الرئيس قيس سعيّد يجمّد عمل البرلمان التونسي،  ويعفي رئيس الوزراء من مهامه، ويعزّز صلاحياته القضائية

حمزة المؤدّب

تحليل مقتضب من باحثي كارنيغي حول الأحداث المتعلقة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ماذا حدث؟

في 25 تموز/أيلول، بعد يوم من المظاهرات التي اندلعت في تونس احتجاجًا على المشاكل الاجتماعية السياسية التي تعانيها البلاد وسوء إدارة أزمة كورونا، اتخذ الرئيس قيس سعيّد سلسلةً من القرارات قضت بتجميد عمل البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه وتنصيب نفسه النائب العام للبلاد. وأعلن كذلك عن عزمه تعيين رئيس وزراء جديد مكلّف بتأليف الحكومة.

استند سعيّد إلى الفصل 80 من الدستور الذي يعطي الرئيس صلاحية اتخاذ تدابير استثنائية “في حالة خطر داهم” يهدّد الأمن القومي، مستغلًّا عدم وجود محكمة دستورية من شأنها تقييد تأويلاته الواسعة للنص الدستوري. وقد اعتبر مراقبون أن خطواته هذه تشكّل انقلابًا على الدستور، ولا سيما أن الفراغ الدستوري الحالي يتيح لسعيّد الاضطلاع بصلاحيات رئاسية وتنفيذية وقضائية استثنائية.

حاول حزب النهضة الإسلامي وحلفاؤه معارضة القرارات الرئاسية من خلال إعادة تفعيل عمل البرلمان. لكن قوات الجيش التونسي التي تحرس البرلمان منعت رئيسه راشد الغنوشي وعددًا من نواب النهضة من الدخول إلى مقر مجلس نواب الشعب. وفي 26 تموز/يوليو، أعلن رئيس الحكومة هشام المشيشي قبوله القرار الرئاسي وتخليه عن منصبه واستعداده لتسليم السلطة. أما الاتحاد العام التونسي للشغل، وعلى الرغم من أن بيانه لم يحوِ أي إدانة، فقد ناشد الرئيس بالعودة إلى الإطار الدستوري والديمقراطية.

أين تكمن أهمية المسألة؟

يأتي قرار سعيّد بعد أشهر من الصراع على السلطة بين كلٍّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان. فقد أدى الخلاف على التعديل الوزاري الجزئي الذي أجراه المشيشي وعارضه الرئيس إلى وقوع أزمة دستورية لا تزال مستمرة منذ كانون الثاني/يناير الفائت.

وتزامنت خطوة سعيّد أيضًا مع تخبّط البلاد في أزمة اقتصادية فاقمها تفشّي جائحة كوفيد-19. فقد أدّى الصراع على السلطة وغياب التنسيق بين مختلف الإدارات الحكومية إلى أداء كارثي على مستوى تفشّي الوباء وإدارة حملة التلقيح. وتسببت موجة العدوى الجديدة جراء انتشار السلالة المتحورة دلتا بوفاة 1,000 شخص، كمعدّل متوسط، أسبوعيًا. علاوةً على ذلك، أثارت مقاطع فيديو أظهرت سوء تجهيز المستشفيات وإرهاق الطاقم الطبي، مشاعر الغضب والاستياء في نفوس المواطنين التونسيين الذين يعتبرون أن طبقتهم السياسية فاسدة وأنانية وقصيرة النظر. وبحلول 26 تموز/يوليو، بلغ عدد الوفيات بسبب الفيروس 18,600 حالة، ما دفع الرئيس إلى التدخل، فهو يرى نفسه الحَكَم في القضايا الدستورية وحامي الأمن القومي. وهو عمد، منذ انتخابه في العام 2019، إلى رفع الصوت ضدّ الفساد والمحسوبية، ما ساهم في تجريد الطبقة السياسية من شرعيتها.

ما المضاعفات على المستقبل؟

من المتوقّع أن يعيّن سعيّد رئيس وزراء جديدًا يتولّى تشكيل حكومة تكنوقراط لمعالجة حالة الطوارئ الصحية والاقتصادية في البلاد. أما أولويته الثانية فتتمثّل في صياغة خارطة طريق من شأنها حشد دعم المجتمع الدولي والرأي العام المحلي. إضافةً إلى ذلك، أعلن سعيّد عزمه إدخال إصلاحات على الدستور وتغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي. وتهدف هذه الخطوات إلى وضع حدّ للالتباس الحاصل حول الصلاحيات وتحديد سلطات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والبرلمان على نحو واضح. وقد تشمل خطته أيضًا إجراء استفتاء بشأن النظام السياسي الجديد، وإصلاح قانون الانتخابات، وعقد انتخابات مبكرة.

في هذا الإطار، سيواجه سعيّد تحديًا يتمثّل في توفير الشرعية لخارطة الطريق التي رسمها. ويعني ذلك حشد دعم الطبقة السياسية والمؤسسات الوطنية، ولا سيما الرباعي المؤلّف من الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات اليدوية، وعمادة المحامين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. لكن سعيّد يخاطر بجرّ بلاده نحو مرحلة من اللااستقرار السياسي المطوّل ما لم يعمد إلى تقديم تنازلات سياسية وإشراك القوى الاجتماعية والسياسية في مساعيه هذه.

وتتزامن هذه الأزمة الدستورية مع خوض تونس محادثات مع صندوق النقد الدولي لوضع برنامج إصلاحي جديد. لذا، من الضروري وضع خطة عمل واضحة ومدعومة على نطاق واسع، من أجل استعادة ثقة المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية، ولا سيما نظرًا إلى عبء الدين الذي يثقل كاهل تونس، والتمويل الضخم الذي تحتاجه. لذلك، ينبغي على تونس انتشال نفسها سريعًا من دوامة اللااستقرار هذه، واستعادة نظامها الديمقراطي، والتصدّي للتحديات الاقتصادية المُحدقة.

المصدر: مركز مالكولم كير- كارنيغي للشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى