير الصورة النمطية للقرية التي زرعها النظام سابقاً عبر ثنائية الريف والمدينة ثم تطورت بعد ذلك خلال مراحل الثورة المختلفة لتدخل مرحلة الأدلجة تبعاً للقوى المسيطرة ما جعل المكان يرتبط بأسماء أشخاص أو جهات عسكرية اغتالت جمالية القرية السورية”. وأكمل: “على الرغم من بساطة الريف شمالي سوريا إلا أنه يقبع على تاريخ ضارب في القدم وآثار مهمة جداً”.
ومن الممتع الحديث مع “سائح القرى” حول مشاهداته وتفاصيل مختلفة وغنية عاشها خلال رحلاته المستمرة. وقال الخضر في هذا السياق: “هنالك تنوع كبير وشائق يمكن ملاحظته. مررت بقرى تتميز بصيد السمك وأخرى بالزراعة وثالثة بآثارها القديمة. لكل قرية لهجة مختلفة ولأهاليها طبع مختلف وعادات مختلفة أيضاً”.
ينشر خضر الصور والتدوينات الخاصة بالقرى عبر صفحة يديرها في “فايسبوك” تحت اسم “مع خليفة”، أو في صحف متنوعة تابعة للمعارضة. ويلخص مشروعه بـ”إعادة تعريف القرية السورية وإعطاء صورة كاملة وحقيقية عنها للعالم وللسوريين أنفسهم وإظهار الهوية الكاملة للقرية السورية بعيداً عن التجاذبات السياسية والعسكرية وارتباط القرية بقوى معينة”.
ويعتقد الخضر الحائز على جائزة “سمير قصير لحرية الصحافة” العام 2017 أن مشروعه الجديد يعد استكمالاً لعمله الصحافي ويطمح لتطوير المشروع إلى مدونات على “ويب سايت” تضم رحلاته بين القرى وأرشفة التاريخ الشفهي لها على لسان المسنين في توظيف العمل الصحافي لتوثيق الهوية البصرية والتاريخ الشفوي.
إلى ذلك، يتمنى الخضر دخول بعض الأماكن التي يحظر الدخول إليها أو يمنع فيها التصوير لأسباب عسكرية كما عبر عن قلقه من تنوع الجهات المسيطرة على المنطقة والتي تساهم في عرقلة عمله أو تجعله في حالة خوف دائمة من المساءلة أو الاعتقال. أما أمنيته الأكبر والتي يعتبرها بمثابة حلم بعيد المنال، فهي زيارة جميع مناطق سوريا بهدف توسيع مشروعه. لكن يبدو أن هذا الحلم أقرب إلى المستحيل على المدى المنظور بسبب تعقيدات المشهد السوري واستحالة التنقل بأمان بين ثلاثة قطاعات بثلاث جهات سيطرة، كانت تشكل سوريا السابقة قبل عقد من الزمن.
المصدر: المدن