هل يبدأ الأردن تعويم النظام السوري ويشقّ الطريق إلى مرحلة إقليمية جديدة؟

عماد كركص

توضح كل المعطيات والمؤشرات في الآونة الأخيرة أن الأردن يذهب خطوة أو خطوات باتجاه النظام السوري، ففتح المعابر والتبادل التجاري وتجاوز العقوبات على النظام، والسماح للأخير بفتح أبواب سفارته أمام الراغبين في المشاركة بالانتخابات الداعمة لبشار الأسد والكاسب لها بطبيعة الحال، كلها مؤشرات كانت تنبئ بذلك مع عدم اليقين التام بأن الأردن قد يقدم على هذه الخطوة بشكل مباشر، أو بالسرعة التي سارت بها الأحداث بشكل دراماتيكي.

وتفتح تصريحات ملك الأردن عبد الله الثاني، حول القبول بالنظام من منطلق قدرته على الاستمرارية والبقاء، الباب أمام مرحلة جديدة إقليمياً، لا سيما أن تلك التصريحات جاءت من واشنطن التي يطلب الملك الأردني منها الموافقة على “خريطة طريق دولية” لإنهاء الأزمة السورية عنوانها “استعادة السيادة ووحدة الأراضي”، على أن يشرف على تنفيذها كل من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل والأردن.

تلك الخريطة وإن لم يتسرب عن بنودها الكثير، إلا أن وسائل إعلام أميركية وصفت بعض بنودها بأنها تتضمن “قرارات مثيرة للجدل”، من بينها التعاون مع النظام وروسيا لحفظ الاستقرار في المنطقة، وربما تؤكد هذه التسريبات تصريحات للملك عبد الله ذاته عند لقائه الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أيام، بالإشارة إلى عودة سورية إلى الحاضنة العربية بالتعاون مع الدول العربية، ما يجعل احتمالية وضع الأردن نفسه جسراً لعبور النظام إلى التعويم من بوابتها أمراً وارداً.

وقال العاهل الأردني في مقابلة مع شبكة “سي أن أن” الأميركية إن “النظام السوري باق”، حيث كان ذلك في معرض تبريره التعامل مع الوضع الراهن وضرورة إنهاء الأزمة السورية، لكون كل المبادرات التي استخدمت خلال الفترة السابقة فشلت في إيجاد الحل، كما دافع الملك عن إعادة الإعمار، رابطاً إياها بالإصلاح السياسي في سورية.

ورغم وصف العاهل الأردني بقاء بشار الأسد بـ”التحدي” الذي ناقشه مع الأميركيين والأوروبيين، فإنه أشار إلى أن بقاء النظام يفرض نضجاً في التفكير، إذ أشار الملك إلى أن السؤال يكمن في ما إذا كان البحث هو عن تغيير النظام أو سلوكه، علمًا أن إدارة بايدن كانت قد لجأت إلى استخدام مثل هذه المفردات (تغيير سلوك النظام) منذ وصولها إلى السلطة، معتبرًا أن “تغيير السلوك، كإجابة مرجحة على السؤال، يتطلب التعامل مع كيفية التحاور مع النظام”.

وبانتظار ما ستخرجه خريطة الطريق الدولية ذات المنبع الأردني، تبقى الأسئلة مطروحة حول ماهية العلاقة التي من الممكن أن تربط النظام بالأردن، وكيف يمكن لعمّان تمهيد الطريق أمام النظام لإعادته إلى المحيط العربي رغم معارضة بعض الدول العربية، أما السؤال الأهم، فيتعلق بمدى قبول الولايات المتحدة تلك الخريطة وطروحات الأردن في ظل العقوبات المقوننة داخل برلمانها ضد النظام، التي لا يمكن العبث بها من قبل أي إدارة في البيت الأبيض مهما كان توجهها السياسي.

ويرى الكاتب والصحافي الأردني ماجد توبة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الملفين السوري والأردني ملف واحد، معتبراً أن الحدود المشتركة والتداخل بالمصالح تجعل النظر إلى كلا الملفين على أنهما حزمة واحدة، مشدداً على أن هذا التشابك زاد بعد اندلاع الحراك في سورية، نظراً للقضايا الأمنية التي خلفها، لا سيما في الجنوب وعلى الحدود مع الأردن، بحسب ما يقول.

ويدافع توبة عن التوجه الأردني بالقول: “من مصلحة الأردن بدء مرحلة الاستقرار في سورية لكي يضمن الهدوء على الحدود الشمالية، كما من مصلحته إعادة العلاقات الاقتصادية والتجارية مع سورية الكبيرة بالنسبة للأردن، وهي واعدة كسوق لتصريف واستيراد البضائع”.

ويضيف أن فتور علاقة الأردن مع بعض الدول العربية، لا سيما السعودية، يفرض عليه تنويع الخيارات في العلاقات، فيما أعلن تأييده نهج بلاده بأن تكون بوابة لتأهيل النظام وإعادته للحاضنة العربية، بغية تنشيط علاقات حكومة النظام السوري مع الدول العربية، مؤكدًا أن ذلك مصلحة أمنية وسياسية للأردن، زاعمًا أن تقريب النظام من السياسة العربية يبعده عن التحالف الكبير مع إيران.

وحول تبدل الموقف الأردني والقبول بالنظام بدلًا من المطالبة بإسقاطه، وكيفية تعامل الأردن مع الضغوط التي قد يجلبها إقدامه على محاولة تعويمه، يشير توبة إلى أن “الأردن كان مثله مثل كل الدول العربية والغربية التي طالبت بإسقاط النظام بداية الحراك”، مشيراً إلى أن ذلك لم يتكرر في السنوات القليلة الماضية، لافتاً إلى أن كثيرًا من الدول، ومنها الأردن، باتت تتعامل مع الأمر الواقع والتشعبات التي فرضها طول أمد الأزمة السورية.

وأشار توبة إلى أن مطلب إسقاط النظام هذا قد أصبح من الماضي، مؤكداً أن بلاده تسعى منذ عدة سنوات لفتح قنوات اتصال تجارية واقتصادية مع النظام، مع مراعاة الحساسية السياسية التي كانت تفرضها الولايات المتحدة والدول الخليجية وتحديداً السعودية لجهة العلاقة مع سورية.

ويلفت توبة إلى أن للأردن أهدافاً من وراء ذلك، في في مقدمتها حل مسألة اللاجئين السوريين في الأردن، من ثم الشق الاقتصادي والتجاري.

لكن الباحث والسياسي السوري رضوان زيادة، المقيم في واشنطن، يقلل من أهمية ما حمله الملك الأردني إلى واشنطن بما يخص القضية السورية، بل يعتقد أن الملك عبد الله لم يقدم أي خريطة طريق من الأساس.

ويشير زيادة، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن الملك قد طرح مجموعة من الأفكار على الرئيس الأميركي، حيث تهدف بشكل رئيسي إلى تخفيف الضغوطات الاقتصادية على الأردن، وفق قوله.

 وقال زيادة إنه لا يعتقد أن “الرئيس بايدن في وارد إزالة أي ضغوطات أو رفع العقوبات على الأسد، ربما يتم إعطاء بعض الاستثناءات بسبب كورونا، لا أكثر”.

ويلفت إلى أن “الولايات المتحدة ليست في وارد إعادة تأهيل النظام بالمطلق”، معتبراً أن أي خطة حيال هذا الجانب، سواء من قبل الأردن أو غيره، لن تكون مقبولة عند الإدارة الأميركية، لكنه في المقابل يعتقد أن الإدارة قد تغض الطرف عن الأردن في بعض تعاملاته البسيطة مع النظام، بسبب الضغوطات الاقتصادية الكبيرة عليه.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى